story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

بونو رمز للوطن

ص ص

حارسنا الأسطوري ياسين بونو، أجبرَنا هذا اليوم على البقاء حتى الساعات الأولى للصباح نغالب النوم وحرارة الجو من أجل أن نشاهده وهو يوقع على واحدة من مبارياته التاريخية العديدة في حراسة المرمى، في مواجهة العملاق الإنجليزي مانشستر سيتي.

كان حدسا ما يدعونا للبقاء متيقضين في انتظار المباراة، رغم أنه على الورق كانت كل التوقعات تشير إلى حصة كبيرة من الأهداف سيملأ بها لاعبو بيب غوارديولا شباك نادي الهلال السعودي.

ياسين بونو أبى إلا أن يكافئنا على صبرنا في انتظار ضربة الإنطلاقة، حيث كان سيد المواجهة بامتياز وكانت له المساهمة الكبيرة في توقيع نادي القرن الآسيوي على مفاجأة مدوية في مونديال الأندية، واستخرج منا كل مشاعر الفخر بالإنتماء للمغرب، و”فرش” فرحنا الطفولي بكون واحد من أبناء هذا الوطن يلقى كل التقدير والإحترام والإشادة بعطاءاته وأخلاقه واحترافيته.

قصة ولدنا الرائع في عالم كرة القدم، ومشواره بين أنديتها في المغرب وخارجه، دائما ما كنت ولازلت أراها تحمل الكثير من الدروس والعبر يمكن أن نسردها على أي لاعب يريد الوصول إلى أعلى المستويات العالمية انطلاقا من منظومة كروية مغربية معطوبة، ويحقق النجاح لنفسه ويجلب الإحترام لبلده.

ياسين الذي عرفته عن قرب عندما جاء ليلعب سنوات لا تنسى مع نادي جيرونا، كان لازال يتذكر أهم قرار اتخذه في حياته الشخصية والرياضية، وهو عدم تجديد عقده مع ناديه الأم الوداد الرياضي رغم عرض مسؤوليها له الذي كان يتضمن رفعا لراتبه الشهري مع التخطيط ليخلف الحارس ناذر المياغري، وأيضا كانت لديه عروض من أندية خليجية يمكن أن “يدوخ” أمام أموالها أي شاب مبتدئ يريد أن يمتلك متع الحياة.

بونو رفض كل ذلك، وفكر ودبر .. ثم التحق بالفريق الثاني لأتليتيكو مدريد ليكون حارسها الإحتياطي، و براتب شهري أقل بكثير مما كان يتلقاه في الوداد .. لقد فضل أن يخسر المال ويربح بالمقابل أشياء مفيدة توجد في منظومة احترافية متطورة، بحيث كان مروره في العاصمة الإسبانية هو الأساس الذي صنع فيما بعد إسما كبيرا في حراسة المرمى، بعد أن اجتهد طبعا، واشتغل وانضبط وطور إمكاناته عندما كان يتدرب مع حراس عمالقة مثل يان أوبلاك وتيبو كورتوا، دون أن ننسى قدرته على الإندماج في ثقافة جديدة وتعلمه للغة الإسبانية بسرعة مدهشة.

ياسين بونو ربما لو فضل مواصلة اللعب في البطولة المغربية وتجديد العقد مع الوداد، ربما كان يلعب اليوم مع أحد الأندية المهددة بالنزول، أو في القسم الثاني أو اعتزل نهائيا.. الكثير من المواهب عرفت مصيرا مشابها بعد أن أغرتها الشهرة المبكرة وأجواء المدرجات والديربيات والراتب الشهري والإمتيازات المالية، داخل منظومة كروية هاوية، لا مجهود ولا تعلم ولا اجتهاد فيها إلا “القصارة” التي تضاف إلى الأعطاب التدبيرية والتقنية التي تحرق أي موهبة في مهدها.

المكانة التي بلغها ولدنا ياسين بونو في العالم، لم تأت بضربة حظ أو كانت ورقة ياناصيب رابحة استفاق ووجدها بجوار وسادته.. والإحترام الذي لازال يحظى به اليوم في كل الأندية التي مر منها، هي نتاج انضباط وصبر ومعاناة واجتهاد، وأيضا ثمار نظرة مسؤولة للحياة ومغرياتها.

ياسين بونو هو النوعية النموذجية الملهمة لرموز المجتمع التي يجب أن نضعها في بلادنا قدوة للشباب والأطفال والأجيال الصاعدة، وليس الأشخاص العابثين المنحرفين عديمي التربية.