story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
حقوق وحريات |

تضارب المصالح وتدمير الموروث.. تقرير يرصد “اختلالات” التأهيل العمراني بمراكش

ص ص

قال تقرير حقوقي حديث إن الأرقام الرسمية حول التأهيل العمراني في مراكش “تناقض الواقع الميداني” داخل المدينة السياحية، معلناً تسجيله “اختلالات” على مستوى مشروع “مراكش حاضرة متجددة”، بينها ما يتعلق بتضارب المصالح والغش وتدمير الموروث المعماري للمدينة.

وأوضحت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ضمن تقرير حقوقي مركب توصلت صحيفة “صوت المغرب” بنسخة منه، أنه يأتي تتويجاً لتراكمات من الرصد الميداني، وتحليل المعطيات، وتتبع أوراش الأشغال، وتوثيق شهادات المتضررين، إلى جانب مساءلة الجهات المعنية حول المشروع الذي أٌعلن عنه سنة 2014 بميزانية تفوق 6.3 مليار درهم، على امتداد أكثر من عشر سنوات “دون نتائج متناسبة مع الأثر المالي والمؤسساتي المعلن”.

وأشارت الجمعية من خلال فرعها “مراكش المنارة”، إلى أن الهدف من التقرير “ليس التقييم التقني للمشروع، بل فضح اختلالاته البنيوية، وكشف تناقضاته مع المنظومة القانونية والمرجعيات الحقوقية الدولية”، فضلاً عن “تسليط الضوء على تمظهرات الفساد المؤسسي وتبديد المال العام، وانتهاك الحق في المشاركة، في السكن والصحة والتعليم والبيئة، وفي العدالة المجالية”.

وقالت الجمعية إن مشروع “مراكش حاضرة متجددة” عرف “تفاوتاً كبيراً في التصريحات المتعلقة بنسب الإنجاز”، إذ أعلنت مؤسسة العمران أن المشروع بلغ 98 في المائة على مستوى الممرين السياحي والروحي، و80 في المائة على مستوى تثمين المدينة العتيقة.

ومن جهتها، كانت قد صرحت وزيرة إعداد التراب الوطني ورئيسة المجلس الجماعي فاطمة الزهراء المنصوري بأن الإنجاز “تجاوز 67 في المائة في ظرف عامين فقط، مع تعبئة مالية تفوق 15 مليار درهم، وهي قيمة تفوق بكثير الغلاف المالي الأصلي”.

وفي المقابل، اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن هذه الأرقام الرسمية “تتناقض بشكل صارخ مع الواقع الميداني، حيث لا تزال العديد من المشاريع متوقفة، والمرافق مغلقة، والأوراش لم تنطلق أساسا”. وذكرت على سبيل المثال، أن “المسرح الملكي لم يشهد سوى ترميمات سطحية منذ انطلاق أشغاله في الثمانينات، ومدينة الفنون الشعبية ظلت في حالة ركود، وغابة الشباب لم تستكمل، بينما ظلت ساحة مولاي الحسن مهملة دون تجهيز”.

التقرير الذي عنونته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بـ”مشروع مراكش حاضرة متجددة: بين طموح التأهيل العمراني ومنطق الفساد البنيوي، تفكيك خروقات المال العام وغياب المساءلة وفق المرجعيات الدولية والقانونية”، يعتبر أن نسبة إنجاز البرنامج “أدنى من الأرقام المعلنة بكثير، خاصة إذا تم اعتماد مؤشرات دقيقة كالزمن”.

وأوضحت الجمعية أنه “كان من المفترض إنهاء البرنامج نهاية سنة 2017″، وبناء عليه “فإن استمراره إلى اليوم مهما بلغت نسب الإنجاز الرسمية لا يمكن اعتباره سوى فشل تنموي، وهدر للزمن والمال العام، ومؤشر على غياب النجاعة وسوء التسيير في ظل غياب المحاسبة والمراقبة القبلية والبعدية”.

وذكرت الجمعية أن البرنامج يطرح تساؤلات كذلك حول الشفافية، خاصة بعد واقعة “تفويت بقعة أرضية في منطقة سيدي يوسف بن علي مخصصة لبناء ثانوية تأهيلية لأحد المنتخبين، قبل أن تتم استرجاعها عقب احتجاجات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، دون أن تتم محاسبة الجهات التي قامت بالتفويت”.

ويسجل تقرير الجمعية مجموعة من “الاختلالات”، وفق أكثر من 10 فصول بينها تفكك الشرعية الديمقراطية وتغييب المقاربة التشاركية، وتضارب المصالح واحتكار التنفيذ، إلى جانب الترميم المغشوش وتدمير الموروث المعماري للمدينة”.

هذا إلى جانب تبديد المال العام وغياب الأثر الاجتماعي والرقابي، والتفويتات العقارية خارج القانون وتغول المصالح الخاصة، فضلاً عن انهيار البنية الصحية والتعليمية وتعطيل الخدمات الأساسية، وانكسار المنظومة البيئية وإهمال الفضاءات العامة.

أما على مستوى تغييب المقاربة التشاركية، فسجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان “غياباً تاماً” لأي مسار ديمقراطي تشاركي في التخطيط أو التنفيذ منذ الإعلان عن مشروع مراكش الحاضرة المتجددة سنة 2014.

