بسبب الفساد وتضارب المصالح.. حقوقيون يطالبون بمحاسبة مسؤولين في مراكش

طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتفعيل آليات العزل والمساءلة في حق المسؤولين المتورطين في تضارب المصالح واستغلال النفوذ، إلى جانب فتح تحقيق قضائي وإداري مستقل في شبهات الفساد المرتبطة بقطاع التعمير والعقار بمدينة مراكش.
ودعا فرع الجمعية بمراكش المنارة، في بلاغ توصلت صحيفة “صوت المغرب” بنسخة منه، إلى مراجعة عدد من الملفات، من بينها تفويت الملك العمومي، بما في ذلك الأراضي التابعة للمؤسسة العسكرية.
وتوقف البلاغ عند مجموعة من الاختلالات التي تعرفها مدينة مراكش، من بينها “تفشي الفساد المالي والمحاسبي والإداري، وتورط مسؤولين رسميين في اختلالات وفوضى عارمة، يتحدث عنها كل من له علاقة بالمرفق العمومي داخل قطاعات متعددة، وعلى رأسها قطاعا التعمير والعقار، حيث يسود استغلال النفوذ وغياب العدالة الضريبية”.
واعتبرت الجمعية أن هذه الممارسات “تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتفريطاً ممنهجاً في المال العام، وتواطؤاً مؤسساتياً يرقى إلى مستوى الجريمة الاقتصادية”، مشيرة إلى ضرورة فتح تحقيقات عاجلة، شفافة ومستقلة.
كما دعت إلى ترتيب الجزاءات القانونية في حق كل من ثبت تورطه أو تقاعسه في أداء مهامه، وفقاً لمقتضيات القانون الجنائي المغربي، لاسيما الفصول المتعلقة بالرشوة، واستغلال النفوذ، وتبديد المال العام، وتضارب المصالح.
وانتقدت الجمعية تغاضي جهات رقابية عن ما وصفته بـ”الاختلالات الصارخة” في تدبير المال العام، وتفويت عقارات، وتمرير مشاريع استثمارية خارج الضوابط القانونية، “بما يهدد أسس الحكامة، ويقوض مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الفصل 154 من الدستور المغربي”.
كما نبهت الجمعية إلى شبهات تحوم حول “تدخل مسؤولة منتخبة تشغل منصباً وزارياً وموقعاً قيادياً داخل المجلس الجماعي لمدينة مراكش، في تحويل أراضٍ فلاحية إلى حضرية لفائدة مشاريع عقارية خاصة، دون احترام المساطر القانونية” في إشارة إلى فاطمة الزهراء المنصوري عمدة المدينة، معتبرة أن الأمر “يفتح الباب أمام استغلال النفوذ وتضارب المصالح”.
وأشارت إلى أن الشبهات تشمل “إعفاءات ضريبية غير مبررة لفائدة مستثمرين محددين، واللجوء إلى أسلوب التضليل بعدم التصريح بالثمن الحقيقي للبيع”، ما يُعد “خرقاً لمبدأ العدالة الجبائية، وتفريطاً في موارد مالية عمومية، فضلاً عن تعسف في استعمال السلطة ضد مسؤولين بالوكالة الحضرية بمراكش، بسبب رفضهم تنفيذ تعليمات مخالفة للقانون”.
وتوقفت الجمعية كذلك عند اختلالات مؤسسة العمران بمراكش، أبرزها ما يتعلق بمشروع “الغالي”، الذي تم بيعه بثمن إجمالي قدره 31 مليون درهم، بينما لم تتسلم المؤسسة سوى 3 ملايين درهم، دون أي توضيح رسمي بشأن مصير المبلغ المتبقي.
وأضافت أن “الأخطر من ذلك”، هو أن حوالي 700 مستفيد من المشروع، من بينهم فئات موجهة للسكن الاجتماعي، “تعرضوا لعمليات نصب واحتيال، دون أي تدخل من الجهات المعنية لحمايتهم أو فتح تحقيق في الموضوع”.
كما أشارت إلى “الفساد الذي طال عدة برامج أشرفت عليها المؤسسة، خاصة تلك المتعلقة بإعادة الهيكلة، وبرامج الإسكان، وتفويت العقارات بالزبونية والمحسوبية”.
