بعد تزايد اللجوء للقضاء.. هل تتراجع الجامعات عن فرض رسوم الدراسة على الموظفين؟
في خضمّ النقاش الدائر حول رفض الطلبة للرسوم الدراسية التي فرضتها عدد من الجامعات المغربية، ولجوء بعضهم إلى القضاء معتبرا أن “هذه الرسوم تُخلّ بحق الطلبة في مجانية التعليم”، يُطرح السؤال حول مدى إمكانية سحب هذا القرار الحكومي بشكل نهائي من إدارات الجامعات المغربية.
لجوء متزايد إلى القضاء
بعد قرار المحكمة الإدارية بوجدة الصادر في 3 دجنبر الجاري، والقاضي بإيقاف تنفيذ قرار فرض رسوم التسجيل في سلك الدكتوراه بالنسبة للطلبة الموظفين والمستخدمين والأجراء، إلى حين البت في دعوى الطعن بالإلغاء المعروضة أمام المحكمة، مع اعتبار الحكم مشمولًا بالتنفيذ المعجل بقوة القانون، يتجه عشرات طلبة الدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان إلى نهج المسلك نفسه.
وقد شرع عدد من الطلبة الموظفين المقبولين في سلك الدكتوراه بالمؤسسات التابعة للجامعة المذكورة، في وضع شكايات لدى المحكمة الإدارية بطنجة، وذلك في إطار مجموعات لا يقل عدد أفرادها عن ثلاثة طلبة، بمؤازرة محاميهم، بينما يستعد آخرون لسلوك الخطوة ذاتها.
كما أن عدد الطلبة الباحثين الموظفين الرافضين لرسوم “التوقيت الميسّر” يتجاوز 300 طالب، وفق مجموعة “واتساب” خُصّصت للتنسيق في ما بينهم.
السحب يحتاج قرارًا سياسيًا
في هذا السياق، يؤكد المحامي مراد زيبوح، عضو هيئة وجدة، ومؤازر 45 طالبًا بجامعة محمد الأول، أن “إلغاء القرار بشكل نهائي في جميع الجامعات يتطلب قرارًا سياسيًا أكثر مما هو قضائي”.
ويشرح زيبوح في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن “الأحكام القضائية، حتى عندما تنتصر للطلبة، يستفيد منها فقط من رفعوا الدعوى، ولا تسري على باقي الطلبة، في حين أن القرار السياسي الصادر عن وزير التعليم وحده كفيل بوضع حدّ لهذا الشطط”.
ويضيف زيبوح أنه “في دول أخرى، عندما يُتَّخذ قرار يطعن القضاء في شرعيته، يبادر المسؤولون السياسيون إلى تقديم استقالاتهم، وليس فقط إلى سحب القرار أو تعديله”، وكان من المفترض، برأيه، أن “يُسارع وزير التعليم العالي إلى مطالبة الجامعات بسحب قرار فرض الرسوم فور صدور أول حكم قضائي يؤكد عدم مشروعيته، احترامًا لروح القانون ولمسؤوليته كعضو في الحكومة”.
كما يرى أن “مجالس الجامعات، التي تُدرِّس القانون وحقوق الإنسان، كان من الواجب عليها هي الأخرى أن تتراجع عن القرار فور ثبوت خرقه”، غير أن الواقع في المغرب، حسب قوله، “يكشف ضعف الثقافة القانونية لدى المسؤولين السياسيين، وانسجام الوزير الحالي مع قرارات المجالس الجامعية التي تبدو لأول مرة في حالة توافق كامل بخصوص هذا القرار”.
وفي غضون ذلك، يشدّد زيبوح على أن “قرار فرض الرسوم جاء لاحقًا لإعلان نتائج المقبولين في الدكتوراه، وهو ما يشكّل خرقًا واضحًا لمبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية، لأن الطلبة لا يمكن إلزامهم بقرارات لم يُعلن عنها مسبقًا ولا علم لهم بها عند الترشح”.
حكومة “لا تحترم” الأحكام القضائية
من جهته، اعتبر الأستاذ الجامعي والحقوقي خالد البكاري أن “المنطق السليم، في ظل حكومة تحترم مبادئ دولة الحق والقانون، يقتضي أن تبادر وزارة التعليم العالي إلى مراسلة رؤساء الجامعات لتعليق جميع الإجراءات المتعلقة باستيفاء الرسوم من الطلبة الموظفين، بعد صدور حكم المحكمة الإدارية بوجدة الذي أكد عدم قانونية فرض تلك الرسوم بشكل استثنائي”.
غير أن هذه الحكومة، وفق المتحدث، “أبانت في ملفات متعددة عن عدم احترام الأحكام القضائية التي تتعارض مع توجهاتها، متذرّعة إما بصعوبة التنفيذ الفوري أو بعدم نهائية الأحكام”.
ولذلك يستبعد البكاري أن “تتراجع الوزارة عن قرار فرض الرسوم”، مرجّحًا أن “تترك الجامعات تواجه الأحكام القضائية لوحدها، خاصة في ظل غياب ضغط قوي من داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي وممثلي الأساتذة في مجالس الجامعات، رغم أن عددًا من الأساتذة يدافعون عن فرض رسوم إضافية على الموظفين بذريعة توفير موارد مالية قارة لتغطية تعويضات الأساتذة المنخرطين في نظام التوقيت الميسّر”.
وأكد المتحدث أن “هذه الآلية تنطوي على تمييز واضح وتمس بحق المواطنين في متابعة دراستهم، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا مقارنة بما تزعمه من أهداف”، مشيرًا إلى أنه “في عدد من التخصصات أصبح عدد الطلبة غير الموظفين المقبولين في سلك الماستر ضعيفًا جدًا مقارنة بالمقبولين عبر التوقيت الميسّر، ما يمهّد لتحويل الجامعة العمومية إلى آلية للفرز الطبقي، ولو في مستوياته الدنيا”، يقول البكاري.
مجانية التعليم خط أحمر
وفي السياق، كان وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، قد أكد، في نونبر الماضي، أن مجانية التعليم خط أحمر ولن يتم المساس بها، مشدداً على أن أي إصلاح أو تجديد في منظومة التعليم العالي سيتم في إطار الحفاظ على هذا المبدأ الذي تم الحسم فيه.
وأوضح ميداوي، خلال تقديمه لمشروع الميزانية الفرعية للوزارة أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، يوم الاثنين 3 نونبر 2025، أن التكوين في التوقيت الميسّر لا يمسّ مجانية التعليم، بل يهدف إلى توسيع فرص الولوج إلى التعليم العالي، لفئة الأجراء والموظفين الذين يجدون صعوبة في التوفيق بين الدراسة والعمل.
وقال الوزير إن هذا النوع من التكوين ليس تجربة جديدة في المغرب، إذ تُعرف هذه الصيغة في بعض الجامعات منذ حوالي ثماني إلى تسع سنوات، مشيراً إلى أن اقتراح إدراجه ضمن مشروع القانون الجديد يأتي نظراً لما تعرفه الجامعة المغربية من تحديات مرتبطة بجودة التعلمات في التعليم العالي، وكذا الضغط الكبير الناتج عن تزايد أعداد الطلبة.
وأضاف أن نحو 40 في المائة من الطلبة في بعض المؤسسات هم أجراء، موضحاً أن التكوين في التوقيت الميسّر من شأنه أن يتيح لهؤلاء متابعة دراستهم بعد انتهاء دوامهم، ابتداء من الساعة الخامسة مساء، في أجواء أكثر هدوءاً وأقل اكتظاظاً، وبظروف أفضل.