أزيلال.. حراك متواصل في وجه التهميش وحقوقيون: لن تُسكتَه حلول ظرفية

بعد مرور 10 أيام من مسيرة الكرامة التي خاضها مئات المواطنين من سكان دواوير “آيت بوكماز” في اتجاه عمالة إقليم أزيلال، لا يزال هذا الأخير يشهد حراكاً اجتماعياً متواصلاً في مناطق متفرقة من الإقليم، حيث شهدت دواوير “آيت محمد”، يوم الثلاثاء 22 يوليوز 2025، مسيرة احتجاجية سلمية.
ورفع المواطنون “آيت محمد” مطالب تتعلق بالبنية التحتية على مستوى المنطقة، من قبيل تعبيد المسالك، وشبكة الاتصالات، وشبكة للماء الصالح للشرب. وتأتي هذه المسيرة في سياق سلسلة احتجاجات مماثلة، كان آخرها ما شهدته دواوير “أكودي نلخير”، وقبلها مسيرة “آيت بوكماز”، ما يعكس تصاعد موجة الغضب بإقليم أزيلال، خاصة في صفوف ساكنة العالم القروي التي تعاني من التهميش وغياب التجاوب الفعلي مع مطالبها.
“لأجل عدالة مجالية“
يقول عمر أربيب، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن هذه الاحتجاجات تعبر عن حاجة السكان إلى ضروريات أساسية مثل الماء الصالح للشرب، والبنية التحتية، والمستوصفات والمدارس وغير ذلك من مقومات العيش الكريم.
ويرى أربيب أن الأزمات المتراكمة ساهمت في تأجيج هذه الاحتجاجات، “إذ أنها ليست وليدة اللحظة بل لها جذور في حركات سابقة، منها حراك فكيك المستمر حول مياه الواحة، وحراك زاكورة الذي اندلع بسبب أزمة العطش.
في هذا الصدد، تشير سارة سوجار، الناشطة السابقة في حراك 20 فبراير، إلى أن احتجاجات أزيلال الأخيرة تأتي ضمن سلسلة من الحركات المحلية، بدأت منذ 2017 مع حراك الريف، ثم زاكورة وجرادة. وأضافت أن هذه الاحتجاجات أظهرت بشكل جلي إشكالية العدالة المجالية والاجتماعية.
وأوضحت سوجار، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن السياسات العمومية “لا تراعي الفروقات المجالية وخصوصيات المناطق في تدبير الشأن المحلي”، وتحديداً في المناطق البعيدة عن المركز، إذ إن هناك “هوة كبيرة” بين هذا الأخير وما وصفته بـ”الهامش”.
وترى الناشطة الحقوقية أن طريقة تدبير السياسات العمومية لا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية، خاصة في ظل ما يمر به المغرب من أزمة جفاف، وهو ما قد يؤثر بشكل خطير على هذه المناطق، التي تعتمد بشكل كبير على الفلاحة والزراعة.
وأمام هذا الواقع، تقول سوجار: “يبرز فشل المخططات التي تطلقها الدولة، وعجزها عن تقديم إجابات حقيقية”، مضيفة أن الدولة تعتمد منذ 2017 على مقاربة أمنية قمعية في التعامل مع الاحتجاجات، دون تصميم برامج واقعية تستجيب لمطالب السكان.
وتطرح سوجار ثلاثة مطالب رئيسية لمعالجة أوضاع سكان هذه المناطق، بدءاً بـ”إعادة النظر في السياسات العمومية” وربطها بالعدالة المجالية والاجتماعية، مروراً بـ”تدبير الحركات الاجتماعية بشكل مسؤول، مع تقديم إجابات مستمرة وجوهرية”، وصولاً إلى ضرورة تجاوز المقاربة الأمنية في التعاطي مع الاحتجاجات.
