بين بطالة الداخل وفرص الاندماج في الخارج.. ظاهرة “نيت” تؤجج نزعة الهجرة لدى الشباب

تشير بيانات حديثة إلى أن 71% من الشباب المهاجرين الذين وصلوا إلى إسبانيا وهم قاصرون ويبلغون اليوم بين 18 و23 عامًا ولجوا سوق الشغل، مع الإشارة إلى أن الغالبية منهم من أصل مغربي.
هذه البيانات التي كشفت عنها وزارة الإدماج والضمان الاجتماعي والهجرة بإسبانيا، تعيد النقاش في المغرب حول ما يعرف بشباب “نيت” (NEET)، أي ظاهرة الشباب الذين لا يدرسون ولا يعملون ولا يتلقون أي تكوين.
وتشير مؤشرات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إلى أن حوالي 1.5 مليون شاب مغربي، بين 15 و24 سنة، يعيشون في وضعية “نيت”، أي ما يعادل واحداً من بين كل أربعة شباب.
وفي هذا الصدد، قال خالد مونة الأستاذ الجامعي والخبير في قضايا الهجرة إن عدد القاصرين الذين حصلوا على تراخيص عمل في إسبانيا بلغ، حسب بيانات يونيو 2025، حوالي 9 آلاف و219 قاصراً.
وأشار مونة، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إلى أن هذا المعطى يبرز قدرة إسبانيا على استيعاب هذه الفئات وإدماجها في سوق الشغل، موضحاً أن ذلك يسبقه في العادة تكوينٌ مهني موجه نحو المهن التي تعرف خصاصاً في الاقتصاد الإسباني.
في المقابل “يواجه المغرب وضعية صعبة تغذي نزعة الهجرة”، بحسب المتحدث، إذ يصل معدل البطالة في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة إلى 36.7%.
ويرى مونة أن هذه النسبة تعكس ليس فقط صعوبات إدماج الشباب مهنياً، بل أيضاً محدودية وجدوى السياسات العمومية في مجالي التكوين والتشغيل، لافتا إلى أن ثلث العاطلين عن العمل في المغرب من فئة الشباب، مع تسجيل ارتفاع متواصل لهذه النسبة.
ومن بين الأسباب الرئيسية لذلك، يقول المتحدث، “عدم توافق النظام التعليمي مع متطلبات سوق الشغل”، بحيث ما يزال التكوين داخل المؤسسات التعليمية مرتبطاً بعقليات تقليدية لا تواكب حاجيات الاقتصاد.
وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 400 ألف طالب عمل جديد يتخرجون سنوياً من الجامعات والمدارس العمومية والخاصة، بحسب المندوبية السامية للتخطيط، في حين لا يتجاوز عدد المناصب المحدثة 98 ألف منصب فقط.
هذا “الخلل الهيكلي”، كما يصفه الباحث الأنثروبولوجي خالد مونة يغذي شعوراً عاماً بعدم الاستقرار وغياب المستقبل، مشيراً إلى أنه يؤدي إلى ارتفاع الهجرة في صفوف المراهقين والقاصرين الذين يسعون إلى تجنب الوقوع في براثن البطالة.
وحسب خبراء الاقتصاد والمعطيات الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، فإن المغرب “يحتاج إلى معدل نمو اقتصادي يناهز 6% من أجل استيعاب هذه الفئات المتخرجة، غير أن الواقع بعيد عن ذلك”، يضيف المتحدث.
ويقول مونة: “ما يعمّق ظاهرة الهجرة هو استفحال الفوارق الاجتماعية وانتشار الهشاشة”، الأمر الذي يدفع العديدين إلى ما وصفه بـ”الهروب” والبحث عن آفاق جديدة.
ويعيش المغرب اليوم واقعا ًجتماعياً واقتصادياً يشغل بال الجميع، يتمثل في ظاهرة الشباب الذين لا يدرسون ولا يعملون ولا يتلقون أي تكوين (نيت).
وفي هذا السياق، قدم عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس الحكومة الحالية، خلال الحملة الانتخابية لاستحقاقات 2021 وعودًا تمحورت حول تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين. كان أبرزها التعهد بتوفير مليون منصب شغل خلال خمس سنوات، بهدف تقليص معدل البطالة، خاصة بين الشباب، وهو الهدف الذي تم الإعلان عنه كأولوية في برنامج الحكومة.
لكن البيانات أظهرت أن الحكومة لم تتمكن من الوفاء بوعدها بخلق مليون وظيفة جديدة، مقابل فقدان 157,000 وظيفة في عام 2023 و80,000 وظيفة في عام 2024، مما يثير تساؤلات حول فعالية السياسات المتبعة.
وفي شتنبر 2024، شهدت البلاد تدفق المئات من الشباب إلى حدود سبتة ومليلة المحتلتين، في حدث أطلق عليه “الهروب الكبير” بعد حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي دعت إلى هجرة جماعية عبر الحدود إلى إسبانيا.
وعدّ نشطاء حينها تصاعد أعداد المهاجرين المغاربة والاتجاه للفرار الجماعي نتاج سياسات التهميش والفشل الاقتصادي والاجتماعي الذي يدفع الشباب للهروب من جحيم البؤس والبطالة.