story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
المؤسسة الملكية |

أولى رحلات محمد السادس إلى فرنسا

ص ص

يحكي فتح الله ولعلو، وزير الاقتصاد والمالية السابق، في حكومتي عبد الرحمان اليوسفي وإدريس جطو، تفاصيل أول زيارة رسمية قام بها الملك محمد السادس إلى فرنسا، وذلك ضمن كتاب مذكراته “زمن مغربي.. مذكرات وقراءات:

“في أول رحلة ملكية له إلى فرنسا، كانت كل التفاصيل الصغيرة منتبi إليها. فقد بعثوا لاستقباله بالمطار وزيرة العدل الفرنسية السيدة غيغو لأنها من مواليد مدينة مراكش أي أنها قريبة من المغرب نوعا ما، مثلما أن الوزير الأول الإشتراكي ليونيل جوسبان قد حرص على أن يُبرز لجلالته أن فرنسا ملتزمة بدعم ومصاحبة كل مشروعه الإصلاحي بالمغرب وفى المنطقة، مثلما أن مرحلة الرئيس الفرنسي جاك شيراك كانت مرحلة تعايش بين رئيس من اليمين وحكومة من اليسار بفرنسا.

قد لعب دوره الطبيعي في دعم جلالته بسبب علاقاته القوية الدائمة مع والده الراحل ومع العائلة الملكية بالمغرب
انتهت بالتالى خلال تلك الزيارة إلى نوع من التواطؤ الإيجابي بين شيراك ووزير المالية فى حكومة جوسبان، ستراوس كان، لما فيه مصلحة المغرب وحكومة التناوب. من هنا طرح ملف تدبير الديون وإلغاء بعضها وتحويل جزء آخر إلى استثمارات.

أذكر أنه في عشاء قصر الإليزي، كان الرئيس شيراك جد متأثر باستقبال ملك المغرب الجديد، وكان لا يخفي تأثره ذاك. بينما كان الوزير الأول جوسبان، المعروف بعدم ميله كثيرا تجاه المغرب في مقابل انفتاحه وميله تجاه الجزائر، جالسا جوار الملك على يساره، وكنت جالسا ضمن المائدة حيث إن الصدفة البرتوكولية جعلتني أجلس جوار سيغولين روايال وهي وزيرة منتدبة حينها في الحكومة الفرنسية مكلفة بالعائلة والطفولة.

انتبهت كيف حرص جوسبان على أن يُبرز علنا أمام الجميع على تلك المائدة تعاطفه مع المغرب ومع شخص الملك، وكان هذا تحولا في تعامل جوسبان مع بلادنا. بينما همست لي السيدة روايال في إحدى اللحظات وهي تتأمل بمحبة خاصة الملك محمد السادس قائلة:
“إن لي حدسا أن ملككم الجديد، وأنا أتأمل شخصيته وطريقة تصرفاته، أنه سيكون مهتما كثيرا بحقوق المرأة”. كان ذلك شهورا قبل صدور مدونة الأسرة بالمغرب، فأجبتها أن ذلك ما نتمناه كعائلة تقدمية في المغرب.

نظم في الغد لقاء فطور باكر مع رولان فابيوس، بصفته رئيسا للبرلمان الفرنسي، المعروف أيضا بعدم عطفه أبدا على المغرب، لكنه لقاء مر في جو مختلف عن باقي اللقاءات مع المسؤولين الفرنسيين، حيث إن فابيوس قد استقبل الملك ببرود واضح، بل إنه ما إن جلس لتناول القهوة، حتى سارع إلى طرح قضية أبراهام السرقاتى، ولم يعلق الملك على ملاحظته، بل بقى صامتا.

مباشرة بعد ذلك اللقاء، غادرت أنا متوجها إلى مقر وزارة المالية الفرنسية بحي بيرسي للقاء مبرمج مع ستراوس كان لنلتحق معا بعدها بمقر الوزارة الأولى حيث نظم جو سبان حفل غذاء على شرف الملك والوفد المغربي.

ان وزير المالية الفرنسي ستراوس الذي عاش طفولته بالمغرب بأكادير، جد مرتاح للزيارة، فكان اللقاء معه سواء رأسا لرأس أو مع مساعدينا الأقربين بعد ذلك، لقاء حميميا فعلا. ثم مع اقتراب موعد الغذاء بمقر الوزارة الأولى، قلت له إن علينا ربما المغادرة حتى نصل في الوقت إلى هناك، لكنه بقي جالسا، طالبا مني الجلوس معه، وأنه لا داعي للقلق من ذلك.

بقينا وقتا إضافيا آخر قبل أن يطلب مني مرافقته، حيث نزلنا في مصعد أسفل الوزارة، وخرجنا مباشرة عند رصيف نهر السين، وركبنا قاربا مطاطيا سريعا تابعا للجمارك الفرنسية، حيث وصلنا في وقت قياسي إلى مقر الوزارة الأولى التي توجد عمليا في الجهة الأخرى من العاصمة باريس.

بدل جوسبان مجهودا واضحا لإبراز مودته إلى جلالة الملك، ثم طلب منه بعد الغذاء أن يُرافقه إلى حديقة قصر الوزارة الأولى لشرب القهوة معه مشيا على الأقدام.

خرجا لوحدهما وبقينا نحن بعيدين بحوالي مائة متر. فهمت أن ذلك الخروج والتمشي في فناء الحديقة الواسع والممتد الهدف منه أن تلتقط القنوات التلفزية لقطات عنه، بما يخدم صورة الوزير الأول الفرنسي الذي كان يهيئ نفسه للانتخابات الرئاسية التي كانت على الأبواب وانتهت بهزيمته واستقالته من أي مسؤولية سياسية إلى اليوم.

كان من ضمن الملفات الكبرى التي طُرِحَتْ في تلك الزيارة، طلب المغرب شراء فرقاطتين بحريتين لفائدة القوات المسلحة الملكية البحرية. كنا نحرص في وزارة المالية المغربية أن تتم هذه الصفقة بتمويلات ميسرة جدا. بينما كانوا من الجانب الفرنسي يعانون من الأزمة الخانقة التي طالت معامل ميناء سائلازير المتخصصة في بناء السفن الحربية والفرقاطات، بسبب قلة الطلب العالمي. فكانت النتيجة أن تدخلت الدولة الفرنسية لمنح مساعدات للشركة الفرنسية تلك حتى تقلص من ثمن الفرقاطتين.

حين وَلَجْنَا إلى مكتب جوسبان نحن وزراء الحكومتين المعنيين بملفات الزيارة الملكية، التفت إلي وقال لي :
“بدون شك السيد ولعلو، بصفتك وزيرا للمالية في الحكومة المغربية فأنت غير مرتاح لحجم الصفقة هذه، لكن ثق أننا نحن أيضا بدلنا مجهودا وقدمنا تضحيات لمساعدة معاملنا في سائلازار. بالتالي فقد قدم كلانا تضحيات كبيرة في هذه الصفقة””.

  • هذا المقال هو جزء من ملف العدد 74 من مجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا يرجى الضغط على الرابط