story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

#الصحراء_في_مغربها

ص ص

أعتذر من قراء هذا الركن والباحثين عن الصحافة التي تراقب القطارات المتأخرة عن مواعيدها والأجزاء الفارغة من الكؤوس والرجال الذين يعضون الكلاب بدل العكس… لأنني سأعطّل الشك المنهجي وكلّ حسّ نقدي لنحتفل.

نعم، هناك ما يستحقّ الاحتفال في هذا الصباح الذي ننتظر فيه جلسة لمجلس الأمن الدولي وفوق طاولته مشروع قرار صغير في مبناه لكنه كبير في معناه.

بل هناك ما يستحق التهنئة، والقبض بحرارة على أيدي كلّ جنود العلن والخفاء، من قمة الهرم السياسي والدبلوماسي إلى آخر حارس في بوابة سفارة أو قنصلية مغربية في أقصى أطراف الأرض.

تهانينا وشكرنا لكل من ساهم من قريب أو بعيد في إحراز هذا النصر، الجزئي والمرحلي، لكنه نصر كبير ويعني لنا الكثير.

سنترك الملك جانبا لأنه لا يحتاج إلى اعتراف ظرفي أو عابر، مني أو من غيري، وسأغتنم شخصيا فرصة هذه الفرحة الوطنية لتحية وشكر من نوجّه إليهم عادة أقسى أنواع المساءلة والانتقاد، لأننا نريد لهذا المغرب الأفضل ولا نرضى له بالقليل.

فشكرا لكل دبلوماسي وموظّف وعون في أسلاك وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية وموظّفي المديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد)، جنود الخفاء بامتياز في هذه المعركة الوجودية التي يخوضها المغاربة منذ عقود. ولا داعي للتذكير بالشكر الموصول والدائم لأبطال الجبهة، حملة السلاح في حدود من رمال يثبّتونها بأقدامهم الراسخة، والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

شجاعة الانتقاد ليست أهمّ من شجاعة الشكر والاعتراف. لهذا دعونا نفرغ ما يحملنا الخوف على مهنيتنا ودورنا الأساسي، (الصعب والمر لكنه أساسي)، بالبحث عن النقائص، وكشف الخلل، والتنبيه إلى المخاطر المحتملة.

نعم، إنه قرار بطعم نصف قرن من الزحف الحضاري نحو أرض الجذور، وأكثر من قرن من التمسّك بالأصول.

قرار ينتصر لذكرى مغاربة عهد الحسن الأول، عندما كانوا يضحون في عزّ الحصار الاستعماري والضائقة المالية، ويبعثون المال والسلاح للشيخ ماء العينين كي يقاوم تسلّل الاستعمار إلى تخوم الصحراء من الداخلة إلى ما فوق العيون وطرفاية، ومواد البناء والتعمير ليقيم رباطه الصوفي المقاوم في السمارة.

قرار ينصفنا بعدما خرجنا من الصحراء مرّتين تحت وابل من نار الغزاة المتحالفين: الأولى عندما أعارت فرنسا طائراتها لإسبانيا كي تمهّد لها السيطرة على روح الصحراء، مدينة السمارة، والثانية عندما تجدّد حلف الغزاة ل”كنس” المقاومين في عملية “المكنسة؛ عام 1958.

إنه قرار بطعم الانتصار للآباء والأجداد، واستعادة أرض هي أكثر من مجرّد “عقار”، بل مجال ظلّ المغرب ينبت منه من جديد كما تنبت نبتة الصبّار من قلب الكتبان الجافة.

قرار انتظرناه منذ بداية الستينيات، عندما بادرنا، مغاربة وموريتانيين، إلى الاعتراض على محاولة إسبانيا استثناء إقليم الصحراء من الأقاليم غير مقررة المصير في سجلات الأمم المتحدة، ومنذ استعدّ الحسن الثاني للحرب بكل مقوّماتها العسكرية والدبلوماسية، ثم أصدر نداءه بالزحف السلمي في المسيرة الخضراء.

تعالوا نوقف جموحنا العاطفي لنعرض لماذا يستحق القرار الذي ينتظر أن يصوّت عليه مجلس الأمن الدولي مساء هذا اليوم، الجمعة 31 أكتوبر 2025، الاحتفاء والتهاني:

هناك أولا تحوّل في فلسفة الأمم المتحدة تجاه الصحراء. ومن خلال الفقرات التمهيدية للقرار، من الفقرة الثانية إلى الفقرة الخامسة، يتضح أن المجلس لم يعد يتحدث عن “استمرار المسلسل السياسي” فحسب، بل عن”“فرصة غير مسبوقة للتوصل إلى سلام دائم””، ويدعو إلى “مواصلة البناء على الزخم الحالي”.

هذه اللغة الجديدة ليست مجرد بلاغة دبلوماسية، بل تحمل مؤشرا على تحوّل في فلسفة الأمم المتحدة نفسها، فلم تعد المنظمة تكتفي بدور الوسيط الذي يدير التوتر، بل تتجه إلى دور الراعي الذي يهيّئ الأرضية لتسوية نهائية.

ثانيا، هناك هذا الاعتراف الصريح بسيادة المغرب على الصحراء. للمرة الأولى في تاريخ عرض الملف على المنظمة الأممية، تُكتب عبارة “السيادة المغربية” في متن مشروع قرار لمجلس الأمن. الفقرة التمهيدية الرابعة (PP4) لا تترك مجالا للتأويل: “الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر واقعية”.

هذه الصياغة، التي مرّت عبر مفاوضات دقيقة وحسابات لغوية معقّدة، ليست تفصيلا تقنيا، بل لحظة تحوّل استراتيجي في الملف. إنها إعلان من أعلى هيئة أممية بأن الحل النهائي يوجد داخل السيادة المغربية لا خارجها، وأن الصحراء لم تعد موضوعا للحياد، بل مجالا للاعتراف.

ثالثا، المقترح المغربي بات القاعدة الوحيدة للتفاوض، وتم الانتقال من تعدد الطروحات إلى مركزية المقترح المغربي. حين يقول القرار في فقرته العملية الثانية (OP2) إن المفاوضات تُبنى على أساس “مقترح الحكم الذاتي المغربي”، ويُرحّب بـ”المقترحات البناءة للأطراف ردا على هذا المقترح”، فإن معنى ذلك واضح: لم يعد المقترح المغربي واحدا من بين عدة بدائل مطروحة، بل أصبح البديل الوحيد الممكن.

لقد أُغلق القوس الذي فُتح منذ بداية النزاع حول “مشاريع موازية” أو “استفتاءات متنازع عليها”. اليوم، تحسم الأمم المتحدة نفسها في مسار التفاوض، وتُخرج الملف من منطقة اللايقين إلى منطق الواقعية السياسية.

رابعا، القرار يعلن نهاية فكرة الاستفتاء وبداية مرحلة ما بعد “مينورسو”. لم يَعُد الحديث عن “الاستفتاء” سوى ذكرى لغوية، ولن يعود إلى في علاقة بشكل الحكم الذاتي لا مبدئه. الفقرة العملية الثالثة من القرار (OP3) تنهي عقودا من الغموض حين تربط “حق تقرير المصير” الذي يعتبر المغرب أول من طالب به، بـ“الحكم الذاتي الحقيقي”.

بمعنى آخر: تمّ تحويل المفهوم من أداة لتفكيك السيادة إلى وسيلة لترسيخها. وفي الفقرة العملية الخامسة (OP5)، يظهر الأفق الجديد بوضوح: مراجعة شاملة لمهام بعثة “المينورسو”، لأن وظيفتها الأصلية – تنظيم الاستفتاء – أصبحت بلا معنى في ظل التحول القائم.

إنها بداية مرحلة جديدة، حيث تنتقل الأمم المتحدة من مراقبة نزاع إلى مواكبة تسوية.

هذه ليست مجرد صياغة دبلوماسية جديدة، بل انتصار بنيوي في لغة القانون الدولي، حيث تنتقل الصحراء المغربية من حالة نزاعٍ إلى إطار سيادة معترف بها، ومن نزاع جامد إلى مشروع تسوية نهائي عنوانه الواقعية تحت السيادة المغربية.

ودون أن نكسر هذا الإيقاع الاحتفالي، دعونا نطرح سؤالين قصيرين بين يدي هذا الإنجاز الدبلوماسي، حتى يكون الموقف متوازنا ولو في الحدود الدنيا:

• السؤال الأول: هل نحن مستعدّون “حقّا” لمنح جزء من ترابنا حكما ذاتيا “حقيقيا”؟ ودون كثير لفّ ودوران، شخصيا لا أعتقد أننا قمنا بما ينبغي للاستعداد لمثل هذا التحوّل الكبير في بنية دولتنا وطبيعة تعاقداتنا القائمة. وهذا لا يعني الطعن في كل ما سبق، بقدر ما يعني أن علينا أن نبدأ وبدون تأخير في الاستعداد لاستحقاق الحكم الذاتي، بإقامة البناء القانوني والمؤسساتي التي يعكس روح حماية الحقوق والحريات والقبول بالاختلاف واستيعاب مختلف تيارات الرأي والفكر… هكذا فقط يمكن لحكم ذاتي في الصحراء أن يكون بمثابة اللقاء في جسم الدولة المغربية.

• أما السؤال الثاني، فأعطي الكلمة فيه كلّيا لواحد ممن عرفوا جبهة البوليساريو من الداخل، وخدموا في صفوفها، ثم اكتووا بنارها، وهو المسؤول الأمني السابق في مخيمات تندوف مصطفي سلمة ولد مولود. هذا الأخير كتب ليلة أمس يتساءل:

هل ستلتزم البوليساريو بدعوة المجلس العودة الى اتفاقية وقف إطلاق، كشرط لبدء المفاوضات؟

وإذا قبلت، هل سيسمح لها المغرب بعودة قواتها إلى قواعدها في المناطق شرق الحزام؟

وإذا لم يسمح لها، ماذا ستكون ردة فعلها؟

———-

– عدم عودة قواتها الى قواعدها شرق الحزام، معناه أنها سلمت بسيادة المغرب على كامل الإقليم؛

– وعودتها، معناه العودة إلى مربع ما قبل الكركرات”.