وأضوحت أنه “تم تنزيل المشروع من فوق، دون عرض على المجالس المنتخبة، ودون فتح جلسات استماع للساكنة أو إشراك الفاعلين المدنيين والمهنيين”. مشيرة إلى أن هذا “الإقصاء يشكل خرقاً مباشراً للفصل 139 من الدستور المغربي الذي ينص على إشراك المواطنين والجمعيات في إعداد وتتبع وتقييم السياسات العمومية”.

وذكرت أن السلطات المحلية بقيت في موقع المنفذ الصامت، بينما احتكرت مؤسسة العمران ومكاتب الدراسات القرار الهندسي والمالي “دون أي مساءلة أو رقابة مؤسساتية”، معتبرة أن هذا النموذج “يكرس تغول القرار المركزي، ويفرغ الجماعات الترابية من صلاحياتها، ويضعف مبدأ التدبير الحر”.

ونبهت إلى أن الغياب التام للمقاربة التشاركية لا يعد فقط خللاً إدارياً، بل “يمثل انتهاكاً لحق دستوري أصيل، ويضعف مشروعية المشروع، ويحوله من ورش تنموي إلى عملية فوقية لا تستند إلى أي تعاقد اجتماعي أو مؤسساتي”.

ويلفت الحقوقيون إلى أن الاحتكار في التدبير والقرار، وتضارب المصالح بين من يخطط وينفذ يتجليان في كون أن مؤسسة العمران هي الطرف التنفيذي الرئيسي في مشروع “مراكش الحاضرة المتجددة”، بعدما تم إسناد الصفقات الكبرى إليها “دون إجراء منافسة مفتوحة أو الاستناد إلى المعايير التقنية المطلوبة في المشاريع الترابية المهيكلة”، في تفويض “غير مؤطر رقابياً”.

وتم الوقوف في التقرير عند “تسجيل محاولات رشوة مباشرة لمفتش مالي أثناء قيامه بالمراقبة الميدانية لأشغال أحد الورش”، وهو ما أدى إلى سحب جواز سفر المدير الجهوي لمؤسسة العمران، وتوقيفه احترازياً في انتظار نتائج التحقيقات.

وذكرت الجمعية المغربية أن المتابعة القضائية “تعثرت لأسباب غير مبررة، بينما واصلت المؤسسة عملها وكأن لا شيء حدث”، في الوقت الذي تم فيه “تمديد بعض عقود المقاولات المتورطة، مما يعزز فرضية التواطؤ المؤسساتي والهيمنة على القرار المالي”، بحسب نص التقرير.

وتوجهت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى مؤسسة العمران لطلب معلومات رسمية، في ظل “غياب تقارير تفصل طبيعة الصفقات، وأسماء المقاولات التي استفادت من الأشغال، والمعايير التقنية لاختيار مكاتب الدراسات”. إلا أن المؤسسة “امتنعت عن الإجابة”، وهو ما يعد “خرقاً واضحاً لمقتضيات قانون الحق في الحصول على المعلومة، وللفصل 27 من الدستور”، وفقاً لتقرير ذاته.

وسجل التقرير، بخصوص الترميم المغشوش وتدمير الموروث العمراني للمدينة، عبر ملاحظات ميدانية ومعلومات رصدها، “خروقات جسيمة في التصاميم، والمواد المستعملة، ومعايير التنفيذ”، في الوقت الذي تعتبر فيه حماية التراث وتأهيل المعالم التاريخية، خاصة السور القديم للمدينة، والساحات والمباني ذات الرمزية الثقافية “أكبر مزاعم المشروع”.

وأشار إلى أن الترميم لم يكن “أداة لحماية التاريخ، بقدر ما هو وسيلة لتجميل الواجهة وفتح المجال أمام المضاربات العقارية، في غياب الرؤية التوثيقية، واحترام المرجعية المعمارية، والالتزام بأخلاقيات الصيانة الحضرية”.

واعتبرت الجمعية أن هذا الجزء من المشروع “يشكل اغتيالاً منهجياً لذاكرة المدينة، وتفكيكاً للمعنى الرمزي لأماكن كانت شاهدة على التاريخ المشترك للمدينة”.

وعرضت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ضمن التقرير مجموعة من الوقائع، قالت إنه “تظهر بوضوح أن المال العام لم يصرف وفقاً لمنطق الحاجيات الاجتماعية، بل حسب منطق الصفقات والمصالح”، دون تفعيل أي “رقابة داخلية أو خارجية، سواء من المجلس الجماعي أو من الأجهزة المالية الرسمية”.

وشددت على أن هذا التبديد “يشكل خرقاً صارخاً للفصل 36 من الدستور المغربي، وللاتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاربة الفساد وتبديد المال العام”.

ومن المظاهر “الأكثر فجاجة” في المشروع، كان توظيف العقار العمومي في خدمة المصالح الخاصة، عبر تفويتات “تمت خارج الضوابط القانونية والمؤسساتية، وفقاً لتقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي رصدت مجموعة من الحالات “شكلت خروقات صريحة للفصل 36 من الدستور المغربي، وللقانون التنظيمي للجماعات، وللمبادئ الدولية المتعلقة بمحاربة الفساد وتضارب المصالح”.