وفي هذا السياق، طالبت الجمعية الجهات الرسمية المعنية بإخضاع مؤسسة العمران لتدقيق مالي وتقني شامل، بالنظر إلى “استمرار خروقاتها في المشاريع السكنية”.
ولم يسلم قطاع النظافة بدوره من الانتقاد، حيث سجلت الجمعية “اختلالات بنيوية”، من بينها عدم احترام الشركات المفوضة لدفتر التحملات، وتراكم الأزبال في عدد من الأحياء، وظهور نقاط سوداء تهدد الصحة العامة، “في ظل غياب رقابة فعلية، وتحول لجان التتبع إلى آليات شكلية لا أثر لها على أرض الواقع”.
ودعت إلى تفعيل آليات الرقابة الحقيقية على قطاع النظافة، ومحاسبة الشركات المفوضة بسبب عدم احترامها للالتزامات التعاقدية.
وفيما يخص ملف الأسواق النموذجية، خاصة في منطقتي العزوزية والحي المحمدي بالداوديات، فقد نبهت الجمعية إلى “تلاعبات خطيرة في لوائح المستفيدين، وتفويض غير قانوني لتدبيرها لجمعيات غير مؤهلة، وسط تخلي المجالس المنتخبة عن مسؤولياتها”، مما أدى إلى “استمرار إغلاق هذه المرافق، وحرمان مئات الباعة من حقهم في الاستقرار المهني والاجتماعي”.
أما المحطة الطرقية الجديدة بالعزوزية، التي رُصد لها أزيد من 12 مليار سنتيم في إطار برنامج “الحاضرة المتجددة”، فقالت الجمعية إنها “لا تزال مغلقة رغم انتهاء الأشغال منذ أكثر من سنتين”، وسط “شبهات فساد تتعلق بتغييرات مشبوهة في التصاميم، وتفويت عقارات عمومية لشركات خاصة، وتأسيس شركات وهمية من طرف منتخبين نافذين، واستغلال النفوذ لتمرير صفقات مشبوهة”.
وشددت الجمعية على ضرورة فتح تحقيق معمق في ملف المحطة الطرقية الجديدة، وتحديد المسؤوليات المالية والإدارية، فضلاً عن مراجعة تدبير الأسواق النموذجية، وضمان الشفافية في لوائح المستفيدين.
كما دعت إلى فتح تحقيق داخلي بشأن خروقات المديرية الجهوية للضرائب، وضمان احترامها لمبادئ الشفافية والمساواة، مشيرة إلى تداول تقارير إعلامية تفيد بوجود “تسيب واختلالات في تدبير ملفات ضريبية، ومنح امتيازات غير مفهومة لبعض المرتفقين عبر علاقات شخصية”.
وسجلت الجمعية “غياب العدالة الإدارية”، إلى جانب “سلوكيات غير مهنية داخل المديرية الجهوية للضرائب”، حيث يُمنع المرتفقون من دخول مكتب المدير الجهوي “إلا بإذن من موظفة غير مخولة قانوناً”، وهو ما اعتبرته الجمعية “خرقاً واضحاً لمبدأ المرفق العمومي المفتوح والمتساوي أمام المواطنين”.
كما استنكرت “غياب أي توضيح رسمي” من الوزارة الوصية بخصوص هذه الممارسات، معتبرة أن ذلك “يغذي الشكوك حول وجود تلاعبات في الإعفاءات والتحصيل، ويستدعي فتح تحقيق داخلي مستقل”.
وأكدت الجمعية على ضرورة تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية، خصوصاً المادة 68 التي تنص على الامتناع عن تنفيذ المهام المفوضة في حال تعارضها مع القانون.
وختمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بلاغها بالتأكيد على مواصلة تتبع هذه الاختلالات، “من أجل وقف هذا العبث، وصون الحقوق، وحماية المال العام”، وإعادة الاعتبار لمدينة مراكش كمجال حضري “يجب أن يُدار بمنطق العدالة والمساواة، لا بمنطق الزبونية والريع”.