story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

ترامب.. انتهت أيام الباكور وبدأت أيام “الكاياس”!

ص ص

كنا جميعا نظن أن “الباكور”، أي فاكهة التين، تنبت أساسا على ضفاف حوض البحر الأبيض المتوسط، فجاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليثبت لنا بالدليل القاطع أننا كنا خاطئين وأن أكثر الدول إنتاجا ل”الباكور” توجد في الخليج العربي.

وبما أن الأمر كذلك، وحيث إن الرئيس الأمريكي يعرف، كما نعرف، أن مدة جني الباكور قصيرة للحد الذي جعل المغاربة يحددونها في سبعة أيام ، وحيث إن الرئيس كان يعرف أنه بعد السبعة أيام سينتهي موسم الجني السهل والصيد الجائر، فقد سارع إلى بساتين الخليج التي منحته محصول هذه السنة ومحاصيل السنوات السابقة وتلك اللاحقة، قبل أن يعود جنابه إلى واشنطن ليجد أمامه هذه المرة أطباقا من تين مختلف.. “التين الشوكيّ”.

تلك الفاكهة التي إن لم تصبك أشواكها الدقيقة وهي تلج جهازك الهضمي، حتى يتورم لسانك، أصابتك أنويتها غير القابلة للهضم وهي تغادره حتى يتورم منك جزء آخر من جسمك.

في واشنطن، وجد ترامب أمامه أطباقا من إعداد أمهر الطهاة، مثل إيلون ماسك وجافين نيوسوم، الديمقراطي حاكم ولاية كاليفورنيا، وبوتين طباخ الكرملين الشهير وغيرهم.

طبق إيلون ماسك هو الأكثر تتبيلا ودسما، بما أنه يتعلق ب” مشروع الموازنة ” الأمريكية الجديدة. اختلط الأمر على ترامب بين تناول الطبق وتناول الطباخ. وقال إيلون ماسك في تصريحه تعليقا على مشروع الموازنة الأمريكية الجديدة: “أمريكا تتجه بسرعة نحو الإفلاس ولا يبدو أن أحداً يهتم، نحن نضيف تريليون دولار من الديون كل ثلاثة أشهر، وقريبا كل شهرين، ثم كل شهر، وفي النهاية، لن ندفع أي شيء سوى الفائدة، مثل شخص يغرق في ديون بطاقات الائتمان”.

ويضيف ماسك أن “هذا لن ينتهي بشكل جيد…”. وعوض الرد بشكل موضوعي على هذه الانتقادات، قال الرئيس ترامب إنه “لا يعرف ما إذا كان سيستمر في إقامة علاقة رائعة مع إيلون ماسك.

وبينما يقول ترامب إن “ماسك شارك في إعداد مشروع الموازنة”، يرد ماسك قائلا: “أكاذيب، لم يُعرض عليّ هذا القانون مطلقا، وتم إقراره في منتصف الليل بسرعة كبيرة لدرجة أن أحدا تقريبا في الكونغرس لم يكن لديه الوقت لقراءته”!

مشروع الموازنة الأمريكية تم إعداده في منتصف الليل لدرجة أن لا أحدا في الكونغرس قرأه.. يا إلهي، ما هذا؟ من الذي أعد هذا المشروع إذن؟ وكيف؟ ولماذا تم “حجبه”؟ أو على الأقل تمريره على الكونغرس؟ وهل حصل ذلك بعلم ترامب وموافقته أم رغما عنه؟ هذه أشياء خطيرة تقع في أقوى دولة في العالم؟ لسنا هنا أمام البرلمان المغربي أو المصري؟ بل “البرلمان” الأمريكي. يا للفضيحة!

يبدو أن هذا المشروع تم إعداده في غفلة من ترامب ليلة جني الباكور الخليجي. يقول المغاربة تعليقا على واقعة كهذه: “شاف الما ما شاف الحافة”.

من بقي في واشنطن إذا حين كان الرئيس ترامب يجني التين في الخليج؟ لو كان لي أن أجيب على هذا السؤال لقلت إن ترامب صحب معه كل فريقه إلى البستان ولم يبقى في المنزل سوى “الدولة العميقة”.

