اعليا: صناعة السفن بالمغرب رافعة لدعم الاقتصاد الوطني واستقطاب السفن التجارية

يقف المغرب اليوم أمام تحول استراتيجي في مساره الاقتصادي والبحري، مع انطلاق ورش ضخم لإعادة هيكلة وتطوير قطاع بناء وإصلاح السفن بميناء الدار البيضاء، حيث يُنظر إلى هذا المشروع، الذي دشنه الملك محمد السادس الأسبوع الماضي، باعتباره خطوة نوعية تعكس إرادة المملكة في تعزيز حضورها الصناعي واللوجستي على المستوى العالمي، مستفيدة من موقعها الجغرافي الاستثنائي المطل على واجهتين بحريتين.
وتبرز أهمية هذه الدينامية في ضوء ما كشف عنه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من معطيات مقلقة حول الكلفة الباهظة التي تكبدها المغرب نتيجة ارتهانه للخارج في اقتناء وإصلاح سفنه. إذ أكد أن المملكة أنفقت خلال العقدين الماضيين أكثر من 14 مليار درهم على واردات السفن دون احتساب العسكرية منها، ما عمّق عجز الميزان التجاري الخارجي للخدمات البحرية، وقلّص من قدرته التنافسية في هذا المجال الحيوي.
وفي السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي ياسين اعليا أن إنشاء قطب صناعي جديد يضم ورشا لإصلاح السفن وصناعتها يعد تحولا بارزا في المشهد الاقتصادي الوطني، مبرزا أن “ذلك يمثل، توجها استراتيجيا من شأنه أن يعزز قدرات المغرب الإنتاجية في المجال الصناعي والبحري”.
وأوضح اعليا في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن دخول المغرب مجال صناعة وإصلاح السفن سيساهم بشكل مباشر في دعم قطاع الصيد البحري، واستقطاب المزيد من السفن التجارية، بفضل توفر البنية التحتية الملائمة، مما سيمكن من خلق فرص شغل مستدامة وتعزيز مكانة الموانئ المغربية في السلاسل اللوجستية العالمية.
وفي هذا الصدد، أشرف الملك محمد السادس، يوم الخميس 18 شتنبر 2025 بالدار البيضاء، على تدشين وزيارة عدد من المشاريع الكبرى المندرجة في إطار إعادة هيكلة وتطوير المركب المينائي للدار البيضاء.
وتهم هذه المنجزات مجتمعة، التي رصدت لها استثمارات بقيمة 5 مليارات درهم، مجموعة من المرافق من بينها بناء ورش جديد لإصلاح السفن، وتطوير محطة خاصة بالرحلات البحرية.
وفي غضون ذلك، أشار المتحدث إلى أن الموقع الجغرافي للمغرب، كحلقة وصل بين أوروبا وأمريكا والقارة الآسيوية عبر المحيط الأطلسي، يمنحه أفضلية تنافسية في استقطاب السفن المتجهة أو القادمة عبر هذه المناطق، مضيفا أن هذا التوجه سيؤدي إلى رفع مستويات الاستقطاب ويقوي مكانة الاقتصاد الأزرق المرتبط بصناعة السفن وإصلاحها، فضلا عن تنمية إيرادات الموانئ الوطنية.
وشدد الخبير الاقتصادي على أن اقتصاد الموانئ يعد رافعة أساسية في الاقتصاد العالمي، مبرزا أن المغرب يسعى جاهدا لإيجاد موطئ قدم في هذا المجال، بعد الجهود الكبيرة التي بذلها خلال السنوات الأخيرة لتعزيز بنيته المينائية وتحسينها، في أفق تنويع الأنشطة ومصادر الدخل بالنسبة للاقتصاد الوطني.
ويروم الورش الجديد لإصلاح السفن بميناء الدار البيضاء، إعادة هيكلة وتطوير قطاع بناء وإصلاح السفن بالمغرب، وجذب المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، والاستجابة للطلب الوطني إلى جانب جزء من الطلب الخارجي، وتعزيز مكانة المغرب في السوق العالمية.
وشمل هذا المشروع، الذي رصدت له استثمارات بقيمة 2,5 مليار درهم، إنجاز حوض جاف بطول 240 مترا، وعرض 40 مترا، وعمق 8,10 مترا لإصلاح السفن التي يصل طولها إلى 220 مترا وعرض 32 مترا، وتهيئة منصة لرفع السفن بأبعاد 150 متر× 28 متر وحمولة 9700 طن، إلى جانب حوض بطول 60 مترا وعرض 13 مترا وعمق 8,7 مترا مزود برافعة للسفن ذات أحزمة حمولتها 450 طنا.
ومن هنا، يشكل الورش الجديد لإصلاح وصناعة السفن بالدار البيضاء، الذي همّ أيضا تهيئة 21 هكتارا من الأراضي المسطحة المردومة على البحر وأرصفة للإصلاح بطول 660 متر، (يشكل) رافعة أساسية لتقليص هذا الارتهان، ودعامة لبناء صناعة وطنية قادرة على تلبية الطلب المحلي وجزء من الطلب الخارجي، وخلق فرص شغل مستدامة، وتعزيز مكانة المغرب في سلاسل القيمة العالمية المرتبطة بالاقتصاد الأزرق.