قانون المحاماة يشعل مواجهة جديدة بين وزارة العدل و”أصحاب البذلة السوداء”
يواجه مشروع القانون رقم 23-66 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة موجة انتقادات واسعة من طرف هيئات المحامين في المغرب، التي تعتبر أن مقتضيات هذا المشروع تشكل “تهديدا لجوهر العدالة وحقوق المتقاضين”، في وقت ترى فيه وزارة العدل أن مضامين المشروع “تعد مدخلا لتعزيز حصانة الدفاع وتخليق الممارسة المهنية للمحاماة”.
“مساس بالاستقلالية”
في هذا الصدد ، وجه الكاتب العام لهيئة المحامين بالدار البيضاء، يوسف عبد القاوي، انتقادات لاذعة لمشروع القانون الجديد المنظم لمهنة المحاماة، مؤكدا أنه يتضمن مقتضيات تمس بجوهر حقوق الدفاع وتضرب استقلالية المهنة في عمقها.
وأشار عبد القاوي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إلى أن المشروع يحتوي على فصول تُقزم دور المحامي، خاصة فيما يتعلق بشروط الولوج إلى المهنة.
ومن جهة أخرى، حذر الكاتب العام لأكبر هيئة محامين بالمغرب، من التوجه الرامي إلى إخضاع المهنة لرقابة النيابة العامة، معتبرا أن هذا الأمر “يؤثر على توازن العدالة واستقلالية هيئات المحامين”.
وإلى جانب ذلك، توقف المتحدث عند مسألة البت في الشكايات الموجهة ضد المحامين؛ لافتا إلى أن المشروع الجديد قلص الأجل الممنوح للنقيب من ثلاثة أشهر إلى شهر واحد فقط، معتبرا أن هذا الحيز الزمني “غير واقعي، خاصة بالنسبة لهيئة مثل هيئة الدار البيضاء”، مما يضع النقيب أمام ضغوطات زمنية تعيق الفحص الدقيق للملفات.
كما سلط المصدر نفسه الضوء على مقتضيات أخرى تثير الجدل، على غرار إلزام المحامي بإشعار الوكيل العام للملك بأداء واجبات الضمان الاجتماعي والضرائب، مع ترتيب جزاءات التغاضي في حالة عدم الوفاء بها، فضلا عن فرض الحصول على شهادة الماستر كشرط أساسي للولوج للمهنة.
إضافة إلى ذلك، انتقد يوسف عبد القاوي اجتياز فترة تدريب تصل إلى 20 شهرا بمعهد تابع لوزارة العدل، بدل التكوين داخل الهيئات المهنية.
“يهدد حصانة الدفاع“
بدورها، أكدت المحامية آمنة ماء العينين أن مهنة المحاماة في المغرب تمر بمنعطف حاسم، معتبرة أن “استقلالية الدفاع وحصانته باتت اليوم على المحك في ظل مراجعة القانون المنظم للمهنة”، داعية إلى استحضار القيمة الحقوقية لرسالة الدفاع بعيدا عنما وصفته بـ “منطق الصراع أو النفس التنازعي مع السلطة القضائية”.
وذكرت ماء العينين، في تدوينة على حسايها الشخصي بموقع “فايسبوك”، أن المحامين كانوا دائما في طليعة المدافعين عن استقلال القضاء ودسترة السلطة القضائية، مشددة على أن الوقت قد حان للقضاة، عبر ممثليهم، ” الانخراط في الدفاع عن استقلالية جسم المحاماة وحصانة مهامها، باعتبار الطرفين شريكين في تحقيق العدالة”.
وفي هذا الإطار، وجهت البرلمانية السابقة، انتقادات حادة لمسار التشريع في المغرب، لافتة إلى أن الدستور يضيء جزءا فقط من العملية التشريعية، بينما تدار أجزاء أخرى في ما وصفتها بـ “شعاب معتمة”، معربة عن عدم تعويلها على البرلمان بتركيبته الحالية لإعادة توجيه بوصلة القوانين.
وأكدت آمنة ماء العينين أن “مصير التشريع يتم ضبطه قبل وصوله إلى المؤسسة التشريعية، بل وقبل إحالته على الحكومة”.
وفي هذا السياق، تساءلت عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن مصير وعود وزير العدل عبد اللطيف وهبي، للمحامين “بعدم اعتماد قانون المهنة دون توافق”، متساءلة في نفس الوقت، “هل تعودت هذه الحكومة ووزيرها على نقض العهود والمواثيق؟”.
“ليست مطالب فئوية”
وفي غضون ذلك، رفضت ماء العينين بشدة تصنيف معركة المحامين الحالية ضمن “المطالب الفئوية”، واصفة هذا الطرح بأنه “تزييف للوعي”.
وأوضحت أن الدفاع عن استقلال المحامي هو في جوهره دفاع عن حقوق المتقاضين، ومنهم مجموع المواطنات والمواطنين، لافتة إلى أن “المحاماة بمعناها النبيل امتداد في المجتمع، ولها علاقة عضوية متينة بالحقوق والحريات”.
وأبرزت المتحدثة أن “المحامي هو من يمثل الأطراف ويؤازر المتهمين الأبرياء حتى تثبت إدانتهم، ويؤازر المدانين حتى يطبق عليهم القانون ولاشيء غير القانون”، وفق تعبيرها.
