باحث: شغب مدينة سلا لا يرتبط بعاشوراء بل يكشف احتقانات اجتماعية أعمق

رأى الأستاذ الباحث في علم الاجتماع بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، علي الشعباني، أن ما شهدته مدينة سلا من أعمال شغب “يجب تحليله في سياقه الصحيح”، داعيًا إلى ضرورة التمييز بين حدثين متزامنين: أعمال العنف التي عرفتها بعض الأحياء من جهة، واحتفالات ليلة عاشوراء التي يحييها المغاربة كل سنة من جهة أخرى.
وأوضح الشعباني، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن تزامن الشغب مع ليلة عاشوراء “قد يكون مجرد صدفة، أو نتيجة تقاطع ظرفي بين الحدثين، إلا أنهما في العمق مختلفان ومتباينان في طبيعتهما وأسبابهما”، مؤكدا أن أعمال الشغب في المجتمع المغربي ليست ظاهرة جديدة، بل هي سلوكات إجرامية متكررة عرفتها مدن عديدة، سواء في الفضاءات العامة أو الملاعب أو الأسواق، خاصة في أوقات تعرف تجمعات بشرية كثيفة.
وأضاف المتحدث أن هذه السلوكيات تمثل خروجًا عن القانون وعن أعراف التعايش المجتمعي، مشيرًا إلى أن العيش الجماعي يفترض وجود قواعد وأخلاق وقوانين تضبط العلاقات بين الأفراد، غير أن بعض المنحرفين يستغلون الفرص التي تتيحها المناسبات الكبرى لإثارة الفوضى والاضطرابات.
وأكد الشعباني “أن ليلة عاشوراء ليست في حد ذاتها سببًا مباشرًا في اندلاع الشغب”، بل إنها مجرد مناسبة دينية واجتماعية يحتفل بها المغاربة، وتشهد عادة ارتفاعًا في حركة الشارع والأسواق، ما يخلق ظروفًا قد يستغلها البعض لأغراض إجرامية، مشددا على أن تدخل الأجهزة الأمنية في مثل هذه الحالات يهدف إلى ضبط الوضع ومنع الانفلات الأمني.
وبخصوص الطقوس المرتبطة بعاشوراء، اعتبر الباحث أنها تحمل بعدًا روحانيًا وموروثًا ثقافيًا لدى المغاربة، رغم بعض التجاوزات السلوكية مثل اللعب بالنار “الشعالة”، واللعب بالماء “زمزم”، والتي تبقى في الغالب محصورة ومؤطرة. لكن، عندما تتحول هذه السلوكيات إلى عنف مادي وأذى للناس، فإن الأمر يصبح مرفوضًا ويخرج عن طبيعته التقليدية.
وأشار الشعباني إلى أن ما حدث في مدينة سلا قد تكون له جذور اجتماعية واقتصادية أعمق، مثل مشاعر التهميش، وغلاء المعيشة، وغياب فضاءات التأطير، مؤكدًا أن هذه العوامل قد تدفع البعض إلى استغلال أي مناسبة لإحداث الفتنة والفوضى.
وختم بالقول إن “مدينة سلا معروفة أصلًا بارتفاع معدلات الإجرام وانتشار الأحياء العشوائية، ما يجعلها بيئة هشّة من حيث الاستقرار الاجتماعي والأمني”، داعيًا إلى قراءة هذه الظواهر على ضوء واقع المدينة المعقد وليس فقط من زاوية التقاطعات الظرفية مع المناسبات الدينية.
غياب رؤية لدمج الشباب
من جانبه، اعتبر إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن أحداث الشغب والعنف التي شهدتها بعض أحياء مدينة سلا ليلة عاشوراء تشكل “ناقوس خطر حقيقي” ينبه إلى هشاشة الوضع الاجتماعي وتراجع المنظومة التربوية، محذرًا من أن البلاد تمر بسياق وطني دقيق يتميز بانتشار مقلق لمظاهر العنف، بما في ذلك العنف الرقمي والتحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وشدد السدراوي على أن ما جرى لا يمكن اعتباره مجرد أحداث معزولة، بل يعكس تراكمًا خطيرًا ناتجًا عن غياب رؤية شمولية لدمج الشباب وتمكينهم، مؤكدًا أن استمرار هذا النهج يُسهم في تغذية الإحباط ويُهدد السلم الاجتماعي.
