احتجاجات ساكنة آيت بوكماز تعيد فتح ملف صندوق التنمية القروية

أعادت المسيرة الاحتجاجية الأخيرة التي نظمتها ساكنة آيت بوكماز، بسبب الإقصاء والتهميش، إلى واجهة النقاش العمومي قضية تنمية المناطق القروية والجبلية، ومدى نجاعة السياسات العمومية والصناديق المرصودة لهذه الغاية، وعلى رأسها صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، الذي أُحدث منذ سنوات بميزانية تقدر بنحو 50 مليار درهم، “دون أن يكون لهذه السياسات الحكومية أثرًا حقيقيًا على أوضاع ساكنة العالم القروي”، حسب عدد من الفاعلين السياسيين.
وفي هذا الصدد، اعتبرت النائبة البرلمانية عن فدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، أن صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية “لم يُحقق النتائج المرجوة، وظل أثره ضعيفًا أو منعدمًا، رغم ما رافقه من دعاية رسمية ومبالغ مالية ضخمة”، مؤكدة أن استمرار مؤشرات الفقر والهشاشة، وغياب أبسط الخدمات الأساسية في العالم القروي، “يُعدّ دليلًا على فشل المقاربة التنموية الحالية، وغياب رؤية واضحة تضمن العدالة المجالية والكرامة الاجتماعية”.
وأشارت التامني في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إلى أن مؤشرات الفقر والهشاشة ما زالت مرتفعة في الوسط القروي، في حين تظل المدارس والخدمات الأساسية غائبة، “ما يُبرهن على فشل المقاربة التنموية المعتمدة إلى اليوم”.
وشددت المسؤولة البرلمانية على أن هذا الوضع يعكس حاجة ملحّة إلى حكامة جيدة وشفافية حقيقية، لا سيما في ظل غياب تقارير دورية تُقيِّم وتُتابع وتُوفّر معطيات واضحة وشفافة حول واقع هذه المناطق ومدى استفادة سكانها من الصناديق الموضوعة.
وأكدت المتحدثة أنه “من الضروري إعادة توجيه صندوق التنمية القروية نحو مشاريع حقيقية ترتبط بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية مثل التعليم، والصحة، والماء، والطرق”، مع تعزيز مشاركة الساكنة المحلية في تحديد الأولويات، باعتبارهم الأدرى بحاجياتهم وظروفهم.
وفي هذا السياق، دعت فاطمة التامني إلى محاسبة الفاعلين، الذين يتولون تدبير هذه المشاريع، مبرزة أنه “من غير المعقول أن تمر سنوات على إطلاق هذه الصناديق دون أن تظهر نتائج حقيقية. فكثيرًا ما تُوظّف هذه المشاريع انتخابيًا أو تُصرف في مشاريع لا يُعرف مصيرها”.
وأضافت أنه “عند الحديث عن العدالة المجالية، لا بد من استحضار البعد البيئي والاجتماعي، فالمشاريع لا يجب أن تقتصر على البنية التحتية فقط، بل عليها أن تراعي البيئة وحاجيات السكان، في إطار تنمية مستدامة وعادلة”.
وتابعت التامني أن “ما يُحزّ في النفس أننا، في كل مرة، نعيد نفس النقاش ونقف على نفس الوضع ونكشف نفس الاختلالات، وهو ما يُؤكد أننا نعيش أزمة حقيقية على مستوى الممارسة السياسية، سواء محليًا أو وطنيًا”، مشددة على ضرورة تفعيل آليات المحاسبة والمساءلة، وإعادة الاعتبار لكرامة المواطن المغربي في العالم القروي والمهمش.
تساؤلات جوهرية
وانتقدت التامني استمرار “غياب آثار ملموسة لصندوق التنمية القروية”، الذي كان من المفترض أن يُقلّص الفوارق المجالية والاجتماعية، ويُحقق العدالة الترابية، خصوصًا في المناطق القروية والجبلية.
وتساءلت هل تم تحسين البنية التحتية؟، وهل تم إصلاح الطرق وتوفير الكهرباء والماء؟، وهل تحسنت خدمات التعليم والصحة؟، وهل تم تقليص الفوارق المجالية؟، وهل تحققت دينامية اقتصادية محلية؟، وهل ظهرت مشاريع فلاحية صغيرة ومتوسطة لدعم التنمية الفلاحية؟
وأكدت أن كل هذه الأسئلة “مشروعة”، لأنها تُجسد إشكالات حقيقية، أبرزها، ضعف واضح في الاستهداف؛ وغياب العدالة المجالية؛ وتحكم مركزي وغياب المقاربة التشاركية؛ وتهميش الجماعات الترابية والمجتمع المدني المحلي؛ وانتشار الفساد والزبونية في تدبير الصفقات وتمويل المشاريع.
وأوضحت التامني أن احتجاجات ساكنة آيت بو كماز تمثل “صرخة جديدة تعرّي واقع الإقصاء والتهميش و”الحُݣرة” الذي تعيشه العديد من المناطق القروية والجبلية في المغرب”.
وأشارت النائبة البرلمانية إلى أن مطالب الساكنة بسيطة جدًا، ولا تتعدى الحق في مدرسة، مستشفى، وشبكة للهاتف، “لكنها مطالب ما زالت غير متوفرة”، وهو ما يعكس غياب الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم.
وخلصت إلى أن هذه الاحتجاجات تكشف مرة أخرى واقعًا مظلمًا في هذه المناطق، “التي تبدو وكأنها خارج رادار السياسات الحكومية”، داعية إلى وقفة حقيقية تُعيد الاعتبار للعدالة الترابية والتنمية المتوازنة.
خلافات سياسية
وشكل صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية خلافات سياسية كبيرة، في عدد من المناسبات، أبرزها سنة بين وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات حينها عزيز أخنوش ووزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد من جهة، ورئيس الحكومة آنذاك عبد الإله ابن كيران من جهة أخرى بخصوص صلاحية الآمر بالصرف الخاصة بالصندوق المذكور، بعدما أسند أخنوش صلاحية الأمر بالصرف الخاصة بالصندوق لنفسه.
وتجدد الخلاف حول صندوق تنيمة العالم القروي في الحكومة الحالية بين الحليفين حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة، إذ كان هذا الأخير يسعى لجعل الإشراف على صندوق تنمية العالم القروي يتم بين وزارة الفلاحة ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان التي تقودها الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري منسقة القيادة الثلاثية لحزب الجرار، بينما أصر حزب “الحمامة” على أن يظل الصندوق تحت تصرف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
وفي نفس الإطار، كان مقترح ثالث لتجاوز الخلاف في تفويض مهمة الإشراف على موارد الصندوق لوزارة الداخلية من خلال عمال الأقاليم، باعتبار تدخلهم يهم العالم القروي، ووجود قسم للشؤون القروية؛ وذلك لإبعاده عن المزايدات السياسية وضمان النجاعة في التدبير.
هذا “الصراع” السياسوي حول صلاحية الآمر بالصرف الخاصة بالصندوق يبقى في نظر العديد من المتتبعين للشأن السياسي في المغرب، “دليلا على استغلال هذا الصندوق لحسابات سياسية وانتخابية بالدرجة الأولى”.