story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

اليوم العالمي للطفل.. حقوقيون يرسمون “صورة قاتمة” عن واقع الطفولة بالمغرب

ص ص

سجّل حقوقيون، بمناسبة اليوم العالمي للطفل الذي يُخلَّد في 25 ماي من كل سنة، “قلقهم الشديد” إزاء أوضاع الطفولة في المغرب، مؤكدين أن الواقع على الأرض لا يعكس التزامات الدولة المعلنة ولا يترجم التقدّم المسجل على المستوى التشريعي، مبرزين أن الأطفال لا يزالون من أكثر الفئات الاجتماعية تهميشًا، رغم ما يقتضيه وضعهم من حماية خاصة واهتمام مضاعف.

مكتسبات لا تنعكس على الواقع

في هذا السياق، اعتبر الحقوقي والأستاذ الجامعي خالد البكاري أن هناك تطورًا قانونيًا ملحوظًا في ما يتعلق بحقوق الطفل في المغرب، مستدركا أن “هذا التقدم لا ينعكس فعليًا على أرض الواقع”.

وأوضح البكاري في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن مدبري السياسات العمومية “لا يضعون حقوق الأطفال ضمن أولوياتهم، بل يجعلونها في آخر الاهتمامات”، مضيفًا أن هذا “الإهمال” يظهر جليًا في عدد من المؤشرات المرتبطة بالتخطيط الحضري، والتعليم، والترفيه، والصحة.

وأشار البكاري إلى أن إهمال هذه الفئة يتجلى بشكل واضح في تخطيط المدن وتصاميم التهيئة، “حيث لا تُخصص لهم المساحات الكافية للعب والترفيه”، مشيرا إلى أن عدد النوادي ودور الشباب، التي كانت تضطلع بدور أساسي في تأطير الأطفال، يشهد “تراجعًا كبيرًا”.

وأضاف أن عدد المستفيدين من المخيمات الصيفية يعرف انخفاضًا مستمرًا، فيما يعيش التعليم العمومي “وضعًا كارثيًا”، حيث أصبح الحد الأدنى من جودة التعليم “يُبحث عنه فقط في مؤسسات التعليم الخصوصي أو في مدارس البعثات الأجنبية المؤدى عنها”.

واعتبر أن المدرسة العمومية باتت تعاني من “هشاشة مزمنة”، مشيرًا إلى أن “البنيات التحتية لهذه المؤسسات لا تراعي حقوق الطفل، إذ تفتقر إلى فضاءات اللعب والأنشطة الرياضية والموازية، ما يحرم الأطفال من جزء أساسي من تجربتهم التعليمية والنمائية”.

وفي سياق متصل، لفت البكاري إلى استمرار ظاهرة تشغيل الأطفال رغم وجود قوانين صريحة تمنع ذلك، معبرًا عن أسفه لـ”تساهل المجتمع مع هذه الممارسة، وليس فقط تقصير الدولة في التصدي لها”.

كما انتقد البكاري “غياب العناية بالجوانب الصحية للأطفال”، مؤكدًا أن المستشفيات “لا تمنح الأولوية لتجهيز الأجنحة الخاصة بالأطفال، التي تظل في آخر اهتمامات قطاع الصحة”.

وتوقف المتحدث ذاته، عند ظواهر خطيرة لا تزال قائمة، من بينها ارتفاع عدد الأطفال الجانحين سواء داخل مراكز الرعاية الاجتماعية أو حتى داخل السجون الخاصة بالأحداث، “وهو ما يُنذر بانفجار اجتماعي محتمل في حال استمرار تجاهل هذه الفئة”.

وشدد على أن ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة يعد “مؤشرًا بالغ الخطورة”، حيث يغادر سنويًا أكثر من 300 ألف طفل مغربي مقاعد الدراسة دون أن يستكملوا الحد الأدنى من التعليم الإلزامي الذي يُفترض أن يمتد إلى حدود سن 15 سنة.

كما عبّر عن قلقه من تصاعد ظاهرة الهجرة غير النظامية في صفوف الأطفال المغاربة، موضحًا أن “زيارة بسيطة إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين تكفي لرصد أعداد كبيرة من الأطفال في مراكز الاحتجاز هناك، فضلًا عن حضور لافت للأطفال غير المرافقين في عدد من الدول الأوروبية، خاصة إسبانيا وفرنسا”.

“إهمال من طرف المنتخَبين”

وأكد أن هذه الأمثلة، رغم كونها غير شاملة، كافية لتسليط الضوء على أبرز الإشكالات التي تعاني منها الطفولة في المغرب، مشددًا على أن الفاعل السياسي، سواء في الحكومة أو في المؤسسات المنتخبة أو حتى في الأحزاب، لا يُفكر في الأطفال ببساطة لأنهم لا يُمثّلون “كتلة انتخابية” تُؤثّر في نتائج الاستحقاقات.

