انتقادات حقوقية لمتابعة شبان وثّقوا نقل سيدة حامل على نعش الأموات

استنكر حقوقيون متابعة أربعة أشخاص بتهمة “بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة للمس بالحياة الخاصة للأشخاص والتشهير بهم”، وذلك على خلفية توثيقهم لواقعة نقل سيدة حامل على نعش الأموات في منطقة جبلية نائية بإقليم أزيلال، إذ اعتبر الحقوقيون أن هذه المتابعة “تشكل تضييقًا على حرية التعبير ومحاولة لإخفاء واقع التهميش بدل معالجته”.
وقد حددت المحكمة الابتدائية بأزيلال يوم الخميس 29 ماي الجاري موعدًا للنطق بالحكم في هذه القضية، التي جاءت بناءً على شكاية مباشرة تقدم بها قائد قيادة أيت تمليل، واستندت إلى مقتضيات الفصل 447 من القانون الجنائي، في فقرته الثانية.
وخلال جلسة الخميس 22 ماس 2025، قررت المحكمة تأجيل إصدار الحكم إلى التاريخ المذكور، فيما يتابع المتهمون الأربعة في حالة سراح مؤقت بعد تمتيعهم بالكفالة خلال إحدى مراحل التقاضي السابقة.
وفي هذا السياق، اعتبر محمد الديش، رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، أن “متابعة مواطنين على خلفية توثيقهم لواقعة نقل سيدة حامل على نعش الموتى أمر غير مقبول”، لأن “مثل هذه الحالات واقعية وتتكرر باستمرار في المناطق الجبلية بسبب العزلة ووعورة المسالك”، مضيفا أن “هذه الظروف المأساوية لا يمكن إخفاؤها بمحاكمات أو شكايات تقدمها السلطات”.
وأكد الديش في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن “توثيق المواطنين لمثل هذه الحوادث يندرج ضمن حقهم في التعبير عن الواقع الذي يعيشونه”، مشددًا على أن “دورهم هو لفت انتباه المسؤولين إلى مظاهر الهشاشة والتقصير في السياسات العمومية”، مضيفا أن “هذه المبادرات تمثل شكلاً من أشكال المشاركة المواطنة التي يجب دعمها لا قمعها”.
كما اعتبر أن “محاولة تكميم الأفواه ومنع الناس من توثيق معاناتهم هو رجوع إلى أساليب غير ديمقراطية”، مشيرًا إلى أن “هذا الزمن هو زمن الحريات وليس زمن إسكات الأصوات”، وأضاف أن “ما جرى يكشف عن إرادة البعض في طمس الحقيقة بدل مواجهتها من خلال تحسين الواقع”.
وشدد الديش على أن “فضح هذه الوقائع لا يمثل مسًّا بصورة المغرب، بل هو تعبير عن الغيرة على هذه الصورة والرغبة في تحسينها من خلال إصلاح الأوضاع”، مؤكدا أن “من يحرص فعلاً على سمعة البلاد، هو من يستوعب أهمية ضمان وصول المواطنين إلى حقوقهم، وليس من يحاول إسكاتهم”.
ويرى الناشط المدني أنه “من غير المنطقي محاكمة أشخاص على خلفية نقلهم أو توثيقهم لمظاهر التهميش، بل الأجدر هو الإسراع بفك العزلة عن المناطق الجبلية وتمكين سكانها من أبسط حقوقهم”، مضيفا أن “هذه المتابعات تزرع الخوف في نفوس المواطنين وتدفعهم إلى الصمت بدل التفاعل مع قضاياهم”.
ومن جانبه، اعتبر رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، ادريس السدرواي، أن “مثل هذه المتابعات تكرّس توجهًا مقلقًا نحو التضييق على حرية التعبير، واستعمال النصوص القانونية الزجرية ذات الطابع الفضفاض لقمع الرأي، بدل حماية النقاش العمومي وتعزيز المساءلة المجتمعية”.
وأكد السدراوي في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أنه “من غير المقبول أن يُتابع أشخاص فقط لمجرد قيامهم بتوثيق أو تداول وقائع ذات طابع عام، خصوصًا في ظل غياب نية التشهير أو المس بالحياة الخاصة، بل في سياق تعبير عن الغضب الشعبي إزاء أوضاع اجتماعية وإنسانية مؤلمة”.
كما أشار المتحدث إلى أن “متابعة مواطنين، ثلاثة منهم لم يكونوا حتى متواجدين في مكان الحادث، تطرح تساؤلات جدية حول مدى احترام قرينة البراءة ومعايير المحاكمة العادلة، بل وتعكس خطر توظيف القانون لتصفية الحسابات أو إسكات الأصوات الناقدة”.
وفي غضون ذلك، عبر ادريس السدراوي عن تضامنه مع المتابعين في هذه القضية، داعيا القضاء إلى التحلي بأقصى درجات الاستقلال والحياد في التعاطي مع هذه الملفات، خصوصًا حين يكون طرفها مسؤول إداري ومواطنون بسطاء، كما طالب بإلغاء تجريم النشر في حالات التعبير السلمي عن الرأي، وعدم تقييد الفضاء الرقمي بمنطق الزجر والإسكات.
وتعود تفاصيل القضية إلى واقعة مؤلمة شهدتها منطقة “تكوخت” الجبلية بجماعة أيت تمليل، حين اضطر سكان الدوار نهاية السنة الماضية إلى نقل سيدة حامل على نعش مخصص للأموات، وذلك بعد أن فاجأها المخاض وسط ظروف طبيعية صعبة، ما أجبر الأهالي على قطع مسافة طويلة على الأقدام وسط طريق جبلية وعرة.
وقد اضطر السكان إلى ذلك، بسبب انقطاع الطريق الرئيسية المؤدية إلى الدوار، نتيجة الأشغال التي تعرفها منذ فترة طويلة، حيث حملوا السيدة الحامل على أكتافهم لمسافة استغرقت أكثر من ساعتين، للوصول بها إلى سيارة إسعاف كانت تنتظر في دوار تسلنت نايت مكون المجاور.
وكانت صور ومقاطع الفيديو التي وثقت المشهد، قد انتشرت على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي، وأثارت موجة كبيرة من الاستنكار والتفاعل، إذ اعتبر كثيرون أن ما وقع يجسد واقع العزلة والتهميش، ويمثل “عارًا” في زمن التكنولوجيا، مطالبين بتحسين البنية التحتية وإنهاء معاناة سكان المناطق الجبلية.