فلنحرص على أخلاق سلم الشجعان لا الهجوم أو التشفي!
يشهد ملف النزاع الاقليمي حول الصحراء تطورات متلاحقة خلال هذه الفترة الاخيرة، بين دعوة الأمين العام للأمم المتحدة الصريحة إلى” تغيير مسار العملية”، الواردة في الفقرة 81 من التقرير الأخير الصادر عملا بقرار مجلس الأمن 2756(2024(:
“أحث بقوة جميع المعنيين على السعي دون تأخير الى دعم جهود التيسير التي تبذلها الأمم المتحدة، من أجل تغيير مسار العملية والتوجه نحو حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره وفقا لقرارات مجلس الأمن: 2440 (2018) و2468 (2019) و2494 (2019) و2548 (2020) و2602 (2021) و2654 (2022) و2703 (2023) و2756 (2024)”.
ومضامين مشروع القرار المسرب، الذي يوكد في سياق الاعتبارات على احاطته علما بالدعم الذي أعربت عنه الدول الأعضاء لمقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي، المقدم في 11 أبريل 2007 إلى الأمين العام للأمم المتحدة، باعتباره الأساس الأكثر مصداقية لحل عادل ودائم للنزاع، ويؤكد أن الحكم الذاتي “الحقيقي” تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر جدوى، ويرحب بقيادة الرئيس ترامب لحل النزاع في الصحراء الغربية ودعوته الأطراف إلى المشاركة في هذه المناقشات دون تأخير أو شروط مسبقة، على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل، قبل انتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، إلى حل سياسي نهائي ومقبول من الطرفين، يضمن حكما ذاتيا “حقيقيا ” “داخل الدولة المغربية”، باعتباره الحل الاكثر جدوى، مع ضمان “حق تقرير المصير “لشعب الصحراء الغربية”.
ودعوة مشروع القرار المسرب إلى تقليص مدة انتداب بعثة المينورسو على عكس ما دعا إليه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة. وحديث المستشار الامريكي ويتكوف في لقاء مع cbs والذي صرح من خلاله أن الإدارة الأمريكية، تعمل على اتفاق سلام بين المغرب والجزائر خلال ستين يوما المقبلين”.
هذه التطورات المتسارعة، وإن ارتبطت بعض مضامينها بمشروع قرار مسرب لم يحز بعد التصديق والاعتماد، فإنها وبالنظر إلى حجم الانشغالات التي خلفت لدى المتتبعين تطرح عددا من الأسئلة:
- هل المضامين والاعتبارات الواردة في مشروع القرار المسرب حقيقية ونهائية؟
- من يقف وراء تسريب مشروع القرار؟
- هل التسريب مقصود لذاته؟
- ما هي الاشكالات من حيث التصميم والبناء الواردة في مشروع القرار المسرب؟
- هل سيتم بالفعل اعتماد مشروع المبادرة المغربية من أجل تخويل الصحراء حكما ذاتيا كإطار وحيد للتفاوض من أجل حل سياسي دائم ومستدام؟
- كيف ستتعاطى الدول الدائمة العضوية مع دفع الولايات المتحدة والرئيس الأمريكي إلى اعتبار الحكم الذاتي إطارا وحيدا للتفاوض؟
- ألا يختبر المشروع مدى صدقية المواقف المعبر مؤخرا من روسيا والصين؟
- ماذا تعني حاملة القلم (الولايات المتحدة) بالحكم الذاتي” الحقيقي”؟
- أليست المبادرة المغربية للتفاوض من أجل تخويل الصحراء حكما ذاتيا مبادرة حقيقية، تعتمد المعايير الدولية المستندة إلى وجوب توفر هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية مع صلاحيات واسعة في تقرير المصير بمعناه الداخلي، واشتراط خضوع نظام الحكم الذاتي إلى تفاوض، يطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية، ويعد هذا الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن؟
- لماذا انشغل المتتبعون المغاربة كثيرا بما ورد في الفقرة الثالثة من مشروع القرار المسرب والتي تتحدث على ضمان “حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية” علما أن مبادرة تخويل الصحراء حكما ذاتيا تستهدف إعمال حق تقرير المصير وفق أشكال وأساليب واقعية؟
- لماذا لم يتوقف المتتبعون المغاربة عند اصطلاح “حكما ذاتيا حقيقيا”؟
