بعد مروره بمجلس المستشارين.. مشروع قانون المسطرة المدنية يستمر في إثارة الانتقادات

يتواصل الجدل القانوني والحقوقي بشأن مشروع قانون المسطرة المدنية، بعدما صادق مجلس المستشارين، الثلاثاء 27 ماي 2025، خلال جلسة عامة حضرها وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
وفي هذا السياق، عبّر محمد النويني، المحامي بهيئة الدار البيضاء ورئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان، عن تحفظه على عدد من البنود الواردة في النص، محذّرًا من أن المشروع “يمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الدستورية، ويمس بمبادئ العدالة المتعارف عليها، كما يهدد الأمن القضائي للمغاربة”.
وشدد النويني في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، على أن المؤسسات التشريعية والسياسية مدعوة لتحمّل مسؤولياتها في تصحيح المسار خلال القراءة الثانية للنص داخل البرلمان، والعمل على ملاءمته مع مقتضيات دستور 2011، والعهود والمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، خاصة تلك المتعلقة بالحق في التقاضي وضمانات المحاكمة العادلة.
وطالب المتحدث بضرورة التناغم بين مشروع قانون المسطرة المدنية وباقي القوانين المنظمة لمنظومة العدالة، من قبيل النظام الأساسي للقضاة، وقانون المحاماة والمساعدة القضائية، والتنظيم القضائي، ومشروع رقمنة الإجراءات القضائية.
وأوضح رئيس الفضاء المغربي لحقوق الإنسان أن من أبرز الملاحظات المسجلة على المشروع، ما تضمنته المادة 375 التي “تحرم المتقاضي المتضرر من الطعن بالنقض ضد المقررات القضائية التي لا تتجاوز قيمتها 30 ألف درهم، وكذا في قضايا الكراء ومراجعة الوجيبة الكرائية”، إلى جانب المادة 30 التي تحضر الطعن بالاستئناف في القضايا التي لا تتعدى قيمتها 10 ألف درهم، معتبراً أن هذه المقتضيات “تتناقض بوضوح مع الحق في الولوج إلى العدالة، وتفرغ مبدأ المحاكمة العادلة من مضمونه”.
وفي هذا السياق، استند النويني إلى المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن “الناس جميعاً سواسيةأمام القضاء”، وإلى المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكذا الفصل 118 من دستور 2011، الذي يقر بأن “حق التقاضي مضمون لكل شخص”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن النسخة الحالية من المشروع خفضت سقف الطعون مقارنة بالمسودة الأولى، حيث تم النزول من 80 ألف درهم إلى 30 ألف درهم بالنسبة لمحكمة النقض، ومن 40 ألف درهم إلى 10 ألف درهم بالنسبة لمحكمة الاستئناف، ما يكرس وفق تعبيره “تضييقاً على حق التقاضي”.
واعتبر النويني أن “من أخطر المقتضيات الواردة في المشروع ما تضمنته المادة 502″، التي تمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها، ما يشكل في نظره “تعطيلاً واضحاً لمقتضيات الفصل 126 من الدستور الذي ينص على إلزامية تنفيذ الأحكام القضائية”.
ورأى في هذا التوجه “تمييزاً تحكمياً لفائدة أشخاص القانون العام، ومساساً بمبدأ المساواة أمام القانون، وضرباً لثقة المستثمرين الوطنيين والأجانب في عدالة واستقرار مناخ الأعمال”.
وانتقد المحامي محمد النويني كذلك تجاهل المشروع للمقترحات التعديلية التي تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعدد من المتدخلين في مجال العدالة، والتي تروم ضمان انسجام النص مع المعايير الدولية ذات الصلة باستقلال القضاء وحقوق المتقاضين، وتكريس الحق الفعلي في الولوج إلى العدالة، لاسيما بالنسبة للفئات الهشة.