مشروع الموازنة هذا لم يشتمل فقط على ما أورده ماسك، بل اشتمل على ألغام أخرى. ألغام تمت برمجتها، إن هي لم تنفجر في ترامب، أن تنفجر في ماسك الذي ظل إلى غاية الأسابيع القليلة الماضية حارس المشروع الترامبي وسنده في مواجهة الحرس الأمريكي القديم.

وعن ذلك قال ماسك إنه “لولا وجودي لكان ترامب قد خسر الانتخابات… يا له من جحود”. ليرد عليه ترامب بالقول: “لقد أدار إيلون حملتي الانتخابية، ولكنني كنت سأفوز في ولاية بنسلفانيا على أي حال”. مضيفا: “لا أعلم إذا كان سيكون لدينا علاقة جيدة مرة أخرى، لم يقل إيلون أي شيء سيئ عني حتى الآن، ولكنني متأكد من أن هذا ما سيحدث بعد ذلك، أنا أشعر بخيبة أمل كبيرة في إيلون، لقد ساعدته كثيرًا “.

من جهته يشعر ماسك بأن ترامب غدر به بشكل ما، فالملياردير الأمريكي ذو الأصول الجنوب أفريقية يحمل في الحقيقة مشروعا سياسيا كبيرا، ولا يعتبر نفسه مجرّد جزء من دينامية معينة.

يعتبر ماسك أن النظام السياسي الأمريكي الحالي أصبح متهالكا ولا بد من تغييره. ومن أجل ذلك دعم ترامب الذي كان يعطي الانطباع بأنه يريد تغيير المنظومة السياسية الأمريكية شكلا وممارسة، لكن شعور ماسك بانحناء ترامب لضغوط الدولة العميقة وميله للاستمتاع بفاكهة الباكور، دفع ماسك للتفكير في تكرار تجربة إيمانويل ماكرون. وقد صار ذلك واضحا حين قال: “ألم يحن الوقت لإنشاء حزب سياسي جديد في أمريكا يمثل فعليا 80% من الطبقة المتوسطة؟” مشيرا أنه سيطلق على حزبه الجديد: “حزب أمريكا”، وهو ما يوضح بجلاء أنه يريد سحب شعار “أمريكا أولا ” الذي أطر حملة ترامب الانتخابية .

عبّر ماسك في البداية عن استيائه الشديد من قرار الإدارة تقليص الدعم الضريبي المخصص للسيارات الكهربائية، بمبرر خفض الإنفاق الفيدرالي، بالإضافة إلى قرار ترامب إطلاق مشروع “ستارغيت”، الذي يتضمن تعاونا مع شركة “OpenAI” المنافسة لماسك في مجال الذكاء الاصطناعي، دون إشراك شركة هذا الأخير الخاصة، أي “xAI”، وهذه كلها تبدو كأوراق تفاوضية بين ترامب والدولة العميقة لفسخ التحالف بين ماسك وترامب ومنع هذا الأخير من إحداث تغييرات هيكلية على بنية النظام السياسي الأمريكي.

يضاف إلى ذلك استبعاد ترشيح جاريد آيزاكمان، الحليف المقرب من ماسك، لتولي رئاسة وكالة “ناسا”. والصراع بين البنية التقليدية للدولة الأمريكية ومشروع ماسك لم يقف عند ما هو اقتصادي، بل تعداه إلى الحياة الخاصة لماسك وترامب في نفس الوقت.

ففي تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، أوردت هذه الأخيرة استخدام ماسك المتكرر للكيتامين (وهو مخدر معروف)، حتى خلال الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، ليرد ماسك على ذلك: “بالفعل جربتُ الكيتامين ولكن بوصفة طبية، وكان ذلك قبل بضع سنوات وصرحت بذلك على “X”.