كما أشار إلى مؤشرات سابقة لهذا الانفلات، مثل ما لوحظ خلال مهرجان “موازين” من استهلاك علني لحبوب الهلوسة والمخدرات القوية، في ظل غياب أي تدخل وقائي أو تأطير مجتمعي، معتبراً أن هذا الصمت الرسمي يُعد “تواطؤًا غير مباشر” مع ثقافة الانحراف.
وفي هذا الإطار، عبّر رئيس الرابطة عن تضامنه مع عناصر القوات العمومية، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع نتائج خيارات حكومية وصفها بـ”القاصرة”، دون أن يُمنحوا وسائل الدعم المجتمعي والمؤسساتي الكفيلة بحماية الأمن العام في إطار احترام حقوق الإنسان.
ودعا السدراوي إلى تبني مقاربة شاملة ومندمجة لمواجهة الظواهر المرتبطة بالعنف والانحراف، ترتكز على:
- إصلاح عميق لمنظومة التربية والتكوين.
- خطة وطنية لمحاربة المخدرات والعنف بجميع أشكاله، بما في ذلك العنف الرقمي.
- استراتيجية واضحة لاستعادة ثقة الشباب وفتح آفاق الأمل أمامهم في وطن يضمن الكرامة والحماية.
وخلص السدراوي إلى التأكيد على أن حماية الوطن لا يمكن أن تتحقق فقط عبر المقاربة الأمنية، بل تبدأ من تحقيق العدالة الاجتماعية، والوقاية المسبقة، وتحرير طاقات الشباب من التهميش والجهل، بما يضمن بناء مجتمع متماسك وآمن.
وفي هذا السياق، كانت ليلة عاشوراء، مساء السبت 5 يوليوز 2025، قد شهدت اندلاع أعمال شغب في عدد من المدن المغربية، أبرزها الدار البيضاء وسلا، مما خلف حالة من الهلع والقلق وسط المواطنين، الذين عبّروا عن استنكارهم لتكرار هذه الظواهر سنوياً دون حلول ملموسة.
وتُظهر مقاطع فيديو تم تداولها على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي مواجهات عنيفة بين مجموعات من المراهقين والقوات العمومية، استخدمت خلالها الحجارة والمفرقعات، ما استدعى تدخل عناصر الأمن بسيارات الشرطة والمطاردات داخل الأحياء الفرعية.
وفي مدينة سلا، كانت حالة الاستنفار الأمني واضحة منذ صباح السبت، خصوصاً في الأحياء التي تُعرف سنوياً باضطراباتها في هذه المناسبة.
أما في الدار البيضاء، فقد سُجلت أيضًا حالات إشعال إطارات مطاطية، ورشق بالمفرقعات والحجارة، وسط دعوات من سكان الأحياء المتضررة إلى ضرورة إعادة النظر في المقاربة المعتمدة للتعامل مع عاشوراء، ومطالبة بتدخل تربوي واجتماعي أكثر من أمني فقط.
وأسفر التدخل الأمني عن عشرات التوقيفات بحق مثيري الشغب، كما طاردت عناصر الشرطة والقوات المساعدة مجموعة من الشبان والقاصرين الملثمين في عدد من الأزقة لتفريقهم وتوقيف مثيري الشغب.
وفي هذا الصدد، كتب أحد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي “هذا كله بسبب التفاهة وقلة الدين”، وأضاف: والله لو قامت الدولة بتعليم الأخلاق والآداب في المدارس والمساجد، لما وصلنا إلى هذا الحد من الشغب وقلة الأدب”.
أما شخص آخر فقال إن “ما وقع ليلة أمس في أحياء شعبية بالدار البيضاء، وما ظهر صباح يوم الأحد من مشاهد التخريب في مدن كسطات والجديدة وسلا لا يمكن السكوت عنه”.
وأضاف أن ليلة عاشوراء التي يفترض أن تكون مناسبة دينية للذكر والتسامح “تحولت إلى ساحة مواجهات عنيفة بين قاصرين ومراهقين من جهة، والقوات العمومية من جهة أخرى”.