ترامب وغرب إفريقيا.. ما موقع الرباط من “قمة” واشنطن؟

“نتحول من تقديم المعونة إلى التجارة”. بهذه العبارة رحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بقادة دول من غرب إفريقيا في مأدبة الغذاء في البيت الأبيض.
وقال ترامب، في القمة الأمريكية الإفريقية المصغرة، التي ضمت كلاُ من موريتانيا والسينغال، والغابون، وغينيا بيساو، وليبيريا، إن “هناك ثروات وإمكانات هائلة” بهذه الدول.
ونظراً لموقعه الجيوستراتيجي، وعلاقاته المتنامية مع الدولة التي كانت حاضرة على طاولة دونالد ترامب. يُطرح سؤال موقع المصالح المغربية من التوجه الأمريكي الجديد، وما قد يحمله من فرص أو تحديات، خصوصاُ في ظل المبادرات الإقليمية التي تقودها الرباط في المنطقة.
تقاطع أمريكي مغربي
في هذا الصدد، يقول عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن المملكة المغربية تُعتبر من طرف الولايات المتحدة الأمريكية حليفاً استراتيجياً.
ويرى الفاتيحي أن المغرب “يشكل نقطة ارتكاز تمر عبرها العديد من دول الجوار، كما هو الحال بالنسبة لموريتانيا، وبالنسبة كذلك للبلدان التي ترتبط مع المغرب بعلاقات اقتصادية مثل السينغال وغينيا والغابون.
ويشير الفاتيحي إلى أن هذه القمة المصغرة “ستُشكّل دعماً للمبادرة الأطلسية” بحكم التقاطع فيما بينهما، إذ أن الاستهداف الأمريكي للمنطقة يجد في بنيتها التحتية، وفي المبادرة الأطلسية “جسراًً لتفعيل استراتيجيته تجاه القارة”، سواء من حيث العلاقات الاقتصادية والتجارية، أو من حيث المقاربات الأمنية.
وتعد القمة الأمريكية الإفريقية المصغرة، بالنسبة إلى الفاتيحي، “دعوة إلى التضامن والتآزر بين الدول، والتكاتف حول مشاريع تنموية واقتصادية تدعمها الولايات المتحدة”.
وذكر أن هذه المشاريع تُشكّل خطوطاً عريضة للمحاور الأساسية للمبادرة الأطلسية التي يقودها المغرب، والتي عبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن دعمها لها، كما دعمت المقترح المغربي في قضية الصحراء المغربية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة اليوم تتوفر، من خلال شراكتها مع المملكة المغربية، على مقترح جاهز لتنفيذ المبادرة، وهي تعرضه “كفرصة ممكنة للدول التي تربطها علاقات مع المغرب من حيث القرب الجغرافي، ضمن المجال الأطلسي”.
وانطلاقاً من هذا التحليل، يعتبر الخبير في العلاقات الدولية أن هذه القمة “تُشكل عملية تسريع لتنفيذ مشاريع المبادرة الأطلسية”.
وخلال مأدبة الغداء، ذكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة تواصل في الوقت ذاته دعم محاربة الإرهاب، “الذي يُعد مشكلة كبيرة في إفريقيا”.
في هذا السياق، يقول عبد الفتاح الفاتيحي إن الولايات المتحدة الأمريكية “معنية أولاً بمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، كما أنها معنية كذلك بتكثيف استثماراتها من أجل الحفاظ على حضور متوازن في سياق التنافس مع روسيا والصين”.
هذا وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية لتعميق علاقاتها مع الدول التي كانت حاضرة على طاولة البيت الأبيض. ومن هذا المنطلق، تُعد المبادرة المغربية الأطلسية وفقاً للفاتيحي “ركيزة تضم مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى تنمية الواجهة الأطلسية، وتُعزز التكامل بين هذه الدول”. وما يُعزّز ذلك، هو أن “المملكة المغربية تتمتع بعلاقات سياسية ودبلوماسية متينة مع هذه الدول”.
مباردة ترامب.. المصالح قبل التنمية
من جانبه، يرى خالد الشيات، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في جامعة محمد الأول، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن الولايات المتحدة “لا ترى في الدول الإفريقية سوى مجال لتحقيق مصالحها، لكونها دولاً تزخر بثروات طبيعية ومعدنية تمكّن الولايات المتحدة من تحقيق مكاسب اقتصادية ومالية هامة”.
ومن هذا المنطلق، جاء هذا اللقاء، “وليس من منطلق التنمية أو التنمية المتبادلة، أو حتى الرؤى التي كانت أحياناً تتبناها الولايات المتحدة في السابق”، والتي كانت تُوازن بين الأعمال التنموية ومصالحها الخاصة، بحسب الشيات.
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن الولايات المتحدة تسعى اليوم إلى نيل المزايا بغضّ النظر عن طبيعة ما قد تحققه الدول الأخرى في المقابل، وهو ما يفسر كيف كان يجلس رؤساء الدول أمام الرئيس الأمريكي “وهم يشعرون بعدم الندية، وعدم التوافق، ويواجهون نوعاً من الفوقية، والتعرض لنوع من التحقير، “من خلال سؤال بعضهم عن دولهم وأسمائها”.
وشدد الخبير في العلاقات الدولية، في هذا السياق، على أنه لا بدّ لهذه الدول من أن تمتلك رؤية موضوعية وعملية لمستقبلها، ضمن أطر حضارية تنتمي إليها.
ويقول إن “هذه الدول المتشرذمة والمشتتة، والتي تتنازع فيما بينها وتتقابل مصالحها، ويعمل بعضها على خلق منظومات انفصالية داخل دول أخرى، هي في نظر الولايات المتحدة دول ضعيفة وفاشلة، غير قادرة على بناء منظومات فاعلة لعلاقات دولية متحوّلة ومتطورة، في عالم يشهد ظهور قوى جديدة وتسارعًا كبيرًا على المستوى الاقتصادي والمالي”.
من هذا المنطلق، يرى الأكاديمي أنه ينبغي على موريتانيا وغيرها من الدول أن تستجيب لهذه التحولات، “وتنخرط بشكل مستعجل في الرؤية الملكية المغربية الأطلسية، وأن تعمل على تفكيك الحدود التقليدية، وتسعى إلى تحقيق التكامل والاندماج، وبناء علاقات أكثر متانة وقوة”، خصوصاً على المستويات الاقتصادية وغيرها، لتتمكّن من مواجهة التحديات المتزايدة، “التي أصبحت اليوم ذات طابع شخصي بدلًا من كونها تحديات موجهة إلى الدول، وهو ما يعكس عمق هذه التحولات وطبيعة علاقتها بالمستقبل”.