الأمم المتحدة تتهم إيران بتسريع تخصيب اليورانيوم وأمريكا تقدم مقترحا بشأن الاتفاق النووي

أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الولايات المتحدة الأمريكية قدّمت أول اقتراح رسمي لها إلى طهران بشأن عناصر اتفاق نووي يوم السبت 31 ماي 2025، وذلك بعد ساعات فقط من إعلان مفتشي الأمم المتحدة “عن زيادة كبيرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية في حجم مخزون طهران من اليورانيوم شبه الجاهز لصنع قنبلة نووية”.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن مسؤولين مطلعين على التبادلات الدبلوماسية بين أمريكا وإيران وصفوا هذا الاقتراح بأنه عبارة عن سلسلة من النقاط الأساسية، “وليس مسودة كاملة لاتفاق”.
ودعت الوثيقة الأمريكية إيران إلى وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، مقترحة بدلا من ذلك إنشاء “اتحاد” إقليمي لإنتاج الطاقة النووية يضم إيران والسعودية ودولاً عربية أخرى تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة.
وأشار المصدر إلى أن هذا العرض يعتبر الأول من نوعه، منذ بدء المفاوضات بين إيران وأمريكا في أوائل أبريل الماضي، يقدّم فيه المفاوض الأميركي الرئيسي، ستيف ويتكوف، اقتراحًا مكتوبًا.
وقد تم الكشف عن تسليم الوثيقة في تغريدة لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قال فيها إن الاقتراح نُقل إليه من قبل نظيره من سلطنة عمان، التي تتوسط في المحادثات. وأكّد البيت الأبيض لاحقًا تسليم الوثيقة.
وقالت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، في بيان: “لقد أوضح الرئيس ترامب أن إيران لا يمكنها مطلقًا امتلاك قنبلة نووية. وقد أرسل المبعوث الخاص ويتكوف اقتراحًا مفصلًا ومقبولًا إلى النظام الإيراني، ومن مصلحتهم قبوله. ومن باب احترام العملية الجارية، لن تُعلّق الإدارة على تفاصيل الاقتراح لوسائل الإعلام.”
ويشكك العديد من الخبراء في أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، سيوافق على اتفاق يُغلق فعليًا منشآت الإنتاج النووي المتقدمة التي أنفقت إيران مليارات الدولارات لبنائها، وكانت هدفًا لعمليات تخريب من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال عراقجي إن إيران “سترد على الاقتراح الأميركي بما يتماشى مع المبادئ والمصالح الوطنية وحقوق الشعب الإيراني.”
وفي الأسابيع الأخيرة، رفض المسؤولون الإيرانيون علنًا مطالب الولايات المتحدة بوقف التخصيب النووي نهائيًا، مؤكدين أنهم لن يتخلوا أبدًا عن حقهم في إنتاج الوقود النووي للأغراض المدنية. وتمنح هذه القدرة إيران “وضع الدولة العتبة نوويًا”، أي دولة يمكنها تصنيع سلاح نووي بسرعة إذا قررت ذلك.
وقد شكّل الكشف عن ارتفاع إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪، أي أقل بقليل من نسبة التخصيب المطلوبة لصنع قنبلة، “دليلاً واضحًا على سعيها لزيادة نفوذها في المفاوضات”، تقول “نيويورك تايمز”. وتمنح هذه الزيادة طهران القدرة على إنتاج وقود يكفي لنحو 10 أسلحة نووية.
وتُصوّر تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي حصلت عليها صحيفة “نيويورك تايمز”، نظامًا إيرانيًا قرر المضي قدمًا في الإنتاج على الأرجح لاكتساب نفوذ في المفاوضات مع ستيف ويتكوف، الذي يشغل منصب مبعوث الإدارة الأميركية للشرق الأوسط.
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل م. غروسي، إن تقرير زيادة إنتاج إيران يشير إلى “أننا بحاجة إلى التوصل إلى حل دبلوماسي، في ظل نظام تفتيش قوي جدًا من الوكالة.” وفي السنوات الأخيرة، عطلت إيران العديد من كاميرات وأجهزة الاستشعار التابعة للوكالة في المواقع الرئيسية، لكنها سمحت للمفتشين بالدخول وقياس مخزونها المتزايد من اليورانيوم المخصب.
وفي التقييم الفصلي للوكالة بشأن إنتاج إيران النووي ومخزوناتها، كتب غروسي أن “الزيادة الكبيرة في إنتاج وتراكم اليورانيوم عالي التخصيب من قبل إيران، وهي الدولة غير النووية الوحيدة التي تنتج مثل هذا النوع من المواد النووية، أمر يثير قلقًا بالغًا.”
