سمير بنيس عن 25 سنة من عهد محمد السادس: تحييد الاتحاد الإفريقي واستبعاد الاستفتاء في الصحراء

خصّ سمير بنيس، وهو مستشار سياسي أول في العاصمة الأمريكية واشنطن، العدد الخاص من مجلة “لسان المغرب” الصادر بمناسبة الذكرى 25 لوصول الملك محمد السادس إلى الحكم، بمساهمة هذا نصها الكامل:
حين وصل الملك محمد السادس للحكم قبل خمسة وعشرين سنة، كان النزاع حول الصحراء المغربية يراوح مكانه، بل يمكن القول إن رياح العملية السياسية التي أطلقتها الأمم المتحدة عام 1991 لم تكن تصب في اتجاه المغرب، سيما وأن الأمم المتحدة كانت متشبثة بمسألة تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء المغربية.
إلا أن المغرب وعلى مدى العقدين الماضيين، صمد أمام كل الضغوطات الدولية الرامية إلى حمله على تقديم تنازلات بخصوص سيادته على الصحراء، وتمكن من فرض مقاربته وجعلها الأساس الوحيد والاوحد الذي يمكن البناء عليه للتوصل لحل سياسي مقبول من كل الأطراف، بما يتماشى مع احترام الوحدة الترابية للمملكة.
ويمكن تقسيم كيفية تعاطي الدبلوماسية المغربية مع هذا الملف منذ تربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى خلال الفترة ما بين 1999 و2006: خلال هذه الفترة، كان على المغرب الصمود أمام الضغوطات الدولية الرامية إلى حمله على الامتثال لمقتضيات مخطط التسوية لعام 1991، والتي كان بموجبها على المغرب أن يلتزم بتنظيم استفتاء لتقرير المصير يخول لساكنة الأقاليم الصحراوية تحديد المستقبل السياسي للمنطقة، إما من خلال الاندماج مع المغرب أو إنشاء دولة مستقلة.
إلا أنه وبسبب الخلل الاجرائي الذي شاب مخطط التسوية، والخلافات القائمة بين المغرب والبوليساريو بخصوص من يحق لهم التصويت في الاستفتاء، ناهيك عن تعنت البوليساريو في الامتثال لتوصيات الأمين فيما يتعلق بشروط المشاركة في الاستفتاء، فإن المغرب بدأ في التعبير بشكل تدريجي عن عدم إيمانه بإمكانية التوصل لحل سياسي نهائي بناءً على مخطط التسوية. وبالتالي، بدأ في التأكيد على ضرورة التفكير في صيغة سياسية مبنية على التوافق بين الأطراف المعنية.
مع نهاية عام 2003، بدأ المغرب بشكل تدريجي يقطف ثمار المقاربة السياسية الجديدة التي اعتمدها، والمبنية على التأكيد على ضرورة التوصل لحل سياسي مقبول من الأطراف، بما يضمن الحفاظ على وحدته الترابية.
منذ ذلك الحين، لم يعد استفتاء تقرير المصير من الخيارات المطروحة أمام مجلس الأمن لمساعدة أطراف النزاع على التوصل لحل سياسي نهائي، بل أصبح مجلس الأمن يدعو هذه الأخيرة إلى تقديم مقترحات من شأنها أن تشكل أساساً يمكن البناء عليه للتوصل لحل نهائي.
وكانت الإحاطة التي قدمها المبعوث الشخصي للأمين العام، بيتر فان والسوم، في عام 2006، والتي أكد فيها على استحالة التوصل لحل عن طريق الاستفتاء، وعن استحالة بناء دولة مستقلة في الصحراء، بمثابة دفعة قوية زكّت الموقف الذي ما فتئ المغرب يعبر عنه لما يزيد عن عقود من الزمن.
وبالتالي، يمكن القول إن المرونة التي أبانت عنها الدبلوماسية المغربية قد مكّنتها بشكل تدريجي من إقناع الدول المؤثرة داخل مجلس الأمن بضرورة تبني مقاربة جديدة تتماشى مع الواقع السياسي على الأرض، وكذلك مع حزم المغرب على عدم التفريط في سيادته على الصحراء.
المرحلة الثانية خلال الفترة ما بين 2007 و2017: لقد شكل عام 2007 منعطفاً تاريخياً في سيرورة النزاع داخل الأمم المتحدة، ذلك أنه، ومن خلال اعتماده للقرار 1754، أعطى مجلس الأمن إشارات واضحة أن خيار الاستفتاء لم يعد أبداً من بين الخيارات المطروحة أمام أطراف النزاع، وأن السبيل الوحيد لإنهاء هذا الأخير هو عن طريق الدخول في مفاوضات بغية التوصل لحل سياسي مقبول من قبل الأطراف.
