story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

الرݣراݣي وحرية التعبير !

ص ص

فجأةً تحولَت انتقاداتٌ عادية موجهة إلى المدرب وليد الركراكي بخصوص الأداء الباهت للمنتخب الوطني، إلى “حملة ممنهجة” و”مخطط مدروس”، و”مؤامرة للإطاحة به” وتعيين بديل له قبل كأس إفريقيا للأمم خلال دجنبر المقبل.

منسوب “البارانويا” كان لابد له أن يرتفع عند الكثيرين بشكل غريب ليصل إلى حد تخيل سيناريوهات مُعدة بإحكام من طرف “الجناح الفرنسي في جامعة كرة القدم” لإبعاد وليد الركراكي، وكأن الأخير محسوب على “الجناح الإنجليزي” وليس مواطنا فرنسيا بالإزدياد والجنسية والثقافة والتكوين.

هناك أشياء تقع في الرياضة (وخاصة كرة القدم)، لا يمكن أن “نقولبها” في قالب سياسي، أو نُلبسها نفس لباس التدافع والصراع والمكائد والحملات الممنهجة التي تقع في باقي المجالات المختلفة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمنتخب وطني يتابعه الملايين من الناس بعيون مفرطة في العاطفة، ومواقفهم ترتبط بالأداء في الملعب وبالنتائج والإنجازات والإخفاقات لا غير، ولا يمكن لأحد ما أو جهة ما أن توجههم أو تسيطر على آرائهم، غير ما تفرزه المباريات.

الأمر مرة أخرى في غاية البساطة، ولا يستدعي كل هذا “الخيال” الذي يصنع سيناريوهات المؤامرات والمكائد والحملات الممنهجة، فنحن فقط أمام جمهور يربط موقفه بما جرى في كأس إفريقيا بالكوت ديفوار 2023 والخروج المذل لوليد الركراكي من الدور الثاني، بعد أن كان محمولا على الأكتاف قبل ذلك بأشهر في قطر بمناسبة إنجازه المونديالي الخارق…

هي قاعدة عادية في كرة القدم يعرفها آخر المهتمين بأحوالها وأخبارها وتقلباتها، أي أن الجمهور الذي قد يرفعك اليوم إلى أعلى عليين بعد أن تجلب لقبا، هو نفسه الجمهور الذي سيطيح بك أرضا، ويشبعك تهجما وانتقاصا من قيمتك عند أول هزيمة أو أداء سيء.

الحقيقة الواضحة في الموضوع، والتي لا تحتاج إلى كل هذه الإتهامات المجانية ب”الحقد على الركراكي” و”التآمر عليه”، هي أن المنتخب الوطني منذ كأس العالم بقطر، وهو يجد صعوبات كبيرة في الإنتقال من منظومة لعب دفاعية أدت دورها أمام عمالقة العالم، إلى تنشيط هجومي مفروض في المنتخب الوطني أن يلعب به أمام منتخبات ضعيفة ومغمورة.

وكان من نتائج هذا التخبط هو الإقصاء المؤلم من “كان” الكوت ديفوار، واستمرار الحال على ما هو عليه إلى يوم الناس هذا، بل يزداد الأداء سوءا ويزداد الركراكي حيرة وتخبطا كلما اقتربنا من موعد كأس إفريقيا في نهاية السنة، رغم سلسلة الإنتصارات الخادعة التي يحققها الفريق الوطني.

طبيعي أمام هذا الذي يراه الناس في فريقهم الوطني، أن نتركهم ليقولوا رأيهم، ويعبروا عن غضبهم وتخوفهم من ساعة الجد أمام المنتخبات القوية في القارة، وأن ينتقدوا ويقترحوا ويشيروا إلى النقائص والعلل، لا أن نخيرهم بين أن يصمتوا ويغلقوا أفواههم بداعي “حفظ جميل” الركراكي الذي صنع إنجازا تاريخيا مرت عليه اليوم ثلاث سنوات، وأن يتحلوا ب”قليل من العرفان” وباقي التعبيرات “الدرامية” التي لا مكان لها في كرة القدم.. وإلا فهم متآمرون وحاقدون ويخوضون حملة ممنهجة ضد الناخب الوطني وضد الوطن نفسه !!

كرة القدم في المغرب منذ الإستقلال، وُجِدت أصلا ل”يفش” الناس قلوبهم الناقمة فيها، وينفسوا داخلها غضبهم الإجتماعي، وهي من المجالات القديمة في البلاد التي تُوفر للمواطن سقفا مرتفعا لحرية التعبير.. فرجاءً أتركوا لعباد الله هامشَ حريتهم في الكرة، ولا تحولوها هي الأخرى إلى “فاشية” مقنعة يسود فيها الرأي الواحد، ويخوَّن فيها من رفع صوته معترضا على تفاصيل لعبةٍ لن تغير من واقع حياته شيئا.