story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

بعد 23 سنة.. حادث “البر والبحر” يعيد إلى الأذهان أزمة “ليلى”

ص ص

في حادث وصفته الصحافة الإسبانية بـ”غير المتوقع”، أقدمت إسبانيا على إزالة علمها من جزيرتي البر والبحر (تيرا ومارا) المحتلتين، والواقعتين قبالة السواحل المتوسطية للمغرب، بالقرب من مدينة الحسيمة.

وقالت صحيفة “لاراثون” (LA RAZÓN) إن هذه الخطوة تأتي بعد أكثر من عشرين عاماً على رفع العلم الإسباني فوق الجزيرتين، وهو ما تسبب آنذاك في توترات دبلوماسية بين الرباط ومدريد، في ارتباط بحادثة جزيرة “بيريخيل” (ليلى) سنة 2002، حين أقدمت البحرية الملكية المغربية على إنزال محدود في الجزيرة، ردّت عليه إسبانيا حينها بعملية عسكرية استعادت خلالها السيطرة الرمزية، ما فجّر أزمة دبلوماسية بين البلدين استدعت حينها وساطة أمريكية.

ويثير حدث إزالة العلم تساؤلات حول الدافع من وراء هذه الخطوة، وما إذا كانت تعكس تغيراً في الموقف الرسمي الإسباني من هذه الجزر، أو أنها مجرد إجراء تقني لا يحمل دلالات سياسية.

التوتر القديم

ترتبط هذه الجزر بسياق سياسي متوتر يعود إلى أزمة جزيرة ليلى سنة 2002، التي كادت أن تتحول إلى حرب بين الجيشين المغربي والإسباني، عندما قامت البحرية التابعة للقوات المسلحة الملكية بتنفيذ إنزال على الجزيرة رفعت خلاله العلم الوطني.

واعتبرت إسبانيا الحركة المغربية آنذاك “انتهاكاً للسيادة”، لترد بعملية عسكرية واسعة من أجل استعادة السيطرة على الجزيرة، مما أدى إلى أزمة دبلوماسية حادة بين البلدين، سحب الجانبان على إثرها سفيريهما من الرباط ومدريد.

وتصاعد التوتر حينما قرر ضباط إسبان من بحرية الحرس المدني النزول إلى الجزيرة لمطالبة القوات المغربية بالمغادرة، إلا أن هذه الأخيرة أجبرت القوات الإسبانية على العودة إلى قواربها، ومن ثم إلى الساحل الذي أتت منه.

وبينما كان المغرب يواصل سيطرته على الجزيرة، نشرت إسبانيا فرقاطة وثلاثة طرادات في البحر، كما أرسلت غواصة إلى سبتة ومليلية، ثم أرسلت ثلاثة زوارق دورية وحربية استقرت بالقرب من جزيرة ليلى لتتمركز مباشرة قبالة المعسكر المغربي.

كما أرسلت تعزيزات لعزل البؤر الاستيطانية الإسبانية في المنطقة، بهدف تجنيبها الاستهداف في حالة ما إذا اندلع نزاع مسلح كبير مع الجيش المغربي.

وفي صباح 18 يوليوز 2002، وبعدما وجه رئيس الوزراء الإسباني تحذيرات للمغرب، أطلقت إسبانيا عملية عسكرية سمّيت “روميو-سييرا”، نفذتها وحدة القوات الخاصة الإسبانية، بالاعتماد على 4 مروحيات من طراز “يوروكوبتر إيه إس 532″، وعدة طائرات مروحية أخرى أقلعت من قادس وهبطت مباشرة على الجزيرة.

كما نشرت القوات الجوية الإسبانية مقاتلات من طراز “إف/إيه-18 هورنت” و”داسو ميراج إف1″ في السماء، بهدف توفير غطاء جوي للمقاتلين والمشاة، إلى جانب دعم صفوفها من خلال نشر زوارق دورية وحربية من طراز “إزارو”.

وفي المقابل، نشر المغرب زوارقه الحربية على حدود الجزيرة ومنع القوات الإسبانية من دخولها، لكن هذا المنع لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما تلاشى بعد تحليق الطيران الإسباني الذي أجبر القوات المسلحة المغربية والقوات المساعدة على عدم إبداء أي مقاومة.

وتمكنت القوات الإسبانية خلال هذه العملية من أسر 6 جنود مغاربة واستعادة السيطرة على الجزيرة بالكامل، ليتم نقل الأسرى بواسطة مروحية إلى مقر الحرس المدني في سبتة، ثم نقلوا بعد ذلك إلى الجانب المغربي.

