story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الانتخابات في خطاب العرش: تأطير ملكي بأفق اجتماعي

ص ص

جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش محافظًا من حيث هندسته أو بنائه العام على ما يُمكن اعتباره تقليدًا خطابيا راسخًا في بنية خطب العرش، يتمثل أساسًا في استحضار المنجزات الوطنية وتقديم تقييم عام للتحديات المرحلية، وهو تقليد تمتد جذوره إلى عهد الملك الراحل الحسن الثاني. غير أن ما يميز خطب العرش في عهد الملك محمد السادس هو الطابع الاجتماعي المتواصل، والذي أصبح يشكل محورًا قارا ضمن خريطة أولويات الدولة، ويُوظَّف كمدخل لإعادة رسم العلاقة بين الدولة والمواطن.

وانطلاقًا من هذه البنية، يمكن تحليل الخطاب الأخير على ضوء أربعة محاور متكاملة: اجتماعي، اقتصادي، دبلوماسي (يهم الجوار المغاربي، وخاصة العلاقة مع الجزائر)، ثم المحور السياسي المرتبط بالاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026. ورغم أن هذا الأخيرة لم يحتل سوى حيز محدود ضمن الخطاب، فإنها تكتسي أهمية سياسية، ليس فقط من حيث توقيتها ومضمونها، وإنما أيضًا بالنظر إلى السياق الوطني والإقليمي الذي أحاط بها، ودور المؤسسة الملكية في توجيه المسار الديمقراطي بالمملكة.

فالحديث عن إجراء الانتخابات “في موعدها الدستوري والقانوني العادي” ليس مجرد إشارة إجرائية، بل هو تعبير عن إرادة سياسية عليا لضمان انتظام الحياة المؤسساتية واحترام قواعد التداول، بعيدًا عن منطق الظرفية أو الضغوط السياسية والاجتماعية. وتزداد هذه الإشارة دلالة عندما تُقرأ في سياق إقليمي يتسم بالاضطراب، وبانهيار الثقة في الانتخابات في عدد من الدول المغاربية والإفريقية، حيث تُختزل الديمقراطية في واجهات شكلية، فاقدة للمضمون التعددي الحقيقي. وبهذا المعنى، يقدّم المغرب نفسه كاستثناء نسبي، يزاوج بين الاستقرار والانفتاح المُؤطر، وهو ما يمنح للمؤسسة الملكية هامشًا أوسع لتثبيت قواعد اللعبة السياسية.

أما البُعد الأعمق في هذا التوجيه الملكي، فيتجلى في تكليف وزير الداخلية بفتح مشاورات مع مختلف الفاعلين، وهي إشارة تؤكد أن العملية الانتخابية ليست شأنا تقنيًا أو حزبيًا فحسب، بل قضية دولة بامتياز، تتطلب تعبئة مؤسساتية ومجتمعية. كما أن التنصيص على ضرورة اعتماد المنظومة القانونية المؤطرة للانتخابات قبل نهاية السنة الجارية يحمل في طياته نقدًا ضمنيًا للممارسات السابقة التي كانت تتسم بالتأخر والارتباك، ما يُضعف من شروط التنافس السياسي ويفتح الباب أمام التشكيك في نزاهة المسار برمته.

يتضح إذن، أن الخطاب لا يطرح الانتخابات بوصفها محطة تقنية، بل يدمجها ضمن رؤية أوسع لإعادة تأسيس العلاقة بين المواطن والمؤسسات، وتجديد النخب، ومعالجة مظاهر التآكل السياسي، من عزوف وفقدان ثقة، وهي مظاهر تعكس عمق الأزمة التمثيلية في المشهد الحزبي المغربي.

ومن هذا المنظور، تبرز المؤسسة الملكية كفاعل موجّه، وضامن لتوازن السلط، وحَكَمٍ يحرص على عقلنة المسار السياسي وضمان حد أدنى من المصداقية والفاعلية الديمقراطية.

في المحصلة، يندرج الخطاب الملكي ضمن منطق استراتيجي أوسع، يربط بين الانتظام الانتخابي والاستقرار السياسي، بين إصلاح المنظومة السياسية وتثبيت الدولة الاجتماعية، بين ضرورة التجديد وضبط وتيرة التحول، وهي معادلة لا يمكن تحقيقها إلا في ظل حضور فاعل سياسي مركزي يُحسن إدارة الانتقال في ظل شروط محلية وإقليمية معقدة. في الاخير لابد من الإشارة انه اجزاء الخطاب الملكي للعرش غير منفصلة بل متكاملة، حيث الانتخابي مرتبط بما هو اجتماعي.