أطفال نبيل باها !
تأهل المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إلى الدور الثاني من بطولة كأس العالم بقطر، بالطريقة المثيرة التي شاهدنا، يجب أن يشكل درسا في كيفية التعامل مع هذه الفئات السنية، ليس من الناحية التقنية، ولكن في جوانب أخرى متعلقة بخصوصيات المرحلة العمرية التي يتواجد فيها هؤلاء الأطفال، لأن التغير المفاجئ في أدائهم الذي توجهم بكأس إفريقيا، تحول إلى تذبذب واضح في الأداء والجاهزية النفسية والبدنية.
فقد جاءت الهزيمتان الأوليان أمام اليابان (2-0) والبرتغال (6-0) لتطرح أسئلة حقيقية حول ما الذي جرى لهؤلاء “الوليدات” في هذا المونديال، قبل أن ينقلب المشهد تمامًا في المباراة الثالثة أمام منتخب كاليدونيا الجديدة بفوز عريض وصل إلى ستة عشر هدفًا مقابل لا شيء، فتح باب التأهل كأفضل ثالث في المجموعات.
غير أن هذا “الانفجار الهجومي” لا يمكن قراءته على أنه تحول تقني فجائي، بل يبدو أقرب إلى انفلات نفسي إيجابي تحرر فيه اللاعبون من الضغط، بعد أن اعتقد الجميع تقريبًا أن الرحلة انتهت وأن العودة للمغرب مسألة وقت. حيث لعبوا بعقلية “لا شيء لنخسره”، وتخلصوا من ثقل المقارنات والتوقعات وأحاديث الإعلام.
هذه الحالة النفسية وحدها تكشف حجم الضغط الذي رافق هؤلاء الأطفال منذ انطلاق البطولة، وهو ضغط غير متناسب مع أعمارهم ولا مع مستوى نضجهم البدني والذهني.
من هنا تُطرح الإشكالية الأكبر: هل نعامل فئات الأشبال والناشئين وكأنهم منتخب وطني أول، فنثقل كاهلهم بالانتظارات ونحملهم من ليس في طاقتهم؟ أم ننظر إليهم باعتبارهم مرحلة تأسيسية في بناء أجيال كروية مستقبلية، هدفها الأهم هو التكوين، والانضباط التكتيكي، واكتساب هوية لعب وطنية واضحة؟
لقد ذهب منتخب نبيل باها إلى قطر وموجة الفرح بلقب الشباب التاريخي الذي حققه منتخب محمد وهبي في مونديال الشيلي، لازالت تعبر عن مظاهر ابتهاجها في الشارع المغربي، وظل صدى “توجيهات” فوزي لقجع يتردد في آذانهم بأن سقف الإنتظارات أصبح عاليا جدا.. وهنا كان مكمن الخطأ الفادح..
المقارنة بين جيل أنهى جزءًا من تكوينه وله نضج تنافسي، وبين جيل لا يزال في طور التشكل البيولوجي والذهني، هي مقارنة غير منصفة. فهؤلاء اللاعبون، على موهبتهم الظاهرة، لم يكتمل نموهم الجسدي ولا حصانتهم الذهنية أمام النقد والضغط الجماهيري. والنتيجة هي ما شاهدناه: أداءان مرتبكان في أول مبارتين وهزيمتان لم يكن أشد المتشائمين ينتظرهما.
اليوم، وقد تحقق التأهل، فإن الواجب لا يكمن في تضخيم الإنجاز أو جلد الذات، بل في مرافقة هذا الفريق بما يليق بطبيعة مرحلته العمرية. المطلوب هو التشجيع لا التهويل، الدعم لا الضغط، الاحتفاء بالجهد لا رهن القيمة بنتيجة مباراة.
فهذه الفئات السنية ليست مطالبة بالألقاب ولا بصناعة المجد اللحظي؛ إنها مرحلة عبور نحو المنتخب الأولمبي ثم الأول، حيث يبدأ الرهان الحقيقي. ما يجب أن نطمح إليه هو تكوين نواة منسجمة من اللاعبين المتمرسين على اللعب بقميص الوطن، ملمين بهوية كروية مغربية واضحة المعالم.
مستقبل كرة القدم المغربية لا يمكن أن يبنى على مثل هذه الإنتظارات الملحة والضاغطة من أجل النتائج والألقاب على كل فئات المنتخبات الوطنية، بل الأمر يجب أن يتسم بكثير من الصبر والتخطيط وتقبل الخسارات خصوصا في مراحل التكوين، لأن التوفر على منتخب أول بطل، يُبنى على مسار جيل كامل عاش مختلف الأجواء الكروية بقميص المنتخب الوطني.