- كيف ستتعاطى الجزائر مع دعوة المنتظم الدولي “إلى تغيير مسار العملية”، سيما وأنها كانت ولازالت، تستند إلى طروحات متجاوزة وغير واقعية؟
- ما رهانات البوليساريو الأخيرة؟ وهل يمكن للجبهة أن تربح بعض الوقت بتقديمها لنص مقترحها الموسع كبادرة حسن نية وتجاوبا مع نداءات المنتظم الدولي؟
- هل تصر جبهة البوليساريو على مقاطعة المنتظم الدولي في حالة تبني المبادرة المغربية كإطار وحيد للتفاوض؟
- ما هي كلفة تبني المبادرة المغربية كإطار واحد للتفاوض؟
- هل تمتلك المملكة المغربية ضمانات تنزيل مبادرة الحكم الذاتي؟
- وهل يمكن “للجهوية المتقدمة” بما يعتريها من خصاص مؤسساتي أن تكون قناة لتجسير الانتقال نحو الحكم الذاتي؟
- هل لازالت أمام أطراف النزاع مساحة لتصميم وصناعة سلم الشجعان؟ أم أن تباعد المواقف وتصلبها سيدفع نحو مزيد من التنازل، والتنازل المضاد الذي لن يعمل إلا على رهن واستنزاف مقدرات الفضاء المغاربي؟
- ماهي فرص نجاح المشروع المسرب في نيل مشروعية المنتظم الدولي؟
- ألا يخشى المغرب من تفرد ترامب في قيادة تحالف دولي لتبني وإقرار المشروع حتى ولو لم ينل التصديق على مستوى مجلس الأمن؟
- كيف نقرأ ونفهم ما صرح به وزير الخارجية المغربي في مارس 2024 للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة الوارد في الفقرة 30 من تقرير الامين العام.
“وفي مارس أكد وزير الخارجية المغربي للمبعوث الشخصي القيمة التي توليها حكومته للعملية التي تجريها الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، وشدد على ان المنظمة هي وحدها القادرة على إعطاء شرعية لأي حل يتم التوصل إليه”.
- في الشكل
لابد من التأكيد أن تسريب ما وصف بالوثيقة الأولية، شمل هذه السنة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة ومشروع القرار المحتمل صدوره نهاية أكتوبر.
ليست هذه أول مرة نشهد فيها تسريبا لمشروع قرار لم يخضع بعد للتصويت والاعتماد، فقد سبق في 2013 أن تم تسريب إحدى المقتضيات أو الفقرات المرتبطة حينئذ بعزم مستشارة الأمن القومي الأمريكي بتوسيع ولاية المينورسو.
التسريب المتداول عبر وسائط التواصل الاجتماعي، يختلف من حيث الهندسة والتصميم الشكلي مع طبيعة قرارات مجلس الأمن المتعاقبة، خاصة فيما يتصل بالخلط بين الديباجة والاعتبارات والقرارات، إذ جرت العادة، ألا تتضمن الاعتبارات الترتيب التصاعدي )1،2(، إذ عادة ما يتصدر رقم القرار الصفحة مع الإحالة على سنة الإصدار وتاريخه، وربط ذلك بتنفيذ القرار أو القرارات ذات الصلة.
وبما أن هندسة الاعتبارات تخضع في غالب الأحيان إلى هيكلة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، فإن الإحالة في هذا الباب، كانت تقتضي التذكير على الأقل بتنفيذ قرارات مجلس الأمن: 2440 (2018) و2468 (2019) و2494 (2019) و2548 (2020) و2602 (2021) و2654 (2022) و2703 (2023) و2756 (2024).
لم يتضمن تصميم الاعتبارات التذكير ببعض المنطلقات الأساسية من باب الحرص على إثارة الانتباه لما يمكن أن يترتب عن بناء الفضاء المغاربي من تعزيز للأمن والسلم الدوليين وفتح فرص متجددة أمام الساحل والصحراء، كما لم يتم التطرق إلى التزامات الأطراف إزاء الاتفاقات العسكرية، ولا إلى مقتضيات تعزيز التعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
- في المضمون
أثارت الفقرة رقم 3 ” يدعو الطرفين إلى المشاركة في هذه المناقشات دون تأخير أو شروط مسبقة على أساس، مقترح الحكم الذاتي المغربي بهدف التوصل، قبل إنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، إلى حل سياسي نهائي ومقبول من الطرفين، يضمن حكما ذاتيا حقيقيا داخل الدولة المغربية، باعتباره الحل الأكثر جدوة مع ضمان حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية“.