من جانبه، يرى عمر أربيب أن منسوب الوعي لدى سكان هذه المناطق قد ارتفع، “ولم يعودوا يعتمدون فقط على الإعلام الرسمي الذي يغيب واقعهم”، مشيراً إلى أنهم أصبحوا أكثر اطلاعاً بفضل أبنائهم المتمدرسين، وانفتاحهم على ما يجري عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
فاعل سياسي غائب
وقال أربيب إن السكان باتوا يعرفون تفاصيل المشاريع المنجزة، ويدركون حجم التهميش الذي يعانونه، “مما عزز وعيهم بالمطالبة بحقوقهم الأساسية”. وأضاف: “في حال استمرار هذه الاحتجاجات، إذا لم يتم خنقها، فإنها ستتطور إلى المطالبة بالحق في التنمية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، مشيراً إلى اتساع الهوة بين المركز والهوامش، بفعل التفاوت في وتيرة تعامل الحكومة مع الجانبين.
ويشير أربيب إلى أن الأحزاب السياسية تتحمل بدورها مسؤولية جسيمة، بسبب صمتها أمام هذا الواقع، وعدم اهتمامها إلا خلال موسم الانتخابات، “حين تعتبر هذه المناطق مجرد خزان انتخابي مؤقت، تستغل أصواته للوصول إلى المؤسسات، ثم تتركه لمصيره”.
وترى سارة سوجار أن على الفاعل السياسي أن يتحمل مسؤوليته، لافتة إلى وجود اصطدام مباشر بين الحركات الاجتماعية والسلطة، في ظل غياب دور فعلي للأحزاب، وعجزها عن تبني مشاريع حقيقية. وتساءلت: “هل تعكس برامج انتخابات 2026 مطالب المواطنين؟”، قبل أن تضيف: “هناك هوة كبيرة بين المطلب الاحتجاجي والحقوقي من جهة، والمطلب السياسي من جهة أخرى. الأحزاب ليست لها جرأة سياسية كافية لتحمل هذه المطالب”.
وقد عرضت سوجار مجموعة من الملفات التي قالت إنها تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، من بينها الاعتقال السياسي، والفساد، والتحولات التنموية والاجتماعية، مؤكدة على ضرورة تحمّل الجميع لمسؤولياته، من الدولة إلى الفاعل السياسي والنخب.
حراك مستمر
وتشدد سوجار على أنه “لا يمكن الاكتفاء بالرد على الاحتجاجات بحلول ظرفية”، معتبرة أن المطلوب هو سياسة قادرة على معالجة الاختلالات المجالية والاجتماعية. وأضافت أن المواطن ما يزال يقطع مسافات طويلة للحصول على العلاج، أو الوصول إلى المدرسة، أو لقضاء حاجات بسيطة.
وذكّرت بأنه في الوقت الذي يقبل فيه المغرب على طفرة استثمارية ومشاريع كبرى، تحضيراً لكأس العالم 2030، “يعاني المواطن من الجوع والعطش”، مشيرة إلى أن غياب الإرادة الحقيقية للمضي في تنمية ديمقراطية سيُبقي البلاد في حالة جمود.
وحذرت من أن الرهان على المقاربة الأمنية والزمن “هو رهان على فراغ، لأنه كلما خمد احتجاج في منطقة، اشتعل في أخرى”، مؤكدة أن الشعب المغربي لم يصمت طيلة العقد الماضي منذ 2011، بل ظل يحتج بوتيرة متفاوتة.
وتختم سوجار بالقول إن ساكنة القرى والجبال “لن تصمت ما دامت تحس بالفقر وغياب حقوقها الأساسية”، مشددة على أن التجربة أظهرت أن “الحركات الاجتماعية تتجدد دائماً، حتى إن تراجعت مؤقتاً”.
من جهته، يرى عمر أربيب أن هذه الاحتجاجات مشروعة، محذراً من احتمال الالتفاف عليها باستجابات سطحية أو وعود مؤقتة، “لكنوها مرشحة للتطور مستقبلاً، بفعل تنامي الوعي”، بحسب تعبيره.