واعتبر أن اقتراب موعد الانتخابات المقبلة سيكون فرصة لأي مهتم بمراجعة البرامج الانتخابية، ليكتشف “غياب أي تركيز فعلي على حقوق الطفل، ما يعكس حجم التهميش الممنهج تجاه هذه الفئة”.

ولم يتردد البكاري في الربط بين وضعية حقوق الطفل في المغرب ووضع باقي الفئات الهشة، مؤكدًا أن الطفولة ليست استثناء، بل تعيش نفس الإقصاء الذي يطال فئات أخرى، كالمهاجرين، النساء، والأشخاص في وضعية إعاقة.

ورغم “قتامة هذا الواقع”، سجّل البكاري وجود تقدم نسبي على المستوى القانوني، سواء من خلال النصوص المؤطرة لحقوق الطفل، أو تلك المتعلقة بالحقوق المحيطة به، مثل الحق في التعليم، الصحة، الحماية من التشغيل القسري، والوضع الأسري في إطار مدونة الأسرة.

وأرجع هذا التقدم إلى مصادقة المغرب على عدد من الاتفاقيات الدولية المرتبطة بحقوق الطفل، بما في ذلك البروتوكولات الاختيارية، داعيا في ختام تصريحه إلى تفعيل هذا المكاسب القانونية من خلال سياسات عمومية منصفة وشاملة.

فرصة لمساءلة الدولة

من جانبه، أكد إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن وضعية الطفل المغربي، وخاصة أطفال الشوارع والأطفال في وضعية فقر وهشاشة، لا تزال تثير العديد من التساؤلات حول فعالية السياسات العمومية، ومدى الالتزام الجماعي بحماية حقوق الطفولة، رغم تعدد المبادرات التي تبذلها الدولة والمجتمع المدني.

وسجل السدراوي ما وصفه بـ”الارتفاع المقلق” لعدد الأطفال في وضعية الشارع، والذين يُحرمون من حقوقهم الأساسية في الحماية، والتعليم، والصحة، والعيش الكريم، مضيفا أن هؤلاء الأطفال يُتركون فريسة سهلة للعنف، والاستغلال، والانحراف، في غياب تدخلات فعالة ومستدامة من قبل المؤسسات المعنية.

وأشار المتحدث إلى أن تفاقم مؤشرات الفقر وسط الأسر المغربية، خاصة في المناطق القروية وأحياء الهامش، ينعكس سلبًا على وضع الأطفال، الذين يُحرمون من أبسط حقوقهم، وفي مقدمتها التغذية السليمة، والرعاية الصحية، والتعليم الجيد، مما يعمق من واقع الهشاشة التي تعاني منها هذه الفئة.

ودعا السدراوي إلى بلورة استراتيجية وطنية عاجلة ومندمجة لإنقاذ الأطفال في وضعية الشارع، تشمل الإيواء، الإدماج المدرسي، التأهيل النفسي، والمواكبة الاجتماعية، إضافة إلى محاربة كل أشكال الاتجار بالبشر والاستغلال الاقتصادي والجنسي الذي يطال القاصرين.

كما شدد على ضرورة اعتبار محاربة فقر الأطفال مدخلًا أساسيًا لأي سياسة اجتماعية فعالة، وذلك عبر تعميم التعويضات العائلية، ورفع الدعم الموجه إلى الأسر الأكثر هشاشة، وربط السياسات التعليمية والاجتماعية بمنطق العدالة المجالية، بما يضمن توزيعًا عادلًا للفرص والخدمات بين مختلف الفئات والمناطق.

وفي السياق ذاته، طالب رئيس الرابطة بتعزيز الحماية القانونية للأطفال في وضعية صعبة، مؤكدًا على ضرورة اعتبارهم ضحايا لا جانحين، واعتماد مقاربة إنسانية وحقوقية في تعامل الدولة مع هذه الفئات الهشة، بدل المقاربات الزجرية التي تزيد من تهميشهم.

وخلص السدراوي إلى أن حقوق الطفل لا تُجزّأ، مشددًا على أنه “لا يمكن الحديث عن مغرب الحقوق ما لم يتم توفير بيئة آمنة لكل طفل مغربي، تحميه من الشارع، ومن الجوع، ومن الجهل، ومن العنف”.

ودعا في ختام تصريحه إلى “وضع الطفل المغربي في صُلب السياسات العمومية وجعل اليوم العالمي للطفل محطة لمساءلة الدولة، وتجديد الالتزام الجماعي ببناء مغرب يليق بأطفاله”.