story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

بين الريف و”جيل Z”.. ما سبب اختلاف المقاربة رغم تشابه المطالب؟

ص ص

لا تختلف المطالب التي رفعها شباب حراك الريف سنة 2017 كثيراً عن تلك التي يرفعها اليوم شباب “جيل Z”، إذ تلتقي الحركتان في الدعوة إلى إصلاحات اجتماعية واقتصادية عميقة تمسّ قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والشغل والعدالة المجالية.

غير أن مراقبين يسجلون أن رد فعل الدولة إزاء الحركتين كان مختلفاً بشكل لافت، فبينما قوبلت احتجاجات الريف بالقمع وأُدين نشطاؤها بأحكام قاسية وصلت إلى عشرين سنة سجناً، تم في المقابل التعامل مع احتجاجات “جيل Z” بنوع من الانفتاح، حيث اعتُبرت مطالبها مشروعة، وجرى فتح الإعلام العمومي أمام النقاش حولها، رغم أن انطلاقتها الأولى واجهت تضييقاً كبيرا.

هذا التباين في المقاربة دفع عدداً من الفاعلين والحقوقيين إلى التساؤل حول ما الذي طرأ حتى يتغيّر تعامل الدولة مع حركتين ترفَعان تقريباً المطالب نفسها.

في هذا الصدد، يرى الحقوقي والأستاذ الجامعي خالد البكاري أن احتجاجات الريف كانت “محدودة جغرافياً” في منطقة معينة، وكان التخوف آنذاك من انتقالها إلى مناطق أخرى واتساعها لتصبح حركة وطنية، وهو ما لم يحدث، معتبرا أن ذلك “يفسر الأسلوب الأمني الصارم الذي تم التعامل به حينها”.

وقال البكاري في تصريحه لصحيفة “صوت المغرب” إن ما يجري اليوم من احتجاجات يقوده “جيل Z” يعيد إلى الأذهان “ما وقع خلال حراك الريف قبل سنوات، من حيث طبيعة المطالب الاجتماعية والمعيشية، وإن اختلف السياق العام وطريقة تعاطي الدولة”.

وأضاف أن المشهد اليوم مختلف، لأننا أمام احتجاج بطابع وطني واسع يضم فئات من الشباب في مدن متعددة، ما يجعل الدولة تميل أكثر إلى مقاربة التهدئة والحذر بدل المواجهة المباشرة.

لكنه استدرك قائلاً إن “السيناريو نفسه الذي شهدناه في الريف قد يتكرر”، مشيراً إلى أن “السلطات تبدأ بالاعتراف بمشروعية المطالب، ثم تنتقد الوسائل، لتظهر بعد ذلك سرديات التشكيك في النوايا واتهامات بوجود أطراف خارجية أو مؤامرات”.

وأكد البكاري أن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، “فإما أن يتم احتواء الاحتجاجات عبر إجراءات تهدئ الشارع وتستجيب جزئياً للمطالب، أو أن تتطور الأمور نحو موجة جديدة من الاعتقالات والأحكام القاسية”، وهو ما وصفه بـ“السيناريو غير المرغوب فيه”.

وختم تصريحه قائلاً إن “المصلحة الوطنية تقتضي الإصغاء إلى صوت الشباب ومعالجة جذور الأزمة اجتماعياً واقتصادياً، بدلاً من إعادة إنتاج المقاربة الأمنية التي أثبتت محدوديتها في السابق”.

من جانبها، قالت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، إن ما يعيشه المغرب اليوم من احتجاجات يقودها “جيل Z” ليس سوى امتداد لحركات اجتماعية سابقة، وعلى رأسها حراك الريف، مؤكدة أن المطالب في جوهرها لم تتغير، بل هي نفسها المتعلقة بالكرامة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، “غير أن طريقة تعاطي الدولة هي التي تبدو مختلفة هذه المرة”.

وأوضحت التامني أن الاحتجاجات الحالية ذات طابع وطني واسع، وتعبّر عن غضب عام من السياسات العمومية التي عمّقت الفوارق الاجتماعية وأضعفت قطاعات التعليم والصحة والتشغيل، “في حين ظلّ حراك الريف محدوداً جغرافياً، مما جعل التعامل معه أمنياً أكثر من كونه سياسياً أو تنموياً”.

وأضافت أن “الدولة اليوم تواجه جيلاً رقمياً واعياً ومنفتحاً على العالم، يعبر عن مطالبه بأساليب سلمية وحضارية، مما يجعل أي قمع مباشر مكلفاً”.

وأكدت التامني أن الاعتراف الرسمي بمشروعية المطالب “لا يكفي ما لم يُترجم إلى إرادة سياسية للإصلاح”، معتبرة أن التحدي الحقيقي يتمثل في الانتقال من منطق التبرير إلى منطق الإنصات والاستجابة، وإطلاق دينامية جديدة قوامها العدالة في توزيع الثروة، وضمان حرية التعبير والتنظيم كشرط لأي تحول ديمقراطي حقيقي.

وختمت بالقول إن “الاحتجاجات الشبابية الأخيرة تمثل نداء استغاثة جماعياً من جيل فقد الثقة في الوعود وملّ من الخطابات، ويريد اليوم أفعالاً ملموسة تعيد له الأمل في وطن عادل يضمن الكرامة لكل أبنائه، وهو ما يفرض على الدولة استخلاص الدروس من الماضي، والقطع مع المقاربة الأمنية التي لم تُنتج سوى مزيد من الاحتقان وفقدان الثقة في المؤسسات”.