أثارت العبارة الأخيرة من الفقرة 3:
“مع ضمان حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية“، جدلا كبيرا وتساؤلات في وسائط التواصل الاجتماعي، وفي هذا الصدد وبالصرف النظر عن كون الأمر يتعلق لحد الأن بعملية تسريب لوثيقة غير رسمية يمكننا التنبيه إلى ما يلي :
- من حيث الشكل، وبناء على التصميم والهندسة المتداولة في بناء القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، فقد كان من الأولى أن يرتبط حق تقرير المصير بالصيغة التالية:
” إلى حل سياسي نهائي ومقبول بين الطرفين يضمن حكما ذاتيا حقيقيا داخل الدولة المغربية، ويكفل لشعب الصحراء الغربية حق تقرير مصيره وفق مقاصد وميثاق الأمم المتحدة”.
- تعدد أشكال وأساليب إعمال حق تقرير المصير من خلال الوثائق الأممية
- وبهدف كشف خيوط الالتباس والانشغال لدى البعض الناجمة جراء عبارة ” مع ضمان حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية“، يجدر بنا التأكيد على مايلي:
- إن المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، تؤكد في بابها الأول الفقرة 8 على:
” يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير وأحكام ميثاق الأمم المتحدة”.
- كما جاء في الباب الثالث من نص المبادرة المغربية، الفقرة 27 :
” يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديموقراطية، ويعد هذا الاستفتاء طبقا لشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان لحقهم في تقرير المصير”.
هذا يعني أن المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، لا تلتف على مبدأ تقرير المصير، وإنما تستند إلى مقاصد وأهداف ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن.
وبما أن انشغال وتساؤلات المتتبعين بشأن العبارة الواردة في الفقرة 3 “ مع ضمان حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية“، ارتبط بمسألة ضمان حق تقرير المصير، لابد لنا من أجل إزالة الالتباس أن نعود لمقاربة مبدأ تقرير المصير وأشكال وأساليب تحقيقه.
- أن إعلان الاستقلال أو مبدأ تقرير المصير، لم يحدد شكل وأسلوب تقرير المصير.
- أن الإعلان الذي جرى في سياق تقاطب سياسي حاد بين المعسكرين الشرقي والغربي، وتميز تاريخ صدوره بحصول أغلب الدول المستعمرة على الاستقلال لم يحدد مفهوم “شعب” المقصود بتقرير المصير.
- أن الإعلان تمسك في مادته 06، بصون الوحدة القومية والسلامة الإقليمية للدول ” كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الاقليمية لبلد ما تكون متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه”.
- أن الأمم المتحدة وأمنائها العامون وجميع الوسطاء، الذين تعاقبوا على تدبير النزاع الاقليمي بالصحراء، حرصوا من خلال لقاءتهم المباشرة مع أطراف النزاع أو من خلال التقارير الأممية المتعاقبة على التأكيد أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وإن أكدوا على مبدأ تقرير المصير، فإنهم لم يحددوا شكل وأسلوب إقرار الحق في تقرير المصير، وفي هذا الصدد يجدر بنا التذكير بما يلي:
- تأييد أو تفويض لجزء من السلطة الحكومية، أفق لتقرير المصير
- جاء في تقرير الأمين العام الصادر بتاريخ 09 فبراير 2002 عملا بقرار 1380 )2002(، الفقرة 37 ما يلي:
” وفي ختام هذه المشاورات رأى مبعوثي الشخصي، وأشاطره الرأي أن عقد اجتماعات أخرى بين الطرفين من أجل البحث عن حل سياسي لن يأتي بنجاح، بل لا قد يأتي بعكس المراد، ما لم تكن حكومة المغرب بصفتها السلطة الإدارية في الصحراء الغربية، مستعدة لتقديم أو تأييد تفويض لجزء من السلطة الحكومية لجميع السكان والسكان السابقين في الإقليم، بشكل حقيقي وملموس ويتفق مع المعايير الدولية”.
- جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المقدم بموجب قرار مجلس الأمن 1301)2000( المؤرخ في 31 ماي 2000 في فصله الرابع الفقرة 29
“ويمكن للحل السياسي، كما بين المبعوث الخاص للطرفين، أن يتخذ أشكالا عدة، غير أن أهم ما في الأمر عدم اللجوء إلى الخيار العسكري، إذ يمكن التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض يتم بموجبه إدماج الصحراء الغربية على نحو كامل في المغرب أو اتفاق تفاوضي يمنحها الاستقلال الكامل أو اتفاق تفاوضي يأتي بحل وسط أو اتفاق تفاوضي يسمح بتنفيذ خطة التسوية”
- وجاء في الفقرة 34 من باب الملاحظات والتوصيات تقرير الأمين العام S/2006/249
” لذا فإن الخيار المتبقي، هو اللجوء إلى إجراء المفاوضات المباشرة التي ينبغي إجراؤها دون شروط مسبقة وينبغي أن يكون الهدف منها هو إنجاز ما ليس بوسع خطة أخرى إنجازه، أي التوصل إلى حل توفيقي بين الشرعية الدولية والواقع السياس، يكون من شأنه التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول لدى الطرفين، ينص على تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”.
- تعدد أشكال وأساليب إعمال الحق في تقرير المصير التي قادت الوسيط الأممي بيتر فالسوم، إلى الدعوة إلى التوفيق بين الشرعية والواقع السياسي ستدفعه إلى توضيح مقاربته بشكل أدق من خلال ما ورد في الفقرة 15 من الوثيقة S/2006/817
” لكن مبعوثي الشخصي في اتصالاته مع الطرفين والدولتين الجارتين على مدى الأشهر الستة الماضية، بين أن قوله بأن مجلس الأمن قد استبعد حلا “لمسألة الصحراء الغربية” لا يقوم على رضى الطرفين، لا يعني ضمنا، تضائلا في احترام الشرعية الدولية، ذلك أن الشرعية الدولية كما يراه أعم من قرار الجمعية العامة 1514 وأنها تشمل على وجه الخصوص، ميثاق الأمم المتحدة.”
- وجاء في لقاء للمبعوث الأممي روس مع جبهة البوليساريو، التأكيد بوضوح بأن مجلس الأمن وإن نص صراحة على تقرير مصير “شعب الصحراء الغربية”، فإنه لم يحدد لا الشكل و لا الأسلوب الذي بواسطته يمارس هذا الحق،
جاء في الفقرة 21 من تقرير الأمين العام الصادر بتاريخ 25 أبريل 2013 :
” وفي الوقت نفسه شددوا )البوليساريو( على أن أي حل عن طريق التفاوض يجب أن يحترم الحق غير القابل للتصرف “لشعب الصحراء الغربية” في تقرير المصير عن طريق استفتاء يقوم على 3 خيارات، وأجاب مبعوثي الشخصي بأنه لئن حدد مجلس الأمن تقرير المصير بوصفه إحدى المسألتين الرئيسيتين اللتين يتعين التطرق لهما، فإنه لم يحدد الشكل الذي يمكن أن يتخذه تقرير المصير”
- في شأن الحكم الذاتي “الحقيقي”
ورد في الفقرة 03 من مشروع القرار المسرب الحديث عن حكم ذاتي حقيقي، والملاحظ أن هذه الصيغة سبق وأن وردت على لسان مستشار الرئيس الأمريكي المكلف بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فهل تلمح هذه الصفة التي باتت مرتبطة بالحكم الذاتي تنقيصا من مشروع مبادرة تخويل الصحراء حكما ذاتيا، أم أنها تنطبق عليها بالفعل أم أنها مجرد محاولة ومقتضى تحفيزي مرتبط بقواعد إدارة المفاوضات المرتبطة بالنزاع، بالنظر إلى ما توحي به الصفة من إمكانية انفتاح المبادرة على التفاوض الجدي والمسؤول والواقعي بشأن مختلف مفاصلها ومرتكزاتها.
تقدم المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حما ذاتيا بصرف النظر عن التفاصيل المرتقبة في سياق التفاوض كل المؤشرات والمعطيات على أنها تهدف إلى إقرار حكم ذاتي حقيقي يمكن جميع سكان الصحراء من تقرير مصيرهم بالمعنى الداخلي لتقرير المصير، ولتفصيل مدى جدية المبادرة وأحقيتها انطلاقا من مواد وفصول المبادرة، لابد من الوقوف على مايلي :
- في الباب الأول المتعلق بالسياق والاعتبارات وأسباب النزول تؤكد المبادرة الوطنية على :
- تجاوبها المطلق والمسؤول مع دعوات مجلس الأمن الهادفة إلى تجاوز مأزق مخطط التسوية والبحث عن حل سياسي واقعي مستدام، ينسجم مع مقاصد وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن .
- اندراج المبادرة المغربية في سياق بناء مجتمع ديموقراطي حداثي يرتكز على مقومات دولة الحق والقانون.
- اندراج المبادرة المغربية في سياق يطمح لبناء فضاء مغاربي يضمن السلم والأمن الدوليين ويفتح فرصا متجددة نحو الساحل والصحراء.
- تكفل المبادرة المغربية لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو الخارج مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها بعيد عن أي تمييز أو إقصاء.
- تكفل المبادرة وبشكل ديموقراطي لجميع سكان الصحراء، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وتحتفظ الدولة باختصاصات حصرية في القضايا السيادية.
- يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير وميثاق الأمم المتحدة.
- في الباب الثاني، حرصت المبادرة المغربية للتفاوض على استلهام مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، كما سعت إلى الاستفادة من الأحكام الدستورية المقارنة الممارسة في بعض الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا.
كما حرصت المبادرة المغربية على اعتماد المعايير الدولية المتعارف عليها سواء من خلال الهيئات التنفيذية والتشريعية أو القضائية أو من خلال الاختصاصات الواسعة الممنوحة لجهة الحكم الذاتي، مع الحرص على توفير الموارد المالية الضرورية لتنمية مركز جهة الحكم وتحديد الاختصاصات الحصرية للدولة، والمهام الموكولة لمندوب الحكومة، كما أتاحت لسكان جهة الحكم الذاتي حق التمثيل في البرلمان المغربي بغرفتيه وباقي المؤسسات الوطنية، ووضعت تصورا حكيما ومتوازنا يسمح بتكون برلمان الحكم الذاتي للصحراء من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة، مع التنصيص طبعا على مقاربة النوع.
وأتاحت المبادرة المغربية للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البث في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي بالصحراء، وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك.
كما أحدثت المبادرة المحكمة العليا الجهوية باعتبارها أعلى هيئة قضائية بجهة الحكم الذاتي للصحراء، للنظر انتهاء في تأويل قوانين الجهة، دون إخلال باختصاصات المجلس الأعلى والمجلس الدستوري.
- وفي الباب الثالث، المتعلق بمسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله، شددت مبادرة التفاوض من أجل تخويل الصحراء حكما ذاتيا على :
- ” يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديموقراطية، ويعد هذا الاستفتاء طبقا لشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان لحقهم في تقرير المصير”.
- كما أكدت الوثيقة على مراجعة الدستور المغربي من أجل إدراج نظام الحكم الذاتي فيه ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة، كما أكدت بعد الموافقة الأطراف على مشروع الحكم الذاتي على تشكيل مجلس انتقالي مكون من ممثلي الأطراف، يتولى تدبير عودة سكان المخيمات إلى الوطن، ونزع السلاح والتسريح، وإعادة إدماج العناصر المسلحة التي توجد خارج تراب الجهة، وكذا أي مسعى يهدف إلى إقرار هذا النظام وتطبيقه.
- في الاجراءات الهيكلية الاستباقية
مبادرة المغرب للتفاوض من أجل تخويل الصحراء حكما ذاتيا، التي تم تقديمها كوثيقة رسمية منذ 2007 خضعت للرؤية متكاملة ومنسجمة من أجل تهيئة الإقليم لمسار الحكم الذاتي.
- في إنتاج المبادرة
حرصت المملكة المغربية في سياق اختيارها الديموقراطي الحداثي على إطلاق حوار وطني شامل ساهمت فيه كل القوى والفئات الحية، كما ساهم فيه سكان الصحراء من خلال المجلس الملكي للشؤون الصحراوية الذي أدار حوارا مفتوحا وشاملا حول مبادرة الحكم الذاتي، بل أنه ومن أجل تعزيز المقترحات والاجراءات المتعلقة بالجباية المحلية والقضاء المحلي، دعي المجلس من طرف جلالة الملك على وجه الاستعجال من أجل العمل على بلورة اجراءات دقيقة في الموضوع.
خضعت الوثيقة المركبة المنجزة بعد حوار وطني شامل إلى استشارة واستماع لأراء عدد من الدول الصديقة بلغت حوالي 40 دولة.
- في هيكلة الإقليم
حرصت المملكة المغربية على جعل الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي الخاص بالأقاليم الصحراوية مدخلا أساسيا لإعادة هيكلة وإعداد الإقليم لاستقبال مبادرة الحكم الذاتي متى توفرت شروطها الدولية مع الحرص على جعل خيار إعادة هيكلة الإقليم منطلقا لتحويله إلى منصة دولية للربط اللوجيستي بين الشمال والجنوب ومركزا لبناء السلم والأمن الدوليين.
- في المبادرة الدولية
منذ مطلع الألفية الثالثة، حرصت القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في موضوع نزاع الصحراء، ومن منطلق الرهان على تحويل النزاع من إدارة المواقف إلى إدارة المصالح، على الرهان على ما يمكن أن يترتب عن حل النزاع الاقليمي من إمكانات غير مسبوقة لبناء فضاء مغاربي موحد يسهم في بناء السلم والأمن الدوليين.
ولتعزيز هذا الخيار لم تتردد المملكة المغربية في إطلاق سلسلة من المبادرات الإقليمية والدولية، خاصة تلك الموجهة إلى بناء التجمع الأطلسي والساحل والصحراء، وغير خاف أن هذه المبادرات تستجيب من جهة للنداءات الواردة في قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية وتوفر أساليب ومداخل جديدة لإحداث تحول نوعي في الإشكالات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين بالساحل والصحراء.
- سلام الشجعان، طريق لحماية مقدرات المغارب
بعد حملة التشكيك التي واكبت تسريب مشروع القرار، وبعد التأكد من أن المنتظم الدولي وبزعامة من الرئيس ترامب يدفع بقوة في اتجاه تبني الحكم الذاتي المغربي “الحقيقي” كإطار وحيد للتفاوض وتحديد سقف زمني لا يتعدى، ستون يوما من أجل بلورة اتفاق نهائي بين أطراف النزاع، سارعت البوليساريو أو دفعت لتقديم ما قيل أنه النص التفصيلي لمبادرة الجبهة، قبل أن تعود للتهديد بأنها، ستنسحب من المفاوضات في حالة اذا ما تم تبني المبادرة المغربية كإطار وحيد للتفاوض، بينما يلتزم قصر المرادية صمتا رهيبا وإن سرب ما مفاده أن الجزائر لن تشارك في التصويت في حال تبني مبادرة المغرب من أجل تخويل الصحراء حكما ذاتيا.
هذا الوضع الناجم عن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى تغيير مسار العملية السياسية لا ينبغي أن يتحول في تقديري إلى مبرر للضغط أو الهجوم أو التشفي من مواقف أطراف النزاع، بقدر ما يقتضي التمسك بقيم وأخلاق سلم الشجعان مع ما تقتضيه هذه القيم من استعداد غير مسبوق لتفهم اشكالات وهواجس الأخر.
فنحن اليوم بصدد إحداث نقلة نوعية في تدبير النزاع وذلك بالرهان على نقل النزاع من إدارة وتدبير المواقف إلى تدبير المصالح المشتركة بين المغارب أيا كان انتماؤهم أو وضعهم.
وهكذا فإن التحول في تقديري، كان ولايزال يحتاج بموازاة مع تقديم مبادرة للتفاوض من أجل تخويل الصحراء حكما ذاتيا، العمل على إعادة إنتاج خطاب مسؤول ومتوازن، يراهن على البناء ويحرص على المشترك الجماعي للمغارب.
إن الرهان على المصالح المشتركة عوض المواقف لا يرتبط فقط بما يمكن أن يترتب عن هذا البناء المغاربي من نمو وتكامل اقتصادي ونهضة تنموية وتعزيز للسلم والأمن الدوليين، بقدر ما يتطلع إلى دفع كل الاطراف إلى التفكير الجدي في وقف نزيف التنازلات للأخر مقابل مصالح ضيقة ووهمية أحيانا والتفكير المشترك في استغلال ما تبقي من مسافة للمناورة من أجل بناء سلام الشجعان الذي من شأنه حماية ما تبقى من مقدرات الأوطان وتقليص كلفة سلام ينجز في غرف مظلمة.
وفي هذا الصدد، أعتقد أن مبادرة تخويل الصحراء حكما ذاتيا، كانت ولا زالت سخية في توزيع كلفة بناء السلام، بل لن أجانب الصواب إذا قلت أنها كانت “تنازلا مؤلما” بالنسبة للمملكة المغربية لكن ألام هذا التنازل كانت ضرورية لاقتسام كلفة السلام والبناء المغاربي المشترك.