الزنزانة 10 والمتصرفون.. ملفات التعليم العالقة تنذر بدخول مدرسي متوتر

مع انطلاق الدخول المدرسي الجديد، تعود ملفات التعليم العالقة إلى الواجهة بقوة، في ظل توتر متصاعد بين النقابات التعليمية ووزارة التربية الوطنية، فرغم توقيع اتفاقات اجتماعية ووعود رسمية بطي صفحة الاحتقان، ما تزال قضايا جوهرية بلا حلول، من قبيل ملف الزنزانة 10، والمتصرفين التربويين، وتعويضات الأطر التعليمية بمختلف فئاتها.
وتنذر هذه القضايا العالقة بموسم دراسي متوتر، تغيب فيه الطمأنينة عن الفاعلين التربويين، وسط اتهامات للوزارة والحكومة بممارسة “الهروب إلى الأمام” و”التملص من الالتزامات”، في المقابل، ترفع النقابات منسوب التصعيد وتلوّح بخطوات نضالية غير مسبوقة، ما يجعل المدرسة العمومية أمام سنة أخرى من التجاذبات والاحتجاجات.
وفي السياق، قال عبد الله أغميمط، الكاتب الوطني العام للجامعة المغربية للتعليم، إن الدخول المدرسي الحالي لا يختلف عن سابقه، بل يكشف ملامح “أزمة أعمق” ناجمة عن استمرار ما وصفها بـ”السياسات الحكومية اللاشعبية” في قطاع التعليم.
وأكد أن استهداف المدرسة العمومية أصبح مهمة رسمية تحت شعار “الإصلاحات”، رغم أن ربع قرن من البرامج الإصلاحية المتعاقبة “لم تنتج سوى المزيد من أعطاب المنظومة، التي ظلت أسيرة لتوجيهات المؤسسات المالية الدولية”.
وأوضح أغميمط أن ما يزيد الوضع قتامة “هو تراكم أكثر من ستة عقود من الشعارات والقرارات الفوقية التي لم تثمر إلا تراجعا في مخرجات التعليم، واتساع الهوة بين المدرسة والمجتمع، وتفاقم مظلومية نساء ورجال التعليم، ما أدى إلى ارتفاع منسوب فقدان الثقة في المدرسة العمومية”.
وأضاف أن الدخول المدرسي الحالي “يعكس استمرار الدولة وأجهزتها الحكومية في الاعتداء على حقوق ومكتسبات الأطر التعليمية، من خلال عدم الالتزام بتنفيذ اتفاقي 10 و26 دجنبر 2023، رغم مرور أزيد من سنتين ونصف على توقيعهما”.
وتوقف المسؤول النقابي عند مجموعة من الملفات التي ظلت عالقة دون حلول، على رأسها ملف “الزنزانة 10″، الذي عمر لسنوات طويلة دون إنصاف، “وزادت مظلوميته بعد تراجع الوزارة عن التأويل الإيجابي للمادة 81 الذي جرى التوافق حوله في اجتماع 9 يناير الماضي”.
كما أشار إلى ملف المادة 89 الخاص بالمتصرفين التربويين، والذي يهم الآلاف “ممن قدموا تضحيات جسيمة للمنظومة دون أن يتم إنصافهم، بعد انقلاب الوزارة على الاتفاق الذي يقضي بجبر الضرر واسترجاع المبالغ المقتطعة من رواتبهم”.
كما انتقد أغميمط استمرار “تجاهل” الوزارة لمطالب حيوية، بينها التعويضات التكميلية لأساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي والأطر المختصة، والتعويض الخاص بالمساعدين التربويين، فضلا عن ملف تخفيض ساعات العمل للأساتذة، والنظام الأساسي لمبرزي التربية والتكوين.
وأشار أيضا إلى “تعثر” تنفيذ التعويض عن العمل في المناطق النائية رغم مرور سنتين على تفعيله، إلى جانب ملفات تدبيرية عالقة تخص العرضيين ومنشطي التربية غير النظامية ومحو الأمية وأساتذة سد الخصاص.