ولأن ماسك يعرف من كلّف الصحيفة بنشر معلومات قديمة في نسختها الجديدة، رد قائلا: اسم ترامب مذكور ضمن وثائق قضية جيفري إبستين المتهم بارتكاب جرائم جنسية ضد الأطفال والاستغلال جنسي. ليعود ترامب فيتهم ماسك بالجنون وأنه “بات مستهلكا”.. يا إلهي، أ هذه أمريكا؟

انتهى الأمر لحد الساعة بقول ماسك بأنه يؤيد فكرة عزل ترامب واستبداله بنائبه جي دي فانس. نجاح باهر للدولة الأمريكية العميقة. وحتى لا يجد ترامب ما يكفي من الوقت لاستيعاب ما يحدث، كانت الدولة العميقة قد أعدت له “فتنة” أخرى، أو ما سأطلق عليه اسم “حرب المهاجرين الجديدة”، بين المكسيك والولايات المتحدة. حرب تم تصميمها لتكون امتدادا للحرب الأمريكية المكسيكية التي وقعت بين سنتي 1846 و1848، والتي انتهت بتنازل المكسيك عن مجموعة من الولايات، أهمها كاليفورنيا وتكساس ونيو مكسيكو. الولايات نفسها التي تشهد هذه الأيام مظاهرات عنيفة بداية بلوس أنجلوس.

كيف تم التهيء لهذه المظاهرات التي يقول ترامب إنها ممولة من أطراف معينة، وربما خارجية؟ وكيف يتم تأجيجها لحمل ترامب على اقتراف الأسوأ، أي اللجوء إلى استعمال الحرس الوطني والجيش الأمريكي لقمع هذه المظاهرات؟

قرار ترامب هذا لن يحل المشكلة ولن يطفئ نار المهاجرين، بل ستكون له عواقب كارثية على ترامب أولا وعلى النسيج الاجتماعي والسياسي الأمريكي بشكل عام.

وترامب في هذا ليس بعيدا عن تكرار الخطأ الذي اقترفه الرئيس الكوري الجنوبي المعزول، والذي يخضع حاليا للمحاكمة بعد فرضه للأحكام العرفية على خلفية خلافات سياسية مع المعارضة والتي تسبب خلالها في توريط الجيش الكوري الجنوبي في أجندة ليست من صميم صلاحياته.

هل انتهت الأطباق الملغمة التي تم إعدادها لترامب؟ ليس بعد. بقي طبق بوتين المتعلق بمفاوضات إسطنبول، حيث اقترح إجراء مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا دون شروط مسبقة.

في الظاهر تبدو هذه بادرة حسن نية، ولكن الثعلب بوتين ليس بتلك السذاجة. فمفاوضات إسطنبول بدأت باقتراحات ذات طابع إنساني: تبادل عدد متساو من الأسرى وجثث القتلى من الجانبين.

كلمة “عدد متساو” هنا هامة جدا، لأن ما وقع هو أن روسيا قامت كدفعة أولى بتحديد هوية 1200 جثة لجنود أوكرانيين، ووضعتهم في ثلاجات متنقلة وحملتهم نحو الحدود الروسية الأوكرانية، وطالبت كييف بنفس عدد الجثث.

لم يكن هذا سوى فخ نصبه بوتين، ليس لزلينسكي فقط، بل لترامب والغرب بشكل عام، يبين أن أوكرانيا لا تتوفر على عدد مساو من الجثث، وأن الإدعاءات التي كانت تقولها كييف حول قتلها أعدادا كبيرة من الجنود الروس، والتي كانت تطلب وتحصل بناء عليها على تمويلات ومساعدات غربية من كل نوع، تحت وهم تقدم وصمود القوات الأوكرانية وقرب هزيمة بوتين… كل تلك الادعاءات كانت محض كذب وافتراء، وأن الحقائق أفظع حتى من تلك التي كان يتداولها أكثر المتشائمين الغربيين حول مآلات الحرب.

يجد ترامب نفسه هنا في مأزق كبير، فكل الدعم الذي منحه الغرب لأوكرانيا بات بدون جدوى. وعلى ترامب أن ينهي الحرب إذا بأي شكل من الأشكال، إن هي الدولة العميقة وافقت على ذلك طبعا، وهي لا تريد؛ أو التورط والاستمرار والتوقيع على دعم حرب خاسرة على حساب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي، نزولا عند رغبة المركب الصناعي-العسكري الأمريكي.

هناك أطباق أخرى في انتظار الرئيس ترامب ولكننا نكتفي بما سبق . فقد انتهت “سبعة أيام بتاع الباكور”، وجاءت أيام “الكاياس ” على حد قول إحدى النكت المغربية .