story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أمن وعدالة |

العقوبات البديلة.. تفاصيل القانون الجديد والفئات المستفيدة والمستثناة

ص ص

دخل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ يوم الجمعة 22 غشت 2025، وذلك بعد أن صادق مجلس الحكومة في 22 ماي 2025 على المرسوم التطبيقي الذي يحدد كيفية تنفيذ هذه العقوبات ويضمن التنسيق بين مختلف المتدخلين القضائيين والإداريين.

وتراهن الحكومة من خلال القانون الجديد على التخفيف من حدة الاكتظاظ الذي تعرفه المؤسسات السجنية، والذي تجاوز، بحسب معطيات السنة الماضية، 105 آلاف سجين، بالإضافة إلى التقليل من حالات العود، وكذا الخفض من تكاليف عقوبة الحبس.

من هي الفئات القابلة للاستفادة من العقوبات البديلة في المغرب؟

تستفيد من العقوبات البديلة بالمغرب فقط الفئات التي حكم عليها بعقوبات حبسية قصيرة المدة، لا تتجاوز خمس سنوات، ولاتكون قد عادت لارتكاب جريمة جديدة. وتشمل هذه العقوبات الجنح البسيطة والجنح ذات العقوبات المحددة بمدة قصيرة، مثل الحبس من سنة إلى خمس سنوات، أو ما تبقى من مدة عقوبة سابقة قابلة للاستبدال.

في المقابل، يستثني القانون عددا من الجرائم التي اعتبر المشرع أنه لا يصلح معها اعتماد هذا النظام العقابي البديل، من بينها تلك المتعلقة بالاستغلال الجنسي للقاصرين، بالإضافة إلى جرائم الاتجار الدولي في المخدرات، وجرائم الاتجار في المؤثرات العقلية، بالإضافة إلى الرشوة والغدر، وكذا الجرائم العسكرية.

ما هي أنواع العقوبات البديلة ؟

وتنقسم العقوبات البديلة إلى أربعة أصناف رئيسية:

  • العمل لأجل المنفعة العامة، والذي يفرض على المحكوم عليه أداء ساعات عمل لفائدة الدولة أو المؤسسات العمومية أو جمعيات النفع العام، بحيث تحتسب كل ثلاث ساعات من العمل بيوم حبس، ويمكن أن تتراوح هذه العقوبة بين أربعين ساعة كحد أدنى وثلاثة آلاف وستمائة ساعة كحد أقصى.
  • المراقبة الإلكترونية، وذلك من خلال مراقبة حركة المحكوم عليه إلكترونيا بواحدة أو أكثر من وسائل المراقبة الإلكترونية المعتمدة، ويعاقب المعني الذي أخلّ بالتزاماته أو فرّ أو تخلص من أجهزة المراقبة أو أتلفها بعقوبة حبسية بين 3 أشهر وغرامة 2000 درهم إلى 5000 درهم أو بإحدى العقوبتين.
  • تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير علاجية وتأهيلية، مثل الإقامة الجبرية أو الخضوع للعلاج أو حظر ارتياد أماكن معينة أو الالتزام بالحضور الدوري أمام السلطات المختصة
  • الغرامة اليومية، حيث يُحدد مبلغ مالي عن كل يوم من العقوبة الحبسية المستبدلة، ويتراوح هذا المبلغ بين مئة درهم وألفي درهم، بناء على الإمكانيات المالية للمحكوم عليه، وخطورة الجريمة، والضرر الناتج عنها، ويلتزم المحكوم عليه بأداء الغرامة في أجل لا يتجاوز ستة أشهر مع إمكانية تمديد المدة مرة واحدة. 

وهكذا، ففي حالة شخص محكوم عليه بعقوبة سجنية تصل إلى 3 سنوات حبسًا نافذًا، يمكن للمحكمة تمتيعه بعقوبة بديلة واحدة أو أكثر، أو حتى تجزيء العقوبة إلى سنة عمل من أجل المنفعة العامة وسنتين مراقبة إلكترونية.

كما يمكن للمحكمة أن تقوم بأبحاث اجتماعية بهدف تحديد العقوبة البديلة المناسبة لكل محكوم عليه وكل قضية، وذلك بهدف تطبيق مبدأ تفريد العقاب الذي ينص على أن العقوبة لا تُطبق بشكل موحد أو آلي، بل يجب أن تتناسب مع ظروف كل شخص وملابسات الجريمة.

هل العقوبات البديلة كافية وفعالة للتخفيف من أزمة اكتظاظ السجون؟

تؤكد الحكومة أن تطبيق العقوبات البديلة يعد حلا فعالا للتخفيف من الاكتظاظ داخل السجون، مع التركيز على إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع وتقليل مدة احتجازهم، خاصة أنه بحسب معطيات الرسمية برسم السنة الماضية، تجاوز عدد المسجونين 105 آلف سجين.

ومع تفعيل قانون العقوبات البديلة يٌرتقب، حسب وزارة العدل، أن يصل عدد الأشخاص المتوقع استفادتهم من النظام الجديد إلى 35 ألف نزيل، من بينهم المعتقلون احتياطيًا والمحكومون بعقوبات حبسية، بالإضافة إلى المحكومين بعقوبات سالبة للحرية في حالة سراح، والذين يصل عددهم إلى 5 آلاف شخص.

في المقابل، يرى المحامي محمد النويني أن العقوبات البديلة “لا تكفي وحدها لمعالجة الأزمة”، مشيرا إلى أن أكثر من 40٪ من  السجناء هم معتقلون احتياطيا، “ما يعكس خللا في النظام القضائي ويزيد من الاكتظاظ بشكل غير مبرر”.

ويرى النويني أن سياسة التخفيف من الاعتقال الاحتياطي تعتبر أحد الحلول الفعالة في هذا الإطار، حيث يظل مجرد استثناء، وذلك حسب المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية، مما يستوجب على القضاة اللجوء إليه في حالات استثنائية فقط، خاصة أن البراءة تعتبر هي الأصل في النظام القضائي المغربي، وذلك وفقًا للمادة 1 من قانون المسطرة الجنائية.

كما يشدد على أهمية دراسة قضايا المتهمين بعناية، والنظر في إمكانية تطبيق تدابير بديلة بدل الحبس في الحالات التي لا تبرره.

ما هي أبرز التخوفات من تفعيل القانون الجديد؟

مع دخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ، أٌثير جدل قانوني وحقوقي حول مدى جاهزية المنظومة القضائية لضمان تطبيق منصف ومتوازن لهذه المقتضيات الجديدة، حيث يحذّر خبراء قانونيون من أن بعض بنود القانون “قد تفتح الباب أمام الانتقائية، وتكرّس الفوارق الاجتماعية، وتفشل في معالجة الإشكالات البنيوية التي يعانيها النظام القضائي وعلى رأسها الاكتظاظ السجني”.

في هذا السياق، يؤكد المحامي النويني أن تطبيق قانون العقوبات البديلة يثير عدة إشكاليات جدية تتعلق بالعدالة والمساواة بين المواطنين، فبالإضافة إلى المخاوف المرتبطة بالتساهل المحتمل مع الجناة، والذي قد يشجع على تكرار السلوكيات الإجرامية، يبرز النويني تحدي آخر يتعلق بنظام الغرامات اليومية كبديل للعقوبات السالبة للحرية.

ويبين النويني أن هذا النظام قد يخلق خللا في مبدأ المساواة أمام القانون، حيث بإمكان الأثرياء دفع الغرامات بسهولة، بينما يواجه الفقراء صعوبات كبيرة في الوفاء بهذه الالتزامات، ما قد يؤدي إلى تباين في المعاملة القانونية بين فئات المجتمع المختلفة.

من جانبها، اعتبرت النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، أن مشروع القانون المتعلق بالعقوبات البديلة “جاء بصياغة تفتقر إلى الضمانات الحقيقية لاحترام حقوق الإنسان”، محذّرة من أن يتحول إلى “أداة لتوسيع التجريم وتكريس الانتقائية وتسهيل الإفلات من العقاب في بعض القضايا، خاصة المرتبطة بالفساد واستعمال النفوذ”.

وأكدت التامني أن أي إصلاح جدي للسياسة الجنائية ينبغي أن يكون “شاملًا يعالج جذور الجريمة ويعتمد على الوقاية الاجتماعية وضمانات المحاكمة العادلة”، بدل الاكتفاء بـ”إصلاحات تجميلية تُبقي على نفس الاختلالات البنيوية” التي يعرفها النظام القضائي.

*أكرم القصطلني _ صحافي متدرب