أكاديميون وحقوقيون يدعون إلى حوار جاد بعد القرار الأممي حول الصحراء المغربية
جمع لقاء نظم يوم الثلاثاء الماضي بالرباط، عددا من الجامعيين والسياسيين والحقوقيين، لمناقشة رهانات قضية الصحراء في إطار مبادرة “الحكم الذاتي”، وذلك على ضوء القرار الأخير لمجلس الأمن رقم 2797، الذي أكد على مركزية المبادرة المغربية كحل سياسي جدي وذو مصداقية يحظى باعتراف متزايد من المجتمع الدولي.
اللقاء، الذي نظمته مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد وحمل عنوان “رهانات الحكم الذاتي”، شدد المشاركون خلاله على أن المرحلة الجديدة تتطلب إشراك جميع الأطراف السياسية والمجتمع المدني والشباب، والاستماع إلى جميع الآراء، “حتى تلك التي قد تبدو مخالفة أو مزعجة”.
كما أكد الضيوف أن “الحكم الذاتي يمثل فرصة لإعادة صياغة النقاش السياسي وتعزيز الديمقراطية الداخلية وبناء الثقة بين الدولة والمجتمع الصحراوي”، مشددين على أن الرهان اليوم “ليس مجرد إدارة محلية، و إنما حل سياسي شامل وعادل لقضية عمرت أكثر من خمسين سنة، يستلزم تنازلات داخلية وخارجية، ومصالحة حقيقية، وتجاوز لغة التخوين والإقصاء”.
خلال مداخلتها أكدت القيادية النسائية ورئيسة المبادرة الصحراوية للتنمية المستدامة وحقوق الإنسان كجمولة منت أبي، أن مشروع الحكم الذاتي الذي أقره مجلس الأمن يطرح مجموعة من التساؤلات الجوهرية، خاصة فيما يتعلق بملامحه ومحتواه بعد التشاور مع الأحزاب السياسية المغربية التي قدمت مقترحاتها.
وقالت منت أبي إن القرار الأخير رقم 2797 يدعو الأطراف إلى الدخول في مفاوضات مباشرة على أساس الحكم الذاتي الحقيقي، “لكن حتى الآن لم تتضح تفاصيل المقترح بشكل كامل، ما يثير الحاجة إلى نقاش وطني ودولي جدي لمعرفة محتوى هذا المشروع”.
وتابعت منت أبي أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة وتتطلب “تنازلات كبيرة من جميع الأطراف “، مشيرة إلى أن نجاح القرار 2797 يتوقف على إقناع الأطراف الأخرى بمقترح المغرب، واستدركت بالقول إن “العديد من قرارات مجلس الأمن السابقة لم تحقق أهدافها، مثل مخطط التسوية ومبادرة بيكر”.
وأشارت إلى أن الرهانات الداخلية لا تقل أهمية عن الخارجية، مؤكدة الحاجة إلى تطوير الوضع الداخلي للصحراويين على الصعيد الحقوقي والتنموي والاجتماعي، خاصة في الملفات الشائكة مثل “أكديم إيزيك”، المعتقلين، وحرية الرأي والتعبير، مشددة على أن “المصالحة يجب أن تبدأ من داخل المجتمع الصحراوي مع الدولة، وأن يسمح النقاش بكل وضوح وبدون اتهامات بالانفصالية لكل من يعبّر عن رأيه”.
ودعت منت أبي إلى فتح الأرضية للنقاش مع جميع الفاعلين في الصحراء بعد دخول المرحلة الجديدة، لضمان مشاركة حقيقية للصحراويين وترسيخ الديمقراطية الداخلية.
من جهته أكد الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بجامعة القاضي عياض والنائب البرلماني عبد الرحيم بوعيدة، أن المغرب أضحى أمام مرحلة جديدة تتطلب نقاشا واعيا ومسؤولا حول الحكم الذاتي في الصحراء، خاصة بعد الاحتفال بقرار مجلس الأمن رقم 2797.
وأشار بوعيدة إلى أن المسار الطويل الذي امتد لنحو خمسين سنة يستدعي “إغلاق القوس” مع الوقوف على الأسئلة الجوهرية حول إرادة المغرب اليوم، وكيفية التعامل مع الحكم الذاتي، مؤكدا أن “التخوين أو التمسك بالأفكار المسبقة غير مقبول”، و داعيا في نفس الوقت إلى نقاش موضوعي ومسؤول .
