story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
المؤسسة الملكية |

الزيارة الأولى إلى إسبانيا

ص ص

هذه تفاصيل الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها الملك محمد السادس إلى إسبانيا، كما يروي تفاصيلها فتح الله ولعلو، وزير الاقتصاد والمالية السابق، في حكومتي عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو، وذلك ضمن كتاب مذكراته “زمن مغربي.. مذكرات وقراءات:

“كان الإسبان كعادتهم يحرصون على التسابق مع باريس فى كسب ود المغرب من هنا حرصهم الشديد فى تلك الزيارة الملكية على جعلها مثقلة بالرسائل الرمزية والسياسية المعلية من شخص العاهل المغربي، دون إغفال أن ملك إسبانيا خوان كارلوس قد كان له دوما عطف شخصي على جلالته وعلى العائلة الملكية المغربية عموما.

كان الوزير الأول الإسباني حينها هو زعيم الحزب الشعبي اليميني خوسي أثنار، ووزير ماليته هو الخبير المالي الدولي رودريغوراثو الذي سيصبح مديرا عاما لصندوق النقد الدولي بعد ذلك.

كانت اللحظة التي لم أنسها قط هي لحظة العشاء الرسمي بالقصر الملكي الإسباني بمدريد، حين تناول جلالة الملك محمد السادس الكلمة متحدثا باللغة الإسبانية، التي لم أكن أفهمها. لكنني انتبهت كيف انتشى كل الإسبان الحاضرون ذلك العشاء وأحسوا بفخر خاص.

سألت عن سبب ذلك الانبهار من قبل الحضور، فقيل لي إن الملك المغربي ليس فقط متمكنا من اللغة الإسبانية، بل إنه خاطبهم باللغة الإسبانية الأصلية القشتالية وهذا أمر لا يتقنه حتى العديد من الإسبان الحاضرين ذلك العشاء. لقد اعتبروا أن تلك كانت هدية جلالته الأكبر إلى الشعب الإسباني، ومنهم من ذهب إلى حد الجزم أنه يثقن الإسبانية أكثر من الفرنسية.

كان جالسا غير بعيد مني، قبالتي، رئيس المعارضة الإسبانية الجديد الشاب حينها خوصي لويس رودريغيز زاباطيرو، توجهت صوبه وقدمت إليه نفسي وأننا ننتمي إلى نفس العائلة التقدمية الاشتراكية الديمقراطية، ففرح عاليا أنني أنا من بادرت إلى السلام عليه ضمن تلك الجلبة من الحضور، حيث كان ذلك أول تعارف مباشر لي معه.

عقدنا في الغد جلسة عمل بمقر الوزارة الأولى بمدريد بقصر المونكلويا، فانتبه جلالة الملك محمد السادس، أنني الوحيد الذي لا يفهم الإسبانية، فأمر المترجم بالقيام بالترجمة بصوت مسموع، حتى أتابع ما يُقال. شكرت جلالته وأكدت له أن لا حاجة إلى ذلك، لكنه ألح قائلا :
“ضروري حتى نتابع معنا ما يقال”.

ثلاث سنوات بعد ذلك جاء رئيس الوزراء الإسباني خوصي ماريا أثنار إلى مراكش ليترأس مع الوزير الأول المغربي الجديد إدريس جطو أشغال اللجنة العليا المشتركة بين البلدين. بعد إنهاء اجتماعاتنا، خاصة مع وزير المالية الإسباني، راثو، الذي كان يروج أنه سيخلف أثنار في قيادة الحكومة بعد الانتخابات، حيث وقعنا 5 اتفاقيات مالية، توجهنا صوب فندق المامونية، حيث حضر جطو وأثنار، قبل التوجه إلى القصر للقاء الملك محمد السادس، فطلب مني الوزير الأول المغربي الإهتمام برئيس الحكومة الإسباني حتى يحين موعد التوجه إلى القصر الملكي.

بدأت أتمشى معه في حديقة فندق المامونية ولاحظت أنه متوتر جدا، فسألته بالفرنسية التي يتقنها عن السبب في توتره؟ فرد علي أنه متوجس من اللقاء مع الملك، فرددت عليه أن ليس هناك سبب لتوجسه ذاك. فعقب قائلا :
“لي إحساس أن جلالته لا يُحبني”.

كان ذلك راجعا إلى تداعيات ما وقع من تدخل إسباني في قضية صخرة جزيرة ليلى بالشمال. حيث أذكر جيدا لحظة الأزمة تلك، أنه كنتُ في منزل الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي، أعرض عليه بعض الملفات المالية، حين اتصل به رئيس الحكومة الإسباني آثنار، وتحدثا مطولا بالإسبانية. فهمت أنه كان يسعى أساسا إلى تبرير قرار تدخله العسكري هناك.

أذكر أن اليوسفي رفع سماعة التلفون مباشرة بعد انتهاء حديثه مع أثنار، وتحدث مطولا مع جلالة الملك، حيث نقل إليه ما قاله رئيس الحكومة الإسباني، ولمست مباشرة درجة غضب جلالته من خوصي ماريا أثنار.

توجه إذن، رئيس الحكومة الإسباني إلى القصر الملكي حيث استقبله جلالة الملك. بعد عودته التقيته مجددا بفندق المامونية، حيث كان شخصا آخر، فسألته:
السيد رئيس الحكومة هل أنت مرتاح الآن؟
فأجابني بحماس :
“لست فقط مرتاحا بل فرح من طريقة استقبال جلالة الملك لي بحفاوة. لقد تأكدت جديا أن علاقات المغرب وإسبانيا استراتيجية”.
أجبته:
هذا أمر يعرفه الجميع، لكن يظهر أنه حتى العنصر الذاتي مهم لديك في المسألة،
ضحك وقال لي:
“نعم، حتى العنصر الذاتي مهم”.

أثناء حفل العشاء الذي نظمه الوزير الأول المغربي إدريس جطو على شرف الوفد الإسباني، جلس جواري وزير المالية الإسباني رودريغوراثو، فقلت له هامسا :
واضح أن أثنار سيغادر الوزارة الأولى بعد الانتخابات التي على الأبواب. من منكم سيتولى منصبه؟.
أجابني:
“ستری”
سألته عنما سيقوم به أثنار بعد المغادرة، فأجابني وأثنار قريب منه جدا على نفس طاولة العشاء:
“هذا رجل غامض جدا، لا يمكن أن يفهمه أحد. حتى ونحن نعمل معه، فلا أحد منا بإمكانه الادعاء أنه يعرفه حقيقة. إنه لغز”.
حينها أدركت أن العلاقات بين الرجلين ليست على ما يرام. علما أن راثو تحمل مسؤولية إدارة صندوق النقد الدولي قبل أن يرجع إلى القطاع الخاص بإسبانيا ويتابع قضائيا بسبب بعض الهفوات”.

  • هذا المقال هو جزء من ملف العدد 74 من مجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا يرجى الضغط على الرابط