الأحرار في مواجهة “الدولة العميقة”؟.. خلفيات التوتر بين أخنوش ووزارة الداخلية
تكشف مادة تحليلية نشرتها مجلة “لسان المغرب” في عددها الأخير، من توقيع الأستاذ إسماعيل حمودي، عن ملامح صراع سياسي صامت بين حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة، ووزارة الداخلية ممثلة في الولاة والعمال، في سياق يتّسم بارتفاع المتابعات القضائية ضد منتخبين ورؤساء جماعات، أغلبهم من الأغلبية الحكومية.

كانت الانطلاقة من تصريحات غير مألوفة لمحمد أوجار، القيادي في حزب الأحرار ووزير العدل السابق، خلال ندوة بكلية الحقوق السويسي بالرباط. أوجار تحدث عن «الدولة العميقة» و«بيروقراطية ثقيلة» تتحكم في الكتّاب العامين والمدراء، واتهم الولاة والعمال بالتحكم الفعلي في مجالس الجماعات والجهات، متسائلا: “من يحاسب الولاة والعمال وكبار مديري المؤسسات العمومية؟”، مع تأكيده دعم محاربة الفساد شرط أن تتم “بأدوات القانون وفي إطار دولة القانون”.
تعتبر الورقة التحليلية أن هذه التصريحات تعكس انزعاج قيادة الأحرار من حجم المتابعات القضائية في حق برلمانيين ورؤساء جماعات من الحزب وحلفائه، وتقرأها كحلقة جديدة في مسار قديم: كلما صعد حزب إلى رئاسة الحكومة (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، العدالة والتنمية، واليوم الأحرار)، يجد نفسه وجهاً لوجه مع وزارة الداخلية التي تحتفظ بمفاتيح القرار الترابي والانتخابي.
في خلفية هذا التوتر، تعود الورقة إلى مسار عزيز أخنوش نفسه: رجل أعمال كبير جرى تمكينه، منذ منتصف الألفية، من حقيبة الفلاحة والصيد البحري، قبل أن يصبح رئيساً للحكومة سنة 2021، جامعاً بين ثلاثة مواقع حساسة: الثروة، ورئاسة حزب سياسي إداري، وقيادة السلطة التنفيذية.
وتعتبر المادة التحليلية أن هذا الجمع «كسَر» قاعدة غير مكتوبة في النظام السياسي المغربي تقوم على الفصل بين الحقول (الاقتصاد، السياسة، النقابة، الدعوة…).
تستعرض الورقة أيضاً أثر ملف المحروقات على موقع أخنوش، إذ أدى تحرير الأسعار وتراكم أرباح كبيرة لشركات التوزيع، ضمنها شركته، إلى رسم صورة «رجل أعمال مفترس» تستعمل اليوم سياسياً ضد رئيس الحكومة، سواء من طرف المعارضة أو من داخل الدولة نفسها، عبر تقارير مؤسسات الحكامة وعلى رأسها مجلس المنافسة.
على مستوى الحزب، توثق الورقة لتحول التجمع الوطني للأحرار من حزب أعيان محليين مرتبطين عملياً بوزارة الداخلية، إلى حزب يرتكز على شبكة من رجال المال والأعمال، وفاعلين إعلاميين، وشركات اتصال وحملات رقمية؛ وهي شبكات تدين بالولاء بالدرجة الأولى لشخص أخنوش.
تقول الورقة إن هذا التحول يقلص من قدرة الداخلية على التحكم في الحزب «من تحت» عبر الأعيان، ويجعلها في مواجهة قيادة مركزية تسعى للتحكم «من فوق» في الماكينة الانتخابية.
في هذا السياق، تضع الورقة الجدل الدائر حول القوانين الانتخابية الجديدة: من تشديد العقوبات على استعمال المحتويات الرقمية المضللة في الحملات، إلى مقترح منع المترشحين المتابعين قضائياً من خوض الانتخابات قبل صدور أحكام نهائية. وترى الورقة أن هذه المقتضيات تُقلق حزب الأحرار أكثر من غيره، لأنها تستهدف في آن واحد جزءاً من آلته التواصلية الرقمية، وشريحة من أعيانه المحليين المعنيين بالمتابعات.
خلاصة الورقة أن ما يجري ليس مجرّد حملة على الفساد ولا تنافس انتخابي طبيعي، بل إعادة ضبط لموازين القوة داخل المنظومة نفسها: دولة لا تطمئن لترك مفاتيح المال والحزب والحكومة في يد رجل واحد، وحزب يعيد تشكيل نفسه حول كتلة مالية وإعلامية صلبة تحاول تقليص هامش تحكم وزارة الداخلية في الحقل الحزبي.
النص الكامل لهذا الملف، بتفاصيله ومعطياته وأسماء الملفات المثيرة للجدل، منشور في العدد الحالي من مجلة “لسان المغرب”.