الصديقي: رهانات جولة ترامب اقتصادية ولا تغيير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

س: ما أبرز المؤشرات السياسية والدبلوماسية التي حملتها زيارة دونالد ترامب إلى الرياض، وكيف يمكن قراءة مضامينها في هذا التوقيت؟
ج: أن تكون السعودية هي الوجهة الأولى للزيارات الرسمية الخارجية للرئيس الأمريكي، وما أسفرت عنه من اتفاقات اقتصادية وصفقات تجارية، يعد في حد ذاته حدثا سياسيا كبيرا على الأقل من حيث رمزيته ومظهره العام.
لكن من الناحية العملية، يظل البعد الاقتصادي والتجاري هو الأبرز في هذه الزيارة. فقد أعادت هذه الزيارة السعودية إلى صلب المشهد الخليجي والشرق أوسطي عموما، باعتبارها الحليف الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة.
ومع ذلك، فإن التأثيرات السياسية والدبلوماسية لهذه الزيارة تحتاج إلى وقت للحكم على فعاليتها وأهميتها، بخلاف الصفقات التجارية والاستثمارية التي جسدتها الاتفاقات والعقود المختلفة.
إن التزام المملكة العربية السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، وتوقيع صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار، قد يوحي بإمكانية وجود تأثير سياسي لهذه الزيارة على الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، غير أن شخصية دونالد ترامب، التي تغلب عليها البراغماتية الاقتصادية، وميوله للظهور كالرابح الأكبر، وأحيانا الوحيد، من الصفقات الاقتصادية والسياسية، تدفع إلى التردد في الجزم بوجود أبعاد أخرى غير اقتصادية لهذه الزيارة، خاصة وأنها جاءت في ظل استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة وتعنت نتنياهو.
س: في ضوء اللقاءات التي أجراها ترامب في الدوحة، ما طبيعة الرسائل التي حاول إيصالها، وما حدود التفاعل القطري معها؟
ج: على خلاف الولاية الأولى لدونالد ترامب التي افتتحت بتصريحات سلبية تجاه الدوحة في سياق الأزمة الخليجية عام 2017، بدأت ولايته الثانية بتصريحات إيجابية تشيد بدور قطر الإقليمي، توجت بهذه الزيارة الرسمية التي تعكس المكانة المتزايدة التي باتت تحظى بها لدى الإدارة الأمريكية الحالية.
من أبرز رسائل هذه الزيارة أن قطر تعد فاعلا أساسيا في المنطقة، وشريكًا استراتيجيا للولايات المتحدة في عدد من الملفات الكبرى التي تشكل أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والأزمة السورية، والملف النووي الإيراني.
ويبدو أن قطر تحسن توظيف أدواتها الاقتصادية الفعالة وآليات قوتها الناعمة لإعادة تموضعها ضمن خريطة التوازنات الجيوسياسية الجديدة في المنطقة، وهو ما تدعمه مؤشرات على تفاهم غير مسبوق بينها وبين واشنطن، قد يمهد لتوسيع دورها الإقليمي خلال المرحلة المقبلة.
س: كيف تفسرون دلالة زيارة ترامب للإمارات في أعقاب محطتي السعودية وقطر؟ وهل ثمة تمايز في أولويات الزيارة بين العواصم الثلاث؟
ج: يبدو أن ترتيب الزيارة قد تم بعناية، وأيضا باتفاق مسبق مع العواصم الثلاثة، بدءا من السعودية بوصفها الحليف الأكبر، وختاما بالإمارات باعتبارها القوة الخليجية الثانية من حيث التأثير. لذلك بمكن القول إن اختيار الإمارات كمحطة أخيرة في جولة ترامب الإقليمية يعد مؤشرا إيجابيا يعكس مكانتها المتقدمة في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، والتي انعكست في تعهد الإمارات باستثمارات ضخمة قد تصل إلى 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي.
وتكتسب الإمارات أهميتها كذلك من كونها فاعلا مؤثرا في عدد من الملفات الإقليمية مثل السودان وليبيا، فضلا عن دورها الكبير في إطلاق اتفاقات أبراهام. ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، قد تكون هناك تحفظات إماراتية تجاه بعض جوانب السياسة الخارجية لترامب في ولايته الثانية، خاصة ما يتعلق بالملف السوري. كما أن التصاعد الإقليمي لدور تركيا، المدعوم علنا من الإدارة الأمريكية، قد يثير قلق الإمارات.
علاوة على ذلك، فقد سبق للإمارات أن أظهرت إشارات على انفتاحها نحو الصين وروسيا. ورغم التباينات الحالية في المواقف بين الولايات المتحدة والإمارات، فإن ملامح المشهد الخليجي لا تزال تؤكد استمرار النفوذ الأمريكي، إذ إن دول الخليج، رغم سعيها إلى تنويع شركائها ومصادر تسليحها، تظل تعتبر الولايات المتحدة الحليف الأول في المدى المنظور.
س: هل تعكس هذه الجولة مقاربة أمريكية جديدة في التعامل مع الخليج، أم هي استمرارية للسياسات السابقة ولكن بوجوه مختلفة؟
ج: رغم تنوع أهداف زيارة ترامب الحالية إلى الخليج، فإن العنوان الأبرز لها يظل اقتصاديا، كما أشرت سابقا، إذ يحتل الاقتصاد المرتبة الأولى في أولويات ترامب تجاه الداخل الأمريكي، سواء من حيث الاتفاقيات أو وعود الاستثمار.
أما على الصعيد السياسي، فلا تزال النتائج غير واضحة وتحتاج إلى وقت لتتبلور، خصوصا فيما يتعلق بالدعوة إلى وقف العدوان على غزة أو في ما يخص الملف السوري، حيث تتطلب هذه القضايا استجابات فعلية من أطراف فاعلة، وفي مقدمتها إسرائيل، التي لا تزال سياستها متعنتة وتتعارض في كثير من الأحيان مع الأهداف المعلنة من قبل ترامب.
لذلك، من المبكر الجزم بأن هذه الزيارة شكلت تحولا حقيقيا في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. فبينما تبدو الأبعاد الاقتصادية أكثر وضوحا وقابلية للتنفيذ، تبقى الإعلانات السياسية رهينة للتطورات الميدانية وإرادة الأطراف المعنية، لا سيما إسرائيل وإيران في بعض الملفات، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى إمكانية تحقق الأهداف السياسية المرجوة من هذه الزيارة على المدى القريب.
وعموما، لا يبدو أن هناك تغييرا جوهريا في أسس السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية تجاه الشرق الأوسط، إذ ما تزال الإدارة الحالية تتعامل مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة من الحماس والزخم من دولة إلى أخرى، تبعا لخصوصية كل سياق.
س: ما التأثير الفعلي المتوقع لهذه الزيارة على الملفات الإقليمية الكبرى، مثل الوضع في غزة، والتطبيع، والملف الإيراني؟
ج: لم يتحقق شيء ملموس حتى الآن في هذه الملفات الثلاثة، فقد عجز ترامب عن الوفاء بأبرز وعوده في مجال السياسة الخارجية، سواء في ما يتعلق بدفع إسرائيل إلى الموافقة على اتفاق لوقف حربها على غزة، أو في جهوده لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
فعلى سبيل المثال، لا يمكن اعتبار عدم زيارة ترامب لإسرائيل مؤشرا على تحول في السياسة الأمريكية، إذ إن العلاقات بين البلدين تعد علاقات بنيوية تحكمها ديناميكيات السياسات الداخلية الأمريكية والتأثير العميق للوبي الإسرائيلي في مختلف مستويات صنع القرار الأمريكي. وبالتالي، فإن هذه العلاقات لا تحدد فقط بتطورات الأوضاع في الشرق الأوسط أو بالتباينات الظرفية في المواقف مع هذا الحليف أو ذاك.
أما الملف الإيراني، فهو أكثر تعقيدا، إذ إن التطورات الكبرى التي أعقبت عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 عززت حاجة إيران لتعزيز قدراتها النووية، مما يجعل من الصعب توقع تخليها الكامل عن مشروعها النووي أو تفكيك منشآتها. ومع ذلك، يبقى احتمال التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي قائما على المدى المتوسط، خصوصا إذا سقطت حكومة نتنياهو، التي تبدو حتى الآن عقبة رئيسية أمام أي تقدم في هذا الملف، وكذلك في ملف غزة.
*أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس
لقراءة الملف كاملا، حول زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنطقة الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، يرجى الاشتراك في مجلة “لسان المغرب” بالضغط على الرابط