story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

الأندية التي لا تتطور.. تموت!

ص ص

حضرتُ ندوةً حول تاريخ التدبير الرياضي لأندية كرة القدم الأوروبية، من تنظيم جامعة كطالونيا، ومساهمة باحثين ومهتمين من مختلف بلدان القارة العجوز، حيث تركز فيها النقاش حول بدايات الإحتراف في أوروبا، وتطور أساليب التسيير الرياضي، ودخول رساميل القطاع الخاص للإستثمار في اللعبة، وظهور التخصصات الإدارية والمالية والتقنية التي أسهمت كثيرا في تجويد المنتوج الكروي للعديد من الأندية والبطولات.

من ضمن النقاط التي لاقت نقاشا مستفيضا، وتحدثَ عنها أغلب الحاضرين بكثير من الحسرة والنوستالجيا، هي ظاهرة “انقراض” أندية تاريخية أو اختفائها من أقسام الصفوة، بعدما كانت في السبعينات والثمانينات والتسعينات قوة ضاربة بنجومها وجماهيرها العريضة وإمكانياتها المالية، وأيضا بسيطرتها على الألقاب محليا وقاريا، واستعرض المتدخلون أسباب هذا التراجع الذي أدخلها طي النسيان، والعوامل التي رمت بها إلى أقسام الهواة حتى لم يعد يتذكرها أحد.

حضرت أسماء أندية ديبورتيفو لاكورونيا من إسبانيا، وسطاد ريمس من فرنسا، وكولون من ألمانيا، وبارما من إيطاليا، والنجم الأحمر لبلغراد من يوغوسلافيا السابقة، وكيف كان لاعبو هذه الأندية يشكلون نسبة كبيرة من تشكيلة منتخباتهم الوطنية، وكانت جماهيرها تتنقل بالآلاف إلى مختلف ملاعب الخصوم، لدعم فريقها والعودة بالإنتصارات.

حصل شبه إجماع على أن من أكبر أسباب “انقراض” هذه الأندية، هو عجزها عن التكيف مع مستجدات النظام الإحترافي لكرة القدم، وعدم قدرة مسيريها على تبني نماذج التسيير المالي والتقني المستجدة داخل بلدانها، واعتقاد مالكيها وجماهيرها أن المشروعية التاريخية وحدها تكفيهم لضمان البقاء ضمن خريطة الأندية القوية والوازنة، وأن مجرد ترديد شعار “نحن الأقدم” سيجعلهم مهابي الجانب لدى خصومهم ومنافسيهم، فاستفاقوا بعد ذلك على أزمات مالية طاحنة، و”تبدلت عليهم الكرة”، فتخلى عنهم الجميع لصالح أندية جديدة مهيكلة وذات أساس اقتصادي قوي يستثمر جيدا أموال الإشهار وعائدات النقل التلفزيوني وحصص المساهمين، فتحولت أندية كبيرة برصيدها الرمزي خلال بضع سنوات إلى مجرد ذكريات جميلة تملأ كتب التاريخ.

السياق الذي اختفت فيه بعض هذه الأندية الأوربية البائدة، وتراجع أخرى إلى الأقسام المتدنية، والأسباب التي أدت بها إلى هذا المصير، بعدما صالت وجالت في بلدانها وفي المسابقات القارية لعقود طويلة، أراه يشبه كثيرا ما يحصل حاليا للكثير من أنديتنا المغربية التاريخية العاجزة عن الإنتقال إلى نموذج احترافي مهيكل وسليم، والغارقة في دوامة الفساد والإرتجال وقرارات الهواية، وترديد جماهيرها ومنخرطيها لأسطوانة التاريخ والأقدمية والرمزية والإنتشار، والإعتقاد أن ذلك فقط هو المحدد للبقاء في صدارة الخريطة الكروية.

ما تعيشه الأندية الوطنية التاريخية في الفترة الأخيرة من عدم القدرة على التخلص من الهواية والعجز عن الإنتقال إلى مفهوم الشركة الرياضية، والإستغناء عن تدبير “الشكارة” و”الصينية”، واللحاق بقطار التطور الكروي السريع الذي تعرفه أندية العالم، التي تستمد استمرارية وجودها من الحكامة والشفافية والتخطيط المعقلن، كل ذلك يعني بوادر “انقراض” تدريجي قد يحصل لهذه الأندية مع مرور المواسم لصالح أندية جديدة صاعدة تشتغل بكل جدية على المستقبل.. الإنقراض الذي لا يتمناه لها أي أحد عاش تاريخها المجيد وشاهد حضورها المتألق في غابر الأزمان.

معطيات التاريخ الكروي الأوروبي تنتهي بخلاصة أكيدة. وهي أن الأندية التي لا تتكيف مع النماذج الحديثة للتدبير الرياضي.. تموت.

فاعتبِروا يا أولي الماضي والكؤوس والألقاب!