أكثر من ذلك، تجاوب مجلس الامن بشكل إيجابي مع مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب بتاريخ 11 أبريل 2007، والذي اعتبره واقعياً وذو مصداقية ويوفر أرضية يمكن البناء عليها من أجل التوصل لحل سياسي نهائي. وهو ما عبرت عنه الدول المؤثرة داخل مجلس بشكل مستمر.
في المقابل، فلم يحظ المخطط المضاد الذي تقدمت به البوليساريو بتاريخ 10 أبريل من نفس السنة، بأي قبول من طرف مجلس الأمن، الذي اكتفى بالأخذ علماً بذلك المقترح. إلا أنه وعلى الرغم من الدعم المبدئي الذي عبرت عنه تلك الدول المؤثرة مثل فرنسا والولايات المتحدة، إلا أنه ظل على مستوى الخطاب السياسي ولم يمتد للمستوى العملي. فهذه الدول لم تتخذ أية خطوات عملية إضافية من شأنها أن تعطي دفعة حاسمة للموقف المغربي.
وعلى الرغم من التحول السياسي الجوهري الذي حققه المغرب خلال هذه الفترة، إلا أنه واجه المد الحقوقي القادم من بعض المنظمات غير الحكومية المتعاطفة مع الاطروحة الانفصالية.
فبهدف نسف التقدم الذي حققه المغرب من خلال إقبار مجلس الأمن لمسألة تقرير المصير والتأكيد على الحل التفاوضي، عملت تلك المنظمات على استعمال الورقة الحقوقية على أمل نسف مكتسبات المغرب ودفع الدول المؤثرة داخل مجلس الأمن إلى مراجعة موقفها الداعم- على المستوى الخطاب السياسي- للموقف المغربي.
وكان من بين أهم نتائج استعمال الورقة الحقوقية تقديم الولايات المتحدة الامريكية في شهر أبريل 2013 لمشروع قرار يدعو إلى إقامة آلية لمراقبة وضعية حقوق الانسان في كل من الصحراء ومخيمات تندوف، وهو ما أثار حفيظة المغرب وأدى إلى نشوب توتر غير مسبوق في العلاقات بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
إلا أن المغرب استطاع تحييد كل تلك الجهود الرامية إلى نسف مكتسابته الدبلوماسية. ومع نهاية عام 2016 ونهاية الولاية الثانية للأمين العام السابق بان كي مون- الذي أبدى تعاطفاً ملحوظاً مع الأطروحة الانفصالية ومع المنظمات الداعمة لهاـ لم تعد المسألة الحقوقية من بين المسائل الجوهرية في النزاع.
المرحلة الثالثة خلال الفترة ما بين 2018 حتى الآن: تميزت هذه المرحلة ببداية التوجه التدريجي لمجلس الأمن نحو اعتبار الجزائر طرفاً رئيسيا في النزاع، وكذلك في التشديد على ضرورة أن تتسم العملية السياسية بالواقعية وأن تكون مبنية على مبدأ التوافق بين أطراف النزاع. وهو ما يعتبر في حد ذاته تحولاً نوعياً يخدم الموقف المغربي. وقد ترجم ذلك على أرض الواقع من خلال اعتماد القرار 2440 في شهر أكتوبر 2018.
ويمكن القول إن هناك ما قبل وبعد هذا القرار. فقبل هذا القرار، لم يكن هناك أي مؤشر أو لغة توحي بأي شكل من الأشكال بأن مجلس الأمن يعتبر الجزائر طرفاً رئيسيا في النزاع. غير أنه منذ اعتماد القرار 2440، مرورا بالقرار 2460 والقرار 2494، وباقي القرارات، وصولاً إلى القرار 2703، هناك توجه واضح من مجلس الأمن للإقرار بمسؤولية الجزائر في النزاع وبضرورة اضطلاعها بالدور المنوط بها للتوصل لحل نهائي، سياسي وواقعي ومبني على مبدأ التوافق.
وقد نجح المغرب بشكل تدريجي في إقناع أعضاء مجلس الأمن بضرورة الإشارة إلى الجزائر في القرارات التي اعتمدها منذ أكتوبر 2018.
فبعدما تم ذكر الجزائر ثلاث مرات في القرار 2440 (2018)، تم ذكرها خمس مرات في كل القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن على مدى السنوات الست الماضية انتهاء بالقرار 2703، وهو ما يحمل دلالة سياسية كبيرة، وينم عن نية مجلس الأمن في اعتبار الجزائر طرفاً رئيسيا في النزاع.
أكثر من هذا، تذكر هذه القرارات الجزائر نفس عدد المرات تقريبا التي ذكر فيها المغرب، وهو المعطى الجديد الذي لا يخلو من دلالة سياسية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تلك القرارات كرست الموائد المستديرة لجنيف التي انطلقت في شهر ديسمبر 2018 على أنها الإطار المؤسسي التي تسعى الأمم المتحدة لاستعماله لإطلاق مفاوضات جادة تفضي إلى حل سياسي للنزاع.
كما أكدت لغة تلك القرارات التوجه الذي أظهره مجلس الأمن منذ اعتماد القرار 2440 حول ضرورة أن تتحلى أطراف النزاع بالواقعية والبراغماتية من أجل التوصل لحل سياسي واقعي مبني على أساس التوافق.
وقد أصبح التوافق أساس العملية السياسية، حيث تم التأكيد عليه ثلاث مرات في كل القرارات التي اعتمدها مجلس الأمن منذ عام 2018. وحتى نعي أهمية حتى التحول التدريجي في لغة قرارات مجلس الأمن، أذكر أن القرارات التي تم اعتمادها خلال الفترة ما بين 2008 و2017 لم تشر إلى مبدأ التوافق إلا مرة واحدة، بينما لم تتم الإشارة إلى هذا المبدأ في القرارين 1754 و1783 اللذين تم اعتمادها على التوالي في شهري أبريل وأكتوبر 2007.
إن اللغة التي تبناها مجلس الأمن منذ عام 2018 تتوافق مع الموقف الحازم للمغرب، الذي دعا الأمم المتحدة باستمرار إلى القطيعة مع جمودها والاعتراف بالدور الأساسي للجزائر في الصراع ومسؤوليتها في القيام بواجبها من أجل التوصل لحل سياسي يحفظ مصالح كل الأطراف ويضمن أمن واستقرار المنطقة بأسرها.
وتشكل هذه القرارات قطيعة مع الرواية الجزائرية القائلة بأنها ليست طرفاً في النزاع، وأنها تدعم البوليساريو انسجاماً مع دعمها لحق الشعوب في تقرير المصير. فمن خلال مشاركة الجزائر في الموائد المستديرة، فقد ضرب المغرب عصفورين بحجر واحد: من جهة في إثبات الدور المحوري للجزائر في إطالة أمد النزاع وبالتالي مسؤوليتها في المساعدة على حله.
ومن جهة أخرى، نجح في تفادي الدخول في مفاوضات مباشرة مع البوليساريو، ومن تم منعها من الحصول على الشرعية باعتبارها المخاطب الرئيسي للمغرب في هذا النزاع.
فلطالما طعن المغرب في مشروعية البوليساريو وأكد أنه لا يمثل إلا الصحراويين المتواجدين في مخيمات تندوف، ولا يمثل الصحراويون الوحدويون المقتنعون بمخطط الحكم الذاتي المغربي والذين يشاركون في تدبير شؤون المنطقة.
بالإضافة إلى هذه المراحل التي قطعها ملف الصحراء في عهد الملك محمد السادس، يمكن القول إن المغرب حقق ثلاث اختراقات دبلوماسية حاسمة في ملف الصحراء خلال الخمس وعشرين سنة الماضية، وهي:
-1 الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء: بموازاة مع المكتسبات التي حققها المغرب على المستوى متعدد الأطراف داخل الأمم المتحدة، فإن أهم اختراق دبلوماسي حققه كان الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وبكون مخطط الحكم الذاتي المغربي يعتبر الأساس الوحيد الذي يمكن البناء عليه للتوصل لحل سياسي.
شكل ذلك القرار زلزالاً دبلوماسيا في الجزائر وفي صفوف الدول القيللة الداعمة لها وللجبهة الانفصالية. فمنذ اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو عام 1991 مرورا بمخطط جيمس بيكر الأول والثاني عامي 2001 و2003 ووصولا إلى انطلاق العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة منذ عام 2007، حرصت الجزائر على التأثير على الرأي العام الأمريكي وعلى صناع القرار سواء تعلق الأمر بالكونغرس أو بالإدارات الأمريكية المتعاقبة من أجل حشد الدعم للأطروحة الانفصالية وتفادي انحياز أمريكا لصالح المغرب.
فالجزائر كانت على علم أنه، ومنذ عام 1975، كانت الولايات المتحدة الأمريكية من بين الدول التي تدعم المغرب في ملف الصحراء. وحتى ولو أنها لم تقدم له دعماً علنيا وعملت على إعطاء الانطباع على أنها تحاول أخذ العصى من الوسط، إلا أنها حرصت دائماً على عدم وقوع أي تطور في الملف من شأنه أن يعصف بمصالح المغرب وبوحدته الترابية.
ولعل هذا هو السبب الذي دفع بالجزائر للتعاقد منذ عام 1997 مع شركة العلاقات العامة Foley Hoag، التي عملت لثلاثة عقود لحشد الدعم الأمريكي لصالح الموقف الجزائري أو على الأقل الحيلولة دون تقديم الولايات المتحدة لدعم صريح للمغرب، ناهيك عن شركة Kenne Consulting التي يملكها ديفيد كين، أحد المقربين من مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون.
إلا أن قرار ترامب ضرب بعرض الحائط كل تلك الجهود الجزائرية وأصاب الدبلوماسية الجزائرية في مقتل، سيما وأنها تعلم أن الولايات المتحدة هي حاملة القلم في قرارات مجلس الامن وأن من شأن قرارها الاعتراف بمغربية الصحراء أن يدفع دولاً أخرى إلى الحدو حدوها.
ولعل ما زاد الطينة بلة بالنسبة للنظام الجزائري، هو أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تقدم على أي قرار من شأنه أن يشكك في القيمة السياسية والدبلوماسية للقرار الأمريكي.
فعلى الرغم من أن الإدارة الامريكية الحالية لم تتخذ أية خطوة عملية إضافية من شأنها تعزيز الموقف المغربي، إلا أنها لم تتراجع عن قرار الرئيس ترامب، الذي أصبح قراراً يعكس بشكل السياسة الأمريكية تجاه النزاع منذ شهر ديسمبر 2020، وهو ما أكدته السفيرة الأمريكية لدى الجزائر إليزابيت مور، في حوار أجرته مع أحد المنابر الجزائر في وقت سابق من هذا الشهر (يوليوز 2024).
-2 إقرار إسبانيا بأن مخطط الحكم الذاتي يعتبر أساس التوصل لحل سياسي: يعتبر قرار رئيس الوزراء الاسباني، بيدرو سانشيز، في شهر مارس 2022 التأكيد على أن مخطط الحكم الذاتي المغربي يعتبر أساس التوصل لحل سياسي، اختراقاً دبلوماسياً كبيراً ينضاف إلى المكتسبات التي حققها المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس.
من الناحية الرمزية، بل وحتى السياسية، يمكن اعتبار الموقف الاسباني ذا أهمية أكبر من الموقف الأمريكي، سيما إذا أخذنا في عين الاعتبار الدور التاريخي لإسبانيا، إلى جانب فرنسا، في خلق هذا الملف وإطالة أمده، وكذلك الموقف المتذبذب والضبابي- في بعض الأحيان الذي عبرت عنه الحكومات التي تعاقبت على حكم إسبانيا منذ عام 1978 حتى بداية الألفية الثالثة، وكذلك الدعم الذي تحظى به الأطروحة الانفصالية في صفوف فئات عريضة من الرأي العام الاسباني ووسائل الإعلام والطبقة المثقفة في الجار الشمالي للمغرب.
وتكمن أهمية الموقف الاسباني في أنه سيجعل فرنسا تحت الضغط لاتخاذ موقف مماثل لجارتها الجنوبية إن هي أرادت الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المغرب على المديين المتوسط والبعيد، سيما وأنها تتحمل المسؤولية الرئيسية في خلق هذا النزاع. كما من شأن الموقف الاسباني أن يدفع دولاً أوروبية أخرى إلى تقديم دعم تدريجي للموقف المغربي.
-3 رجوع المغرب للاتحاد الافريقي: إذا كان التحول الجوهري الذي عرفه النقاش بخصوص الصحراء داخل مجلس الأمن والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والدعم الاسباني للموقف المغربي قد ساهم إلى حد كبير في ترجيح كفة المغرب بشكل حاسم لصالح المغرب وفي إقبار مخطط الجزائر بناء دويلة مستقلة جنوب المغرب، فإن قرار الرباط الرجوع للاتحاد الافريقي كان بمثابة ضربة مدوية أدت إلى إضعاف الدبلوماسية الجزائرية وحدث من قدرتها على إلحاق الأذى بالمصالح الاستراتيجية للمغرب.
لقد كان رجوع المغرب للاتحاد الافريقي من بين الأهداف التي عمل الملك محمد السادس على تحقيقها منذ أكثر من عقد الزمن، سيما وأن الجزائر استغلت غياب المغرب عن المنظمة للتأثير على توجهاتها واستعمالها كورقة للضغط على المغرب بخصوص قضية الصحراء، خاصةً وأن الجمهورية الوهمية التندوفية تعتبر عضواً في الاتحاد الافريقي.
ويكمن أحد الأهداف الرئيسية للمغرب من رجوعه لهذه المنظمة في طرد هذه “الجمهورية” من الاتحاد الافريقي، ومن تم الإجهاز على آمال الجزائر في بناء دويلة مستقلة جنوب المغرب. ومنذ رجوع المغرب إلى الاتحاد الافريقي، بدأت الجزائر تفقد بريقها الدبلوماسي وريادتها الدبلوماسية في المنظمة لصالح المغرب. وقد ظهرت بوادر فقدان الجزائر لريادتها منذ الأيام الأولى التي سبقت رجوع المغرب للمنطقة، حيث قامت 28 دولة عضو بتوجيه ملتمس لرئيس الاتحاد الافريقي من أجل تجميد عضوية الجمهورية التندوفية.
إن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على أن موازين القوى في القارة الافريقية بدأت تتغير وتؤول تدريجيا لصالح المغرب. وبدأت معالم هذا التغير تظهر بشكل أكثر وضوخ منذ رجوع المغرب للاتحاد الافريقي قبل سبع سنوات، والتي سبقتها جهود غير مسبوقة لتهيئة الظروف المناسبة لرجوعه إلى هذه المنظمة الإقليمية.
فإذا قمنا بتحليل الحصيلة السياسية والدبلوماسية والنتائج التي حصدها المغرب على مدى السنوات السبع الماضية، فسيظهر أنها إيجابية بكل المقاييس، وتظهر أن قرار عودة المغرب لعائلته الافريقية كان صائباً، ويمكن اعتباره من بين أهم القرارات السياسية التي تم اتخاذها في حكم الملك محمد السادس. فما كان المغرب لينجح في تحييد تأثير الاتحاد الافريقي على نزاع الصحراء المغربية لولا رجوعه للاتحاد الافريقي.
إن حالة الهستيريا التي تعيشها الساحة الإعلامية الجزائرية في الآونة الأخيرة، والهجمات المتكررة التي يتعرض لها المغرب، تعكس حالة التذمر والغبن التي يعيشها النظام الجزائري جراء النكسات الدبلوماسية التي ألحقها بها المغرب خلال السنوات السبعة الماضية.
علينا وضع هذه الاستفزازات في سياقها الإقليمي والدولي. فقد جاءت بعدما نجح المغرب في تحجيم دور الجزائر في القارة الافريقية، وفي إبطال مفعول كل الدسائس التي حاكتها لما يناهز أربعة عقود، حينما كان المغرب غائباً عن منظمة الوحدة الافريقية والاتحاد الافريقي.
فبعد عودة المغرب إلى الاتحاد الافريقي، بدأ يلعب في ملعب الجزائر والبوليساريو وفي تفكيك محور أبوجا-الجزائر-بريتوريا. ولم يعد يكتفي بالدعم الذي تقدمه الدول الصديقة في غرب افريقيا، بل بدأ يتحرك لكسب الدول المتواجدة في شرق وجنوب افريقيا. وأهم تلك النجاحات كان هو إقناع نيجيريا وإثيوبيا بالالتزام بالحياد الإيجابي بخصوص ملف الصحراء.
فبعد رجوع المغرب إلى عائلته الافريقية، رأى النظام الجزائري كيف أنه في ظرف وجيز لم يستطع المغرب إبطال مفعول السياسة العدائية التي نهجتها الجزائر ضد في القارة الافريقية وتحييد التأثير الجزائري على الاتحاد الافريقي وحرمانها من هذه الورقة فقط، بل استطاع في وقت وجيز الإجهاز على كل ما حققته لعقود.
لعل خير دليل على ذلك، الشراكة التي أسسها المغرب مع نيجيريا منذ ما يزيد عن ثمان سنوات، وهي الدولة التي كانت تعول عليها الجزائر منذ عام 1984 للضغط على المغرب وإضعاف حظوظه في الحفاظ على وحدته الترابية.
فقبل عودة المغرب للاتحاد الافريقي، عول النظام الجزائري على محور الجزائر-أبوجا-بريتوريا لفرض أجندته في الاتحاد الافريقي، وتحديد توجهات هذه المنظمة بخصوص العديد من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.
وكنتيجة لسيطرتها على دواليب الاتحاد الافريقي وعلى صناعة القرار داخله، استطاعت الجزائر في شهر يونيو عام 2014 خلق منصب المبعوث الخاص للاتحاد الافريقي المعني بالصحراء، وكلفت الرