الطبوغرافيا تستعد للمونديال.. حين يستشرف الطلبة معالم التنمية

شهد المعهد الوطني للزراعة والبيطرة الحسن الثاني، يوم السبت 21 يونيو 2025، تنظيم النسخة الرابعة من “معرض IAV” تحت شعار: “المغرب غدًا: نحو تنمية متوازنة وتدبير جيد للموارد الطبيعية”. ويأتي هذا الحدث في سياق التغيرات المتسارعة التي يعرفها المغرب والعالم، نحو تحولات كبرى في مجالات التهيئة الترابية وتحديث البنية التحتية، الحاجة المتزايدة إلى الطاقة.
المعرض، الذي نظمته الجمعية المغربية للطلبة الطبوغرافيين (AMETOP)، بشراكة مع ست جمعيات طلابية أخرى، عرف حضور المدير العام للمعهد عبد العزيز الحرايقي، والكاتب العام لوزارة الفلاحة ; رضوان عراش ، إلى جانب عدد من ممثلي الهيئات المهنية والمؤسسات الشريكة في ميادين التهيئة والمجال والابتكار الرقمي.
جيل يواصل التراكم
في حديثه لصحيفة “صوت المغرب” صرح رئيس جمعية الطلبة الطبوغرافيين مروان الشلح، أن هذه التظاهرة تمثل امتدادًا لتجربة تراكمية عمرها ربع قرن، بدأت كمنتدى طلابي، قبل أن تتطور إلى موعد علمي سنوي يهدف إلى إبراز إسهامات الطلبة في النقاش الوطني حول السياسات الترابية والتقنيات الحديثة في التهيئة والتخطيط.
وتميز المعرض بمشاركة متميزة للجمعية عبر رواقها الذي ساهمت عن طريقه في تنشيط المعرض من خلال عرض أدوات وأجهزة القياس القديمة والحديثة، التي تُستعمل في تخصص الطبوغرافيا.
وأكد الشلح أهمية هذا النوع من الأنشطة في ربط التكوين الأكاديمي بالممارسة الميدانية، وتشجيع الطلبة على الانفتاح على المستجدات التقنية والمهنية.
وأوضح المتحدث نفسه أن النسخة الحالية تميزت باهتمامها موضوع تنظيم كأس العالم 2030، بوصفه فرصة حقيقية لإعادة التفكير في أنماط تدبير المجال والبنيات التحتية، من خلال تعزيز مساهمة التخصصات التقنية، وعلى رأسها الطبوغرافيا، في إعداد مدن مغربية ذكية ومتجددة.
وأبرز الشلح أن هذه النسخة “لم تكتفِ بعرض المشاريع الأكاديمية أو منتجات الشركات في المجال، بل سعت إلى ربط النقاش العلمي بالرهانات التنموية الجارية، سواء على مستوى البنية التحتية أو الاستعدادات للاستحقاقات الكبرى بالبلاد”، مضيفاً” أنها أبرزت الحاجة إلى تعزيز الجسور بين الجامعة والميدان، بين التكوين والهندسة، وبين الفكرة والتنفيذ، في الإسراع لتنزيل المشاريع على أرض الواقع”.
وقال الشلح إن الهدف المنشود من هذه التظاهرة هو” أن نربط التكوين الأكاديمي بالرهانات الحقيقية التي تعرفها البلاد، خصوصًا في ظل الدينامية التي يشهدها القطاع الترابي. نشتغل من أجل بناء تصور مهني واقعي يقوم على تحديث البنيات التحتية دون المساس بالهوية العمرانية، في ما يمكن وصفه بمبدأ البناء دون هدم.”
في هذا الإطار، عرضت الجمعية المغربية للطلبة الطبوغرافيين (AMETOP) مشروعًا مبتكرًا يندرج ضمن مقاربة المدن الذكية، يهدف إلى حل مشكلة ركن السيارات في المدن الكبرى مثل الرباط، لا سيما خلال الفعاليات الثقافية والرياضية، حيث يضطر المواطنون أحيانًا إلى قضاء أكثر من 30 دقيقة في البحث عن مكان للركن، ما يؤدي إلى تأخيرهم وزيادة الازدحام والتلوث.
يقترح المشروع حسب ممثلي الجمعية، نظامًا ذكيًا ومتصلاً لإدارة مواقف السيارات، يهدف إلى تحسين التنقل الحضري بشكل فعال ومستدام ومتمحور حول المستخدم، وتقوم فكرة النظام على توفير تطبيق رقمي يُمكن المواطنين من معرفة أماكن الركن المتاحة في الوقت الحقيقي، مع إمكانية الحجز المسبق، بالإضافة إلى توجيه المستخدمين عبر مسارات ذكية تسهّل عليهم التنقل داخل المدينة.
المسح الطبوغرافي والرقمنة في خدمة الاستدامة..
شكّل المعرض أيضًا فرصة للمهنيين من القطاع الخاص للمساهمة في التكوين والنقاش عبر ورش مفتوحة masterclass، خصصت للزوار المهتمين بالمجال، وفي هذا السياق أكدت عايدة العيشاوي مهندسة مساحة طبوغرافية، المديرة العامة لشركة VerdiSurvey، والمسيرة لفاعليات الورشة، على أهمية المهنة في كل ما يتعلق بإطلاق المشاريع وضبط معطياتها المجالية، مؤكدة أن حضور المهندس الطبوغرافي في الورش يكون حاسمًا منذ المراحل الأولى.
وقالت العيشاوي في تصريحها لـ”صوت المغرب”، إن”مهنة المهندس المساح الطبوغرافي خفية لكنها لا غنى عنها، حيث إن دورها ضروري في جميع مراحل المشروع”، وشدّدت: “نحن نساهم في إعداد الأرضية الدقيقة التي تنطلق منها كل أعمال التخطيط والتنفيذ، وبالتالي فإن أي نقاش حول المدن الذكية أو الاستدامة لا يمكن أن يستثني هذا التخصص.”
وأبرزت المهندسة أن “شركة VerdiSurvey، التي تملك خبرة مهنية تتجاوز 15 سنة، تواكب المشاريع الكبرى عبر تقنيات المسح ثلاثي الأبعاد وباستعمال الطائرات بدون طيار وتقنيات LiDAR”.
كما أضافت المتحدثة أنها تشتغل أيضًا على “تأطير الأجيال الجديدة من المهندسين لمواكبة التغيرات التقنية المتسارعة، في الظل التحديات التي يعرفها المغرب، للنهوض بالمشاريع الكبرى تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من ضمنها الاستعدادات لمونديال 2030 وما يتطلبه من إنجازات ضخمة” .
وشهدت الورشة المفتوحة المنظمة من طرف جمعية AMETOP مشاركة المؤطر الفرنسي لوران كولومبيرو، مديرمكتب الرداساتCLAM BIM، الذي تطرق خلال مداخلته إلى أهمية اعتماد تقنية نمذجة معلومات البناء (BIM) في كل ما يتعلق بتخطيط المشاريع وتنفيذها ومتابعتها.
وقال لوران في تصريحه إن المغرب، في أفق احتضان كأس العالم2030، مطالب بتكوين ما لا يقل عن ألف خبير في هذا المجال خلال السنوات الخمس المقبلة.
وفي إطار نقل خبرته إلى الحاضرين في الورشة، أوضح المتحدث أن شركته المتخصصة في المجال “تواكب أصحاب المشاريع والمكاتب المكلفة بالتصميم والتنفيذ (Maîtrise d’Oeuvre) في تدبير مشاريعهم، معتمدين على خبرة متقدمة في إدارة نمذجة معلومات البناء (BIM & CIM Management) والتنسيق التقني، سواء في مرحلة التصميم، أو التنفيذ، أو حتى في مرحلة الاستغلال والصيانة.”
وفي السياق ذاته أكّد أنه “لم يعد الـBIM أي(Building Information Modeling اليوم يقتصر على التنسيق بين المعماريين والمهندسين الهيكليين في الاختصاصات التقنية والتكييف والسباكة، مثلا بل توسّع نطاقه ليشمل البنى التحتية أيضًا، من سكك حديدية وطرق ومرافق كبرى، بالإضافة إلى مجال نمذجة معلومات المدن (CIM) والرقمنة”
وأبرز المتحدث أنهم أطلقوا برامج تكوين معتمدة “من خلال CLAM ACADEMY، من بينها ’الماستر التنفيذي’ و’ليسانس BIM’ بشراكة مع المعهد الوطني للفنون والمهن بفرنسا (CNAM)، وذلك بهدف تعزيز قدرات الكفاءات العاملة في القطاع”.
وشدّد لوران أن هذه المبادرة تكتسي أهمية خاصة في السياق المغربي، حيث من المنتظر تكوين نحو ألف خبير خلال السنوات الخمس المقبلة، لمواكبة التحول الرقمي الوطني بشكل فعال ومستدام.”
وأضاف المتحدث أن “المغرب يشهد حاليًا دينامية ملحوظة، تتجلى في مشاريع بارزة مثل ’برج محمد السادس’ و’المستشفى الجامعي ابن سينا’، غير أن الرهان لا يقتصر على البناء الجديد، بل يشمل أيضًا الاهتمام بالرصيد العمراني القائم”، كما شدد لوران على ضرورة العمل على رصد هذه البنايات ونمذجتها ودمجها ضمن منظومة رقمية ذكية، تتيح تحسين إدارتها وتقليص كلفة صيانتها واستهلاكها الطاقي.”