آسفي.. حصيلة كارثية ومأساة إنسانية بعد فيضانات استثنائية
شهدت مدينة آسفي، مساء الأحد 14 دجنبر 2025، فيضانات مفاجئة وقوية أعقبت تساقطات مطرية غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية استمرت لمدة قصيرة، لكنها كانت كافية لإغراق عدد من الأحياء والشوارع الرئيسية، وتحويلها إلى سيول جارفة من المياه الموحلة.
وأسفرت هذه الفيضانات، وفق ما أفادت به السلطات المحلية، عن مصرع ما لا يقل عن 37 شخصاً، إلى حدود اللحظة، في حصيلة وُصفت بأنها الأعلى المرتبطة بمثل هذه الظواهر الجوية في المغرب خلال العقد الأخير.
وتسببت الأحوال الجوية الاستثنائية في حالة من الهلع في صفوف السكان، وأربكت حركة السير، وألحقت أضرارًا واسعة بالمنازل والمتاجر والبنية التحتية، في وقت كانت فيه المدينة تعيش على وقع تقلبات مناخية حادة بعد سنوات طويلة من الجفاف.
وجرى إسعاف 32 شخصًا أصيبوا بجروح متفاوتة، غادر معظمهم المستشفى بعد تلقي العلاجات الضرورية، فيما لا تزال بعض الحالات تحت المراقبة الطبية، في ظل استمرار عمليات التمشيط والبحث تحسبًا لوجود ضحايا آخرين.
وبحسب المعطيات الرسمية، فإن التساقطات المطرية التي لم تتجاوز ساعة واحدة تسببت في تدفقات فيضانية استثنائية فاقت قدرة شبكات تصريف مياه الأمطار. كما طالت الأضرار بعض المعالم، من بينها ضريح غمرته المياه جزئيًا، ما يعكس حجم الخسائر التي خلفتها السيول في وقت قياسي.
وأظهرت مقاطع وصور متداولة على منصات التواصل الاجتماعي مشاهد لسيول جارفة تجتاح الشوارع والأزقة، حاملة معها السيارات والنفايات، فيما وثقت مشاهد أخرى تدخل عناصر الوقاية المدنية باستخدام القوارب المطاطية للاستجابة لنداءات الاستغاثة وإنقاذ محاصرين داخل منازلهم.
وقد أعلنت السلطات المحلية حالة استنفار، مع تعبئة مختلف المصالح المعنية لتأمين المناطق المتضررة وتقديم المساعدة للمتضررين.
في هذا السياق، أعلن الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي أنه على إثر السيول الفيضانية التي شهدها إقليم آسفي مساء أمس الأحد 14 دجنبر 2025، الذي أودى بحياة 37 شخصا في حصيلة مؤقتة، فتحت النيابة العامة بحثا في الموضوع بواسطة الشرطة القضائية للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا الحادث الأليم والكشف عن ظروفه وملابساته.
وعلى إثر هذه السيول والتقلبات الجوية في مناطق مختلفة من أنحاء المملكة، أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية بعدة أقاليم على رأسها آسفي إلى جانب كل من تطوان والمضيق-الفنيدق، ورزازات.
وحذرت المديرية العامة للأرصاد الجوية من اضرابات جوية قوية، ابتداء من أمس الأحد، متوقعة هطول أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف وثلوج في عدد من مناطق البلاد خلال الأيام المقبلة،في ظل تخوف بصفوف المواطنين حول مدى الجاهزية والبنية التحتية في مواجهة هذه الظواهر.
مأساة إنسانية
وفي هذه الليلة الصاخبة، برزت قصص إنسانية مؤثرة، منها نجاة امرأة مسنة من موت محقق بعد أن حاصرتها السيول الجارفة في حي باب الشعبة بمدينة آسفي، بينما كانت المياه ترتفع من حولها وتهدد بابتلاعها.
ظهرت السيدة في مقطع فيديو وهي تتمسك بالحياة وتصرخ: “شادة غير فالحيط… عتقوني!” في لحظات عصيبة كادت تفقد فيها الوعي، قبل أن يتدخل سكان الحي بسرعة، ويمدّوا حبلًا باتجاهها ليسحبواها إلى بر الأمان.
بعد نجاتها، بكت السيدة وأكدت أنها رأت الموت أمام عينيها، وأن تدخل الجيران كان الفارق بين الحياة والمأساة، مشيرة إلى أن السيول جرفت أقارب لها أثناء الحدث، ما زاد من صدمتها وألمها.
كما انتشر مقطع فيديو متداول يظهر سكان أحد الأحياء وهم يحاولون إبعاد المياه عن منازلهم، وفي نفس الوقت يعبرون عن استيائهم العميق من الوضع والبنية التحتية وعن غضبهم من تقصير المسؤولين.
وأحد السكان قال بصوت مفعم بالغضب: “لا نريد تنظيم التظاهرات الكروية، نريد إصلاح أحيائنا، هذا يحز في القلب، لا توجد بنية تحتية”.
وقد أضاف آخر مخاطباً ضعف التدخل: “أين الوقاية المدنية، أين المنتخبون، أين العامل؟ آسفي غرقت بقليل من الماء”. في حين صرّح ثالث: “هذه ليست أول مرة. أبناء الشعب يعانون، الناس تغرق وتموت، أين المسؤولون؟” في تعليق هؤلاء المواطنين قلقٌ واضح من ضعف الاستعداد والمراقبة، وطالبوا بتدخل عاجل لتحسين البنية التحتية وحماية المدينة وسكانها من خطر تكرر مثل هذه الفيضانات.