أرشيف “الكان”.. قصة اللقب المغربي الوحيد في إثيوبيا 1976
بعد المشاركة الأولى للمغرب في كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم سنة 1972 بالكاميرون، وخروجه من الدور الأول بثلاث تعادلات، جاءت دورة مصر 1974 فغاب عنها الفريق الوطني، بعدما قاطع إقصائياتها، إثر تعرضه لظلم تحكييمي فاضح في إقصائيات مونديال ألمانيا الغربية ضد منتخب الزايير ذهابا في العاصمة كينشاسا، وانسحابه من مباراة الإياب بالمغرب.
وبعد اختفاء عن الساحة الإفريقية استمر سنتين، عاد الفريق الوطني للمشاركة في تصفيات كأس إفريقيا للأمم بإثيوبيا، وحقق التأهل للنهائيات بعد دورين إقصائيين تجاوز فيهما منتخبي السنغال وغانا ذهابا وإيابا .
دورة بنظام غير مسبوق
احتضنت إثيوبيا النسخة العاشرة من كأس أمم إفريقيا سنة 1976، وهي النسخة الثالثة التي تُنظم على أراضيها، بمشاركة ثمانية منتخبات تأهلت بعد تصفيات عرفت حضور 30 منتخباً إفريقياً.
وجرى تقسيم الفرق إلى مجموعتين، لعبت الأولى في العاصمة أديس أبابا وضمت إثيوبيا، أوغندا، مصر، وغينيا، بينما لعبت المجموعة الثانية بمدينة دير داوا وضمت المغرب، نيجيريا، السودان وزايير حاملة اللقب.
كان نظام البطولة استثنائياً، إذ تأهل صاحبا المركزين الأول والثاني من كل مجموعة إلى دور نهائي يُلعب بنظام الدوري المصغر، بدل نظام نصف النهائي والنهائي المعهود.
دور أول ناجح
دخل المنتخب المغربي المنافسة بعيدا عن ترشيحات الفوز باللقب بالنظر إلو وجود منتخبات مسيطرة على المنافسة في تلك الفترة كمصر وغانا والسودان.
وافتتح رفاق العميد الراحل أحمد فرس مشوارهم بتعادل مثير أمام السودان (2-2)، قبل أن يحققوا فوزاً ثميناً على الزايير بهدف لصفر، ثم حققوا انتصاراً كبيراً على نيجيريا بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد.
وبفضل هذه النتائج، تصدر المغرب مجموعته بخمس نقاط، متقدماً على نيجيريا، ليضمن العبور إلى الدور النهائي عن جدارة، في وقت خرجت فيه الزايير حاملة اللقب من الدور الأول.
نجاة من موت محقق
بعد نهاية مباريات الدور الأول، كان على بعثة المنتخب المغربي الانتقال جواً من مدينة دير داوا إلى العاصمة أديس أبابا. لكن تلك الرحلة كادت أن تتحول إلى حادث جوي مروع.
فبعد دقائق قليلة من الإقلاع من مطار المدينة الصغيرة، اندلعت النيران في أحد محركات الطائرة، مما جعل أفراد البعثة المغربية يدخلون في حالة من الهلع والخوف وانتظار الموت الوشيك.
يروي اللاعب الدولي ولاعب المغرب الفاسي السابق، عبد الله التازي، أن بعض اللاعبين بدؤوا في تلاوة آيات من القرآن الكريم، ظناً منهم أن النهاية قد اقتربت، قبل أن يتمكن قائد الطائرة بصعوبة بالغة، من العودة والهبوط اضطرارياً في مطار دير داوا، وسط حالة استنفار كبيرة في أرضية المطار وحضور سيارات الإسعاف والمطافئ.
وبمجرد النزول من الطائرة، دخل اللاعبون في حالة احتجاج جماعي، وقرروا عدم استكمال البطولة والعودة فوراً إلى المغرب.
وقضت البعثة يوماً كاملاً في المطار، وفي اليوم الموالي، وبعد تدخلات مكثفة من المسؤولين، تم إقناع اللاعبين بالسفر إلى أديس أبابا ومواصلة خوض البطولة.
مرحلة أخيرة نحو اللقب
دخل المغرب الدور النهائي الرباعي إلى جانب مصر، نيجيريا وغينيا. وسجل فيه المنتخب الوطني بداية قوية بفوز على المنتخب المصري بهدفين مقابل هدف واحد، سجلهما أحمد فرس وعلي الزهراوي.
ثم جاء الانتصار الثاني على نيجيريا بنفس النتيجة، بتوقيع أحمد فرس والكزار، ليضع “أسود الأطلس” أنفسهم على بعد خطوة واحدة من اللقب.
في المباراة الأخيرة أمام غينيا، كان التعادل كافياً للتتويج. ورغم تقدم الغينيين، نجح المغرب في إدراك التعادل بهدف قاتل سجله أحمد مكروح الملقي بـ “بابا” قبل أربع دقائق من النهاية، ليعلن الحكم بعدها تتويج المغرب بطلاً لإفريقيا برصيد خمس نقاط، متقدماً على غينيا، فيما حلّت نيجيريا ثالثة ومصر رابعة.
جيل ذهبي
قاد هذا الإنجاز المدرب الروماني جورج ماراديسكو، الذي نجح في خلق توليفة متوازنة بين الانضباط الدفاعي والنجاعة الهجومية.
وضمت كتيبة الأبطال أسماءً خالدة في تاريخ الكرة المغربية، أبرزهم الحارس الراحل حميد الهزاز، الراحل أحمد فرس، الراحل عبد المجيد الظلمي، عبد الله التازي، علي زهراوي، إدريس حدادي، جواد الأندلسي، أحمد مكروح، وغيرهم من اللاعبين الذين شكلوا جيلاً ذهبياً قلّ نظيره في تاريخ كرة القدم المغربية.
استقبال تاريخي ووعود كاذبة
عادت بعثة المنتخب المغربي إلى أرض الوطن وسط احتفالات شعبية عارمة. وكان في استقبال الأبطال بمطار النواصر مسؤولون كبار، قبل أن يتوجهوا إلى الدار البيضاء حيث حظوا باستقبال رسمي من ولي العهد آنذاك، الملك محمد السادس. وتم إعلان يوم عطلة في المدارس احتفاءً بالإنجاز القاري الأول.
واسترجع حارس المنتخب المغربي وقتها الراحل حميد الهزاز، ذكريات البطولة قائلا في تصريحات لوسائل الإعلام “خصصت لنا الجامعة الملكية حينها 10 آلاف درهم لكل لاعب كمنحة التتويج بالكأس القارية، وسيارة ننتظر تسلمها لحد الآن.. أخبرنا المسؤولون على المنتخب أن سيارة مهداة لكل واحد منا مصفوفة أمام المطار سنتسلمها فور هبوطنا بالنواصر، لكننا لم نستلم شيئاً إلى يومنا هذا”.