ومن جانب آخر، قالت المحامية ماء العينين، إن فضاء المحكمة لا يحتمل منطق شد الحبل أو صراع الأطراف، “لأن المحامين وقضاة الأحكام وقضاة النيابة العامة وكذا كتاب الضبط والخبراء وكل المتدخلين في العدالة، إنما توحدهم مهمة واحدة، وهي مسؤولية إنصاف المتقاضين وإحقاق الحقوق بالقسط والعدل”.
وخلصت عضو هيئة المحامين بالدار البيضاء إلى مناشدة المجلس الحكومي بضرورة إخضاع مشروع قانون المحاماة لـ”مراجعة عميقة تتجاوز النظرة الضيقة للمهنة كامتيازات”، إلى كونها ركيزة أساسية للحقوق والحريات، مشددة على أن التشريع للمحاماة ليس مجرد إجراء تقني لتنظيم مهنة عادية، “بل هو تشريع يمس عمق النظام الحقوقي المغربي ويجب أن يناقش بضمير حي ومتيقظ”.
مقتضيات جديدة
وفي مقابل هذه الانتقادات، يتضمن مشروع القانون المنظم للمهنة، الذي اطلعت صحيفة “صوت المغرب” على نسخة منه، عددا من المقتضيات الجديدة تقول الوزارة الوصية إنها “تتوخى تقوية حصانة الدفاع”.
وفي هذا الإطار، تم التنصيص على منع المحامين من تنظيم الوقفات الاحتجاجية ورفع الشعارات داخل فضاءات المحاكم في وقت انعقاد الجلسات والتشويش على السير العادي لها.
“ولمواجهة انتحال الصفة”، نص المشروع على إلزامية ارتداء البذلة المهنية عند المثول أمام الهيئات القضائية أو التأديبية، وكذا عند ولوجه المحكمة في إطار ممارسته لمهامه.
كما أقر مشروع القانون شروطا جديدة ومشددة للراغبين في الالتحاق بمهنة المحاماة، إذ اشترط الحصول على شهادة الماستر أو الماستر المتخصص، أو دبلوم الدراسات العليا المعمقة أو المتخصصة في العلوم القانونية، بدلا من الإجازة التي كان معمولا بها سابقا، وحدد المشروع السن القانوني للمترشحين لمباراة ولوج “معهد التكوين” ما بين 22 و40 سنة كحد أقصى.
وشدد المشروع أيضا على ضرورة خلو سجل المترشح من أي عقوبات تأديبية نهائية (تشطيب، عزل، إعفاء، أو إحالة على التقاعد) لأسباب تمس بالشرف أو الأمانة.
وفي موضوع آخر، نص مشروع القانون على “ضرورة إشعار هيئة المحامين المختصة بمجال نفوذ محكمة الاستئناف المعنية بجميع الوسائل المتاحة فور اعتقال أي محامي أو وضعه تحت تدبير الحراسة النظرية”.
“وفي خطوة لضمان الخصوصية المهنية”، يمنع مشروع القانون المذكور، “الاستماع للمحامي المعني إذا كان الاعتقال بسبب ممارسته لمهامه إلا من طرف النيابة العامة حصرا، وبحضور النقيب أو من ينوب عنه”. كما شدد على وجوب تضمين محضر الاستماع أسباب تعذر إشعار النقيب في حال حدوث ذلك.
وعلى مستوى المسطرة التأديبية، تم التنصيص على وجوب اتخاذ النقيب قرارا بشأن الشكايات التي يتوصل بها في مواجهة محام بالمتابعة من عدمها داخل أجل شهر واحد ابتداء من تاريخ التوصل، ومع تخويل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف حق المنازعة أمام مجلس الهيئة على قرار الحفظ الصريح، مع وجوب بت المجلس داخل أجل شهرين ابتداء من تقديم المنازعة بعد الاستماع إلى جميع الأطراف.
سحب المشروع
وفي هذا السياق، طالبت جمعية هيئات المحامين بالمغرب، “بسحب المشروع والرجوع إلى الصياغة المتوافق بشأنها وذلك ضمانا لاستمرار الحوار البناء، خدمة للمهنة والعدالة والوطن”.
واعتبرت الجمعية في بلاغ صدر عقب اجتماع مكتبها يوم الثلاثاء 23 دجنبر 2025، “أن الصيغة المقدمة غير متوافق عليها وتناقض ما أفضت إليه جلسات الحوار التي يتوفر المكتب على مضمونها النهائي”.
وتابعت أنه “بالنظر إلى كون المسار التفاوضي قد انطلق بين الجمعية ووزارة العدل على إثر حراك مهني شامل وبوساطة برلمانية وبالنظر إلى التزامات الأطراف بضرورة احترام التشاركية والتوافق كأساس لمعالجة كل القضايا المرتبطة بالمهنة وعلى رأسها القانون المنظم لها”.
“وبالنظر للرصد الواضح من خلال المشروع المقدم من طرف الأمانة العامة للحكومة، لوجود إخلال بهاته الالتزامات فإن مكتب الجمعية يطالب الجهات المعنية بسحب المشروع والرجوع إلى الصياغة المتوافق بشأنها وذلك ضمانا لاستمرار الحوار البناء، خدمة للمهنة والعدالة والوطن”.
وأعلن مكتب الجمعية في ذات البلاغ، “رفضه الكامل لصيغة المشروع وللمساس الخطير الذي اعتراه بخصوص المبادئ الكبرى لمهنة المحاماة وعلى رأسها الاستقلالية”.