ما أبعدَ كرتنا عن إفريقيا !
فوز نهضة بركان بلقب كأس الإتحاد الإفريقي لكرة القدم، كان منتظرا وبنسبة كبيرة بالنظر لما أظهره الفريق المغربي طيلة مباريات الموسم من مستوى مستقر، وقوة جماعية في تدبير المواجهات.. غير أن مباراة الإياب في النهائي أمام سيمبا التنزاني خلفت مرة أخرى أحد الخلاصات المهمة فيما يخص انتماءنا الإفريقي، وقدرة المغرب، منتخبات وأندية على فرض شخصيتهم في المباريات التي تُلعب في عمق القارة.
فبعد انتصار الفريق البركاني في ملعبه ذهابا بهدفين نظيفين وسيطرته المطلقة على أطوار المباراة، وحرمان الحكام لزملاء منير المحمدي من نتيجة عريضة، ساد الإعتقاد أن النهضة ستكون في رحلة سهلة للعودة باللقب الثالث في تاريخها بعدما أثبتت قوتها على أرض ملعبها وأمام جمهورها، ولكن كان هذا التقدير خاطئا بنسبة كبيرة، إذ وجدنا أنفسنا مرة أخرى أمام سيناريو حفظناه عن ظهر قلب في المغرب، لأنه يتكرر كثيرا عندما تلعب منتخباتنا أو أنديتنا الوطنية وسط الأجواء الإفريقية.
شاهدنا نهضة بركان وكأنها “مُسخت” في رمشة عين، غاب ذلك الفريق القوي ذو الشخصية الفولاذية وغابت إرادته في فرض أسلوب لعبه، وتلاشت بغرابة تلك القدرة الفائقة لديه في شل الخصوم، وظهر في زنجبار فريق بركاني آخر، خائف ومرتبك، ويرتكب أخطاء بدائية، ولاعبيه يخسرون النزالات الثنائية بسهولة، ويعاني من ضغط الجمهور، ومن ارتفاع نسبة الرطوبة، ومتأثر بتوقيت المباراة وما يحيط بها من ممارسات نعرفها جيدا لدى إخواننا الأفارقة.
عندما كان فريق نهضة بركان يعاني في مباراته أمام سيمبا التنزاني، الكثير من المغاربة تذكروا مباريات فريقنا الوطني في نفس الأجواء، عندما ينتهي المخزون البدني للاعبين سريعا، ويصاب بعضهم بالإختناق والعياء الشديد، ويصبحون أمام خصم ينقض عليهم بلاعبين لم تنل منهم الظروف المناخية “لا حق لا باطل”، فتنتهي قيمة لاعبينا العالميين ويصبحون في الملعب تائهين شاردين يتمنون أن ينتهي الكابوس الذي لا يشبه مباريات كرة القدم، ولا أجواءها التي اعتادوا عليها.
كثير من إخفاقاتنا الإفريقية على مستوى المنتخبات الوطنية كما الأندية، كانت بسبب الأجواء التي تحيط بالمباريات التي تُلعب في بلدان القارة جنوب الصحراء، رغم أننا نذهب إليها باستمرار بتشكيلات تبدو مرعبة على الورق، بالنظر لأسماء اللاعبين، وبإنجازاتٍ في منافساتٍ لم يمض عليها وقت طويل مثلما حدث مؤخرا بين مونديال قطر و”كان” الكوت ديفوار”.
ويبدو أننا لازلنا لم نستوعب الدرس جيدا، ولم نقتنع بعد، أن الجينات الكروية المغربية و”مورفولوجيا” اللاعب المغربي على مر التاريخ لا علاقة لها بالكرة الإفريقية وطقوسها وأجساد لاعبيها، بل زاد أمرنا استفحالا عندما بدأنا نعتمد بشكل كلي على لاعبين مغاربة ولدوا وتربوا ويمارسون كرة القدم في صقيع أوروبا وأجوائها المختلفة كليا عن “هبال” القارة السمراء، حتى صار واضحا أن من يراهن على تفوقنا الكروي في إفريقيا مستقبلا لتدارك ترتيبنا على مستوى الألقاب فيها، فهو “غير كيكب الما فالرملة”.
وليد الركراكي عندما عاد من نكسة كأس إفريقيا الأخيرة بالكوت ديفوار، وبعد أن هدأ غضب الجمهور قليلا، خرج إلى وسائل الإعلام بتصريح يتحدث فيه عن مبررات الإخفاق، ومن ضمن كلامه تحدث عن أن الجامعة والطاقم التقني للفريق الوطني سيقومون بتشخيص دقيق لمعرفة أسباب هذا الفشل المستمر في “الكان” رغم توفرنا على كل المقومات البشرية واللوجيستيكية والتقنية للفوز باللقب، ووعد بحوار شامل يستدعى فيها قدماء اللاعبين الدوليين، وخبراء الطب الرياضي، والمناخ، والباحثون في علم النفس الرياضي، للوصول إلى الوصفة السحرية التي ستنهي هذا “النحس” الإفريقي.. لكن تبين بعد مرور أشهر ان كلام الركراكي لم يكن سوى “تفراق اللغى” وتمرير لمرحلة غضب شعبي على الفريق الوطني، وتم نسيان أمر هذا التشخيص و”ما يجي منو”.
ستبقى لنا إمكانية التفوق على الخصوم الأفارقة وإحراز الألقاب في إفريقيا، فقط عندما ننظم المنافسات على أرضنا في المغرب، فقد أثبتت الكثير من المنافسات مؤخرا داخل البلاد، أن لنا فيها ما يساعد من عاملي الطقس والجمهور وظروف الراحة، وإمكانية التحكم في تفاصيل يصعب ضبطها في المباريات المقامة في بلدان جنوب الصحراء، أو في أحسن الأحوال داخل بلدان شمال القارة إذا كان لدينا استعداد جيد لها.. أما المراهنة على التألق والألقاب في عمق إفريقيا، فهو وهم نخسر من أجله الوقت والجهد والمال، ببساطة لأننا لا نملك هوية كروية إفريقية، وليس لنا الجينات التي تصنع إنسانا قادرا على مواجهة خصوصيات اللعب فيها.