وأضاف النائب البرلماني أن فهم سوسيولوجية المنطقة وتاريخها وثقافتها، يساعد على تجاوز المشاكل التي كان يمكن تفاديها منذ سنوات، مشددا على ضرورة التعامل مع ملف الحكم الذاتي بتعقل وديمقراطية وحذر.
ودعا بوعيدة أيضا إلى إشراك جميع الفاعلين السياسيين والمثقفين والشباب في النقاش، معتبرا أن الاختلاف في الرؤى مطلوب ومحمود، مع التشديد على أن النقطة الجامعة هي مغرب موحد وقوي يغلق ملف النزاع في الصحراء ويطور النقاش السياسي بما يخدم الوطن بأكمله”.
و في مداخلتها أكدت حسناء أبو زيد النائبة البرلمانية السابقة أن الرهان الحقيقي لنجاح مقترح الحكم الذاتي في الصحراء لا يكمن فقط في هندسته القانونية أو التقنية، و إنما أساسا في قدرة المغرب على بناء الثقة، داخليا ومع الصحراويين، وإقناعهم بأن البلاد تعيش تحولا فعليا في عقل السلطة ومنظومة الحكم.
وأوضحت أبو زيد، في مداخلتها، أن أي حل سياسي نهائي لا يمكن أن يقوم دون شرط سياسي داخلي صلب، معتبرة أن تجاهل حالة “الانحباس السياسي” التي تعيشها البلاد “يضعف جاذبية الطرح المغربي، ويحد من قدرته على الإقناع، خاصة في سياق دولي يركز على الديمقراطية والحكامة وحقوق الإنسان”.
واعتبرت أبو زيد أن المغرب، بصفته “صاحب القلم والمبادرة”، مطالب بتقديم نموذج سياسي ومؤسساتي وحقوقي واقتصادي واجتماعي مقنع، مضيفة أن الرهان لا يتعلق باختيار “أفضل نموذج حكم ذاتي نظريا”، بل بالقدرة على الإقناع بوجود تحول عميق في طريقة تدبير السلطة، وتجاوز أعطاب اللامركزية والجهوية المتقدمة التي أفرزتها تجربة ما بعد 2015.
وتوقفت أبو زيد عند نموذج التدبير الترابي في الأقاليم الجنوبية، واصفة إياه بـ”غير المشجع”، في ظل “ضعف الهيئات الرقابية المالية واستمرار أعطاب الحكامة”، معتبرة أن هذه الإشكالات لا تخص منطقة دون أخرى، ولكن تهم المغرب ككل بمنطق وطني شامل.
وأبرزت أبو زيد أن “المصالحة تمثل مدخلا أساسيا لبناء بيئة الحل من الداخل، مشيرة إلى تفوق جبهة البوليساريو في توظيف البعد الثقافي والهوياتي، خاصة عبر المهرجانات والأنشطة الثقافية بالخارج”، وهو ما يستدعي، حسب رأيها، تفويضا حقيقيا لتدبير السياسة الثقافية في الأقاليم الجنوبية، دون السقوط في تعقيدات “الحكم الذاتي الثقافي” بمفهومه الدولي.
من جانبه، شدد البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو ورئيس منتدى البدائل للدراسات الصحراوية، على أن “أي دولة تحترم نفسها لا يمكنها بناء مصالحة حقيقية دون الاعتراف بالنواقص والأخطاء السابقة”.
وأوضح البشير أن الخلاف أو التعبير عن الرأي ليس خيانة أو عداء للدولة، منتقدا خطاب “معنا أو ضدنا” الذي ساد مرحلة السبعينيات وأدى إلى مغادرة العديد من الصحراويين.
وأضاف أن الدولة التي تقوم على فكرة واحدة وصوت واحد لا يمكن أن تكون ديمقراطية، مشددا على أن التجارب الدولية الكبرى أثبتت قيمة الحكم الذاتي والجهوي كآليات توحيد وديمقراطية.
كما انتقد الدخيل الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الأقاليم الجنوبية، “وخصوصا ارتفاع نسب البطالة والفقر والهشاشة رغم قلة الصحراويين”، مؤكدا أن “غياب تطبيق القانون بشكل متساو يضرب في العمق مبدأ دولة الحق والقانون”، الذي يعتبره الحل الوحيد لأي تسوية عادلة.
وخلص المتحدث بالدعوة إلى “معالجة المشاكل الداخلية قبل أي تفاوض خارجي”، مؤكدا أن “الحل لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل عبر مصالحة حقيقية، واحترام التعدد، وبناء الثقة في إطار دولة قوية وديمقراطية”.