بعد الاعتداءات ضد مغاربة إسبانيا.. حقوقيون ينتقدون “الصمت الرسمي”

بعثت الاعتداءات الأخيرة التي استهدفت مهاجرين مغاربة بجنوب إسبانيا موجة من التساؤلات حول خلفيات هذه الأفعال، والجهات التي قد تقف وراء تغذيتها، فضلًا عن الجهات المستفيدة من تأجيج أجواء الكراهية والعنف ضد الرعايا المغاربة.
وقد تحوّلت هذه الاعتداءات إلى ما يشبه حملة مطاردة ممنهجة للمهاجرين، بدعم مباشر من قوى اليمين المتطرف، بما في ذلك أعضاء من حزب “فوكس” (Vox)، الذين لم يترددوا في تسويق خطاب عدائي يعمّق الانقسام الاجتماعي ويبرّر العنف بدعوى “الدفاع عن الهوية الإسبانية”.
وفي هذا السياق، أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، الدكتور خالد الشيات، أن الاعتداءات التي تعرض لها مهاجرون مغاربة بجنوب إسبانيا، يجب أن تُقرأ في سياق خاص، “يجمع بين طابعها العرضي من جهة، وتوظيفها السياسي الممنهج من جهة أخرى”.
وأوضح الشيات، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن مثل هذه الحوادث تقع في العديد من دول العالم، بما في ذلك المغرب، “ولا يمكن تحميلها دائمًا دلالة سياسية مباشرة”، غير أنه شدد على أن “التجييش الإعلامي والسياسي الذي قاده اليمين المتطرف في إسبانيا يُخرج الحادث من إطاره الاجتماعي أو الفردي، ويزجّ به في سياق توظيف سياسي هدفه تأجيج العداء تجاه المهاجرين، وخصوصًا المغاربة”.
وأشار إلى أن هذا الخطاب المعادي لا يُعبر فقط عن موقف سياسي ظرفي، بل ينبع من “بنية فكرية وتاريخية عميقة”، حيث ترتبط بمفهوم “المورو” في المخيال الإسباني، أي الامتداد التاريخي للحضارة الإسلامية في الأندلس، ومن خلفه العداء المتجذر للجنوب، خاصة المغرب الذي يُنظر إليه كرمز للحضارة العربية الإسلامية المجاورة.
وأضاف الشيات أن هذا التوجّه يُعيد إحياء سرديات صدام الحضارات، ويُصوّر المهاجرين كتهديد للهوية الإسبانية والأوروبية، بدل التعامل معهم باعتبارهم مكونًا اجتماعيًا واقتصاديًا وازنًا، وضرورة استراتيجية في العديد من القطاعات الحيوية.
وقال المتحدث إن هذا النمط من التفكير ليس محصورًا في إسبانيا فقط، بل يتقاطع مع تيارات اليمين المتطرف في أوروبا والغرب عمومًا، ممن يسعون إلى تحويل قضايا الهجرة إلى أدوات انتخابية ومشاريع استراتيجية بعيدة المدى، تقوم على رفض الآخر والدعوة إلى “استعادة الأمجاد” ضمن تصور ماضوي ضيق للهوية الوطنية.
وحذر الشيات من خطورة هذا التوجه على مستقبل التعايش داخل المجتمعات الأوروبية، معتبرًا أنه “يتجاهل الحقائق الاقتصادية والاجتماعية، إذ لا يمكن لأي دولة مثل فرنسا أو إسبانيا أن تمضي في سياسات قائمة على الرفض الكلي للهجرة، دون أن يكون لذلك ثمن اقتصادي باهظ يصل إلى حد الانتحار الاقتصادي”.
وختم تصريحه بالتنبيه إلى أن الخطاب اليميني، في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة وتراجع القدرة الشرائية، يجد دائمًا أرضية خصبة بين فئات متذمرة، ما يجعل من المهاجرين كبش فداء جاهزًا لتبرير الفشل في تقديم حلول حقيقية ومستدامة.
سكوت رسمي
وبعثت حالة الصمت التي التزمت بها الجهات الرسمية، إلى جانب تراخي السلطات الإسبانية في التدخل الفوري والحازم حسب حقوقين، “إشارات مقلقة” حول غياب الجدية في التعاطي مع الاعتداءات العنصرية المتكررة ضد المهاجرين المغاربة.
وتعليقا على الموضوع، شددت خديجة عيناني، نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمكلفة بملف الهجرة في الجمعية، على أن صمت الدولة المغربية إزاء ما يتعرض له المهاجرون المغاربة في جنوب إسبانيا أمر “غير مقبول”، مشيرة إلى أن هؤلاء المهاجرين لا يمثلون فقط امتدادًا إنسانيًا واجتماعيًا للوطن، بل يضطلعون بدور اقتصادي محوري داخل المجتمع الإسباني، من خلال مساهماتهم في تمويل صناديق التقاعد وانخراطهم في قطاعات حيوية.
وأضافت عيناني، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن التعامل مع هذه الاعتداءات يجب أن يتجاوز ردود الفعل الظرفية أو الخطابات الإدانة، لأن المسألة تتعلق بكرامة مواطنين مغاربة يعيشون حالة من الرعب بسبب ما وصفته بـ”حملات منظمة ومدعومة من أطراف يمينية متطرفة”، في ظل تردد السلطات الإسبانية وتقاعسها عن أداء واجبها في حماية الأشخاص والممتلكات.
وانتقدت المتحدثة ذاتها تهاون السلطات الإسبانية، معتبرة أن عدم التحرك السريع لوقف هذه الاعتداءات ومحاسبة المتورطين فيها يرقى إلى شكل من أشكال التواطؤ أو التساهل الخطير، الذي يغذي مناخ الكراهية ويشجع على تكرار هذه الأفعال العنصرية.
وأكدت أن الدولة المغربية مطالبة بالتحرك العاجل، عبر القنوات الدبلوماسية والقانونية والإعلامية، من أجل الضغط على مدريد لفتح تحقيقات جدية، ومعاقبة كل من ثبت تورطه في هذه الانتهاكات.
ولم تُخف عيناني استغرابها من بعض الأصوات الرسمية المغربية “التي اختارت الصمت، بدلًا من الدفاع عن المواطنين الذين يتعرضون لانتهاكات متكررة في بلد يفترض أن تربطه بالمغرب علاقات شراكة وتعاون”.
وفي السياق نفسه، دعت عيناني إلى مواجهة العنصرية بشكل شامل وغير انتقائي، قائلة: “كما نرفض العنصرية الإسبانية ضد المغاربة، علينا أيضًا أن نرفض كل أشكال التمييز والعنصرية داخل بلادنا، وخاصة ما يُمارس أحيانًا تجاه المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، الذين يُعاملون وكأنهم غرباء عن هذه القارة”.
وختمت عيناني بالقول إن محاربة العنصرية “ليست مسألة ظرفية ولا انتقائية، بل مبدأ يجب أن يحكم السياسات الداخلية والخارجية على حد سواء، لضمان كرامة الإنسان مهما كان لونه أو أصله أو وضعه القانوني”.