ورفعت القوات الإسبانية علمها الوطني، وبقي الفيلق التابع لها بعد انسحاب وحدة الكوماندوز على الجزيرة لمدة يومين، إلى حين تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الوساطة لإنهاء التوتر بين الجانبين، قبل انسحاب القوات الإسبانية أيضاً لتبقى الجزيرة خالية.

وانتهى النزاع رسمياً بتاريخ 22 يوليوز 2002، بموافقة المغرب وإسبانيا على الاتفاق الذي رعته واشنطن بشأن جزيرة ليلى.

وجاء في بيان صدر إثر اجتماع وزيري خارجية البلدين آنذاك، محمد بن عيسى وآنا بالاثيو، في الرباط أن الوزيرين “أكدا رسمياً اتفاقهما على العودة والبقاء على الوضع الذي كان سائداً في جزيرة ليلى قبل يوليوز 2002”.

ويقضي الاتفاق بأن تنسحب إسبانيا من الجزيرة مقابل عودة وضعها كمنطقة منزوعة السلاح، مع بدء مفاوضات حول الملفات العالقة بين البلدين، باستثناء ملف مدينتي سبتة ومليلية.

وأعربت الحكومة المغربية من جانبها عن ارتياحها لانتهاء الأزمة، مشددة على عدم تخلي الرباط عن الجزيرة المحتلة.

كواليس من الأزمة

وبعد 23 عاماً، تعود الأزمة التي كادت أن تتحول إلى حرب لتطفو على السطح، مع فيلم وثائقي يحمل اسم “ليلى، الحرب التي لم تقع”، تم عرضه حديثاً، كشف خلاله رئيس الوزراء الإسباني الأسبق، خوسيه ماريا أثنار، أن الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك اقترح عليه تسليم سبتة ومليلية المحتلتين إلى المغرب، على خلفية أزمة “جزيرة ليلى”.

وبحسب موقع “إل كونفيدينثيال” (El Confidencial)، أكد أثنار في الفيلم الوثائقي أن فرنسا اتخذت موقفاً مؤيداً بشكل واضح للمغرب.

وأفاد بأن شيراك قال له: “إن الأفضل هو تسليم سبتة ومليلية والصحراء”، مشيراً إلى أنه رفض الاقتراح بشكل قاطع واعتبره “تدخلاً غير مقبول في السياسة الخارجية الإسبانية”. وتابع قائلاً: “أجبته بأن ذلك غير ممكن، وبأنني لن أقبل به تحت أي ظرف”.

وتبرز هذه التصريحات، التي تضمنها الفيلم الذي يتناول فترة التوتر بين المغرب وإسبانيا بشأن الوجود في جزيرة ليلى، عنصراً مثيراً للجدل بعد أكثر من عشرين عاماً على هذه الأحداث، بخصوص النقاش الدائر حول السيادة على المدينتين المحتلتين في شمال المغرب. إذ لم يُعرف من قبل أن زعيماً أوروبياً رفيع المستوى مثل الرئيس الفرنسي قد طلب تسليمهما كحل دبلوماسي، على الرغم من المطالبات المتواصلة من قبل الرباط بسبتة ومليلية.

وجدير بالذكر أن جزيرة ليلى المحتلة تقع على بعد 250 متراً من المغرب، وعلى بعد 8 كيلومترات من مدينة سبتة المحتلة.

وفي فبراير 2025، كشف وزير الدفاع الإسباني الأسبق فيديريكو تريو، بدوره، أن الولايات المتحدة الأمريكية عرضت على المغرب أراضيَ إسبانية ذات وجود عسكري دائم خلال أزمة جزيرة ليلى، حينما كانت حكومة خوسيه ماريا أثنار في مواجهة دبلوماسية محتدمة مع الرباط، مبرزاً أن مدريد رفضت الخطوة الأمريكية “بشدة”.

وأوضح تريو، خلال مقابلة مع قناة “أنتينا 3″، أن واشنطن تدخلت لمحاولة التفاوض، حيث أبلغت ملك المغرب محمد السادس بعملية الإجلاء الإسبانية المرتقبة، واقترحت تقديم الجزر الجعفرية وجزيرة باديس للمغرب، وهو ما رفضته إسبانيا.

ورغم المطالب المغربية المستمرة بالسيادة على الجزر الجعفرية، وجزيرة باديس المتاخمة لشاطئ الحسيمة، فإن هذه المناطق لا تزال تحت السيطرة الإسبانية، وتقوم البحرية الإسبانية بدوريات منتظمة لضمان تأمينها.