بين الطموح والواقع.. هل تستطيع الدول المغاربية لعب دور الوساطة بين المغرب والجزائر؟
دعا المنتدى المغاربي للحوار، قبل أيام، الدول المغاربية الثلاث، موريتانيا وتونس وليبيا، إلى لعب دور الوساطة بين المغرب والجزائر من أجل إعادة فتح قنوات الحوار بينهما، مشددا على أن “الاستقرار في المنطقة المغاربية يعد أحد أهم التحديات التي تواجه الشعوب والحكومات على حدٍّ سواء، في ظل استمرار التوتر بين الجزائر والمغرب وما يخلّفه من آثار سياسية واقتصادية وأمنية تُضعف إمكانيات التكامل المشترك”.
هذه الدعوة، على أهميتها السياسية والرمزية، يراها محللون محاطة بجملة من الإكراهات التي تحدّ من فرص نجاحها، إذ في الوقت الذي يقدم فيه المنتدى تصورا يقوم على الحياد النسبي للدول الثلاث، يلفت محللون إلى أن الحسابات الداخلية والخارجية لموريتانيا وتونس وليبيا قد تعيق هذا المسعى.
وفي هذا الإطار، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إسماعيل حمودي، أن “المبادرة في حد ذاتها جيدة، ويمكن للدول الثلاث تشكيل قوة ضغط في هذا الاتجاه إذا جرى تعزيزها شعبيا”، موضحا أن “تفعيل قنوات الدبلوماسية الموازية بمشاركة النخب المختلفة يمكن أن يمنح المبادرة زخما إضافيا”.
لكن المتحدث يرى أن “السؤال الجوهري ليس في قدرة هذه الدول، بل في مدى مصلحتها الحقيقية في القيام بهذا الدور”.
وينطلق حمودي من أن “موريتانيا وتونس، كل بطريقتها، تنتهجان سياسة اللعب على التوازنات بدل الدفع نحو التوافق، وهو ما يجعل موقفهما أكثر تعقيدا مما يفترضه خطاب الحياد”.
ويشرح أن “موريتانيا تفضّل اللعب على الصراع بين المغرب والجزائر، وتتصور أن أي تقارب بينهما سيكون على حساب موقعها الإقليمي”.
كما يضيف أن “النظام الجديد في تونس يبدو بدوره مائلا إلى السياسة نفسها، ما يجعل قدرتها على أن تكون وسيطاً محايدا محل تساؤل”.
أما ليبيا، فيشير حمودي إلى أنها “تعيش وضعية عدم استقرار مؤسسي وأمني تمنعها من لعب أي دور فعلي في هذا الملف”.
بدوره، يستبعد المحلل السياسي محمد شقير “قدرة تونس على القيام بدور الوساطة في هذا الملف، وذلك بالنظر إلى انحراف البلاد عن الخط الحيادي الذي تبنته في السابق، والانحياز الذي قام به الرئيس قيس سعيد بعد استقباله رئيس جبهة البوليساريو الانفصالية استقبال الرؤساء”.
وهو التصرف الذي دفع المغرب إلى استدعاء سفيره من تونس، ما أضعف صورة هذا البلد كطرف محايد.
أما ليبيا، فيرى شقير أنها “مازالت تعاني من الفرقة وعدم توحيد القرار السياسي، الأمر الذي يحد من أهليتها للوساطة”، موضحا أن “الانقسام المؤسساتي يجعل كل خطوة ليبية مرتبطة بمشروعية ناقصة وبخلافات داخلية معقدة”.
وأضاف أنه “انطلاقا من هذا الواقع، يظل دور ليبيا في هذا المسار، حتى إن وُجد، ضعيفا ومحدود الأثر”، “ما يجعل الرهان عليها كوسيط يبدو بعيدا عن الواقعية”، وفق تقديره.
وفي ما يخص موريتانيا، يرى المحلل ذاته، أنها “قد تتمكن من لعب دور في نقل الرسائل بين الطرفين، نظرا لعلاقاتها المتوازنة نسبيا”، لكنه يشير إلى أن “النظام الجزائري فقد الثقة في نظام الرئيس الغزواني”.
ويُرجع ذلك إلى ما يعتبره النظام الجزائري “ميولا متزايدا نحو المغرب، خاصة بعد استقبال الرئيس الموريتاني في زيارة خاصة للمغرب من طرف الملك محمد السادس، كما يرى أن اتفاقيات التكامل الاقتصادي بين البلدين ساهمت في تعزيز هذا الانطباع”.
وبناءً على هذا، يؤكد شقير أن احتمال نجاح أي وساطة من طرف هذه الدول يظل ضعيفا وغير وارد في الوقت الحالي، خاصة أن عاملا خارجيا بات أكثر حضورا في الآونة الأخيرة، وهو دخول الولايات المتحدة على خط الوساطة بين البلدين.
ويشير في هذا الصدد، إلى زيارات وتصريحات ممثلي الرئيس ترامب، مسعد بولس وستيف ويتكوف، مبرزا أن “إدارة ترامب تمارس ضغوطا قوية على النظام الجزائري للجلوس إلى طاولة المفاوضات”، ويربط ذلك برغبة واشنطن في حل بعض القضايا الثنائية العالقة، لافتا إلى أن من بين هذه القضايا تنزيل قرار الحكم الذاتي 2797، الذي أصدره مجلس الأمن يوم 31 أكتوبر 2025.