وخلص التقرير إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ وصل الآن إلى حوالي 900 رطل، بعدما كان في حدود 605 أرطال في فبراير الماضي. ورغم أن إيران يمكنها بسرعة رفع هذا الوقود إلى مستوى صنع قنبلة، إلا أن تصنيع سلاح عملي قد يستغرق عدة أشهر، وربما يصل إلى عام. وقد خلصت أجهزة الاستخبارات الأميركية في وقت سابق من هذا العام إلى أن فريقًا سريًا من العلماء الإيرانيين يعمل على طريقة أسرع وأبسط لصنع أسلحة، إذا لزم الأمر.
ويأتي تصاعد الإنتاج الإيراني في وقت يحث فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الرئيس ترامب على الانضمام إلى إسرائيل في شن ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية. وقد جادل نتنياهو بأن منشآت إنتاج الوقود الرئيسية في إيران، الواقعة في مدينتي نطنز وفوردو، أصبحت أكثر ضعفًا من أي وقت مضى، بعد أن ضربت القوات الإسرائيلية الدفاعات الجوية الإيرانية في أكتوبر الماضي.
وكانت صحيفة “التايمز” قد أفادت في أبريل الماضي أن إسرائيل كانت تخطط لضرب المواقع النووية الإيرانية في ماي الجاري، لكنها توقفت بعد أن طلب منها ترامب ذلك.
وأكد الرئيس ترامب تلك القصة في وقت سابق من هذا الأسبوع، قائلًا إنه أخبر إسرائيل بأنه سيكون من “غير المناسب” قصف المنشآت عندما اعتقد أنه كان قريبًا من التوصل إلى اتفاق. لكنه أكد أيضًا أن أي اتفاق دبلوماسي يتوصل إليه ستيف ويتكوف سيمكن الولايات المتحدة من تفكيك منشآت إيران النووية — وهو أمر تقول إيران إنها لن تسمح به أبدًا.
وقال ترامب للصحافيين: “أريده اتفاقًا قويًا جدًا بحيث يمكننا الدخول مع المفتشين، ويمكننا أخذ ما نريد، ويمكننا تفجير ما نريد، لكن دون أن يُقتل أحد. يمكننا تفجير مختبر، ولكن لن يكون هناك أحد داخل المختبر.”
ومع بدء تداول تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية صباح السبت 31 ماي 2025، أصدر نتنياهو بيانًا قال فيه إن هذه التقارير ترسم “صورة خطيرة” وإن على الدول حول العالم أن “تتحرك الآن لوقف إيران.” لكنه لم يصدر أي تهديدات عسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل ليست من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ويُعتقد على نطاق واسع أنها تمتلك ترسانة نووية تضم نحو 100 سلاح نووي.
أما التقرير الثاني الصادر عن الوكالة فقد وصف استمرار الجهود الإيرانية في عرقلة مفتشي الوكالة الذين سعوا، لأكثر من تسع سنوات، إلى الوصول إلى مواقع عسكرية تعتقد الوكالة أن البلاد أجرت فيها تجارب نووية منذ أكثر من عقدين.
ويشتبه الخبراء في أن تلك التجارب كانت جزءًا من برنامج سري في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لتطوير سلاح نووي. وكانت الاستخبارات الأميركية قد خلصت، خلال إدارة الرئيس جورج بوش، إلى أن البرنامج أُوقف عام 2003.
بينما تصر إسرائيل على أن عناصر من البرنامج استمرت، بقيادة كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده، والذي اغتالته إسرائيل أواخر عام 2020 أثناء توجهه إلى منزله الريفي، في هجوم مدعوم بالذكاء الاصطناعي وجهاز روبوتي.
وقد نفت إيران باستمرار أن تكون تلك المواقع جزءًا من برنامج نووي، وصرّحت اليوم السبت أن التقرير تضمن “مزاعم لا أساس لها ولا يمكن إثباتها.”
ويصف التقرير، بلغة تقنية جافة، كيف قدّم المسؤولون الإيرانيون تقارير استخباراتية وأخبارًا قالوا إنها تُثبت أن مواد نووية زُرعت عمدًا في تلك المواقع. وقد رفض المفتشون هذا التفسير الإيراني، مشيرين إلى “غياب أجوبة فنية ذات مصداقية.”
ولم يُعرف بعد ما إذا كان المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، كجزء من أي اتفاق نهائي، سيُصر على أن تكشف إيران عن نشاطها النووي السابق.
ومن جهته، قال مراسل موقع “أكسيوس” الأمريكي، باراك رافيد إن “المقترح الأمريكي المكتوب والمحدث كان نتيجة الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة التي عُقدت في روما قبل أسبوع”.
وأضاف رافيد، في منشور على حسابه الشخصي بموقع “إكس”، أن الإيرانيين طلبوا الحصول على الموقف الأميركي بشكل مكتوب، “بعد أن قدّم ستيف ويتكوف اقتراحًا شفهيًا خلال الجولة الرابعة من المحادثات قبل ثلاثة أسابيع، وقام بتوسيعه وشرحه خلال الجولة الخامسة”.
وأوضح أن وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي “قام بتسليم مقترح ويتكوف إلى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال زيارة إلى طهران يوم السبت 31 ماي 2025.