ولم يغفل الكاتب الوطني العام للجامعة ملفات أخرى كملف الدكاترة العاملين بقطاع التربية الوطنية، الذي اعتبر أنه عرف “خروقات” في تدبيره، إضافة إلى تأخر تسليم شواهد التكوين الخاصة بمفتشي التوجيه والتخطيط والممونين، والاختلالات التي رافقت تنفيذ المادتين 76 و85 من النظام الأساسي.
كما أشار إلى “المظلومية التي يعانيها المساعدون التربويون الذين لم يستفيدوا بعد من التعويضات الخاصة وإلغاء الدرجات الدنيا، إلى جانب المطالب المرتبطة بتمتيع أفواج المفتشين بسنتين جزافيتين”.
أما ملف التعليم الأولي، فأكد أغميمط أنه يكشف “واقعا مقلقا”، حيث “توهم الوزارة الرأي العام بكونه مهيكلا، في حين أن العاملين به يشتغلون في ظروف غير لائقة، بأجور زهيدة، وتحت وصاية جمعيات ووسائط دون إدماجهم في الإطار القانوني للشغيلة التعليمية”.
وفي ختام حديثه، حمّل أغميمط الوزارة والحكومة كامل المسؤولية في استمرار “التملص” من تنفيذ الاتفاقات الاجتماعية، مؤكدا إدانة الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي لهذا “التعاطي غير المسؤول”، ومعلنا دعمها المطلق لكل النضالات والاحتجاجات التي تخوضها الشغيلة التعليمية دفاعا عن مطالبها العادلة.
من جانبه قال كمال بنعمر، الكاتب الوطني لنقابة المتصرفين التربويين، إن الدخول المدرسي لم يكن بداية برنامجهم النضالي، موضحا أن الشرارة الأولى انطلقت يوم 17 مارس 2025 بعد أن تأكدت النقابة من “انقلاب الوزارة على منهجية الحوار والتشاور والتفاوض” بخصوص الملف المطلبي لهذه الفئة.
وأضاف أن الوزارة “أغلقت الباب” أمام النقابة المحاورة باسم المتصرفين التربويين، الأمر الذي دفعهم إلى تبني خطوات تصعيدية، مؤكدا أن المجلس الوطني الذي انعقد بالقنيطرة في 27 يوليوز الماضي شدد على الاستمرار في البرنامج النضالي إلى حين الاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة.
وشدد بنعمر على أن الوزارة الوصية غير مبالية بمشاكل القطاع، وتحاول أن “تغرق هذه الفئة في مهام متناسلة لا تنتهي مقابل تجاهل مكتسباتها وحقوقها”، مجددا التأكيد على أن ملف المتصرفين التربويين “غير قابل للتسويف أو الالتفاف”.
وحمّل وزارة التربية الوطنية والحكومة مجتمعتين المسؤولية الكاملة عما قد تؤول إليه الأوضاع في حال استمرار ما وصفه بسياسة “الهروب إلى الأمام والتجاهل الممنهج”.
وفي هذا السياق، أعلنت النقابة عن الشطر الأول من برنامجها التصعيدي الممتد من 1 إلى 20 شتنبر 2025، ويتضمن مقاطعة مشروع المؤسسة المندمج وتجميد عمل جمعية دعم مدرسة النجاح، الاستمرار في مقاطعة أنشطة مؤسسات الريادة، ولجان تتبع الدخول المدرسي، إضافة إلى مقاطعة البريد الورقي والإلكتروني ابتداء من 2 شتنبر، ومقاطعة استخلاص أقساط التأمين المدرسي وانخراطات الجمعيات، فضلا عن مقاطعة أنشطة الحياة المدرسية والمهام الإضافية التي لا تدخل ضمن صلاحيات الحراس العامين والنظار.
كما يشمل البرنامج الانسحاب من مجموعات “الواتساب المهنية”، والاستعداد للاستقالة الجماعية من جمعية دعم مدرسة النجاح، وخوض إنزال وطني بالرباط يوم 11 شتنبر 2025 أمام مقر وزارة التربية الوطنية.
ودعا بنعمر في ختام تصريحه كافة المتصرفين التربويين في مختلف الجهات والأقاليم إلى وحدة الصف والتعبئة الشاملة، والالتزام بتنفيذ البرنامج النضالي المسطر إلى حين انتزاع الحقوق المشروعة لهذه الفئة التي يعتبرها “محورية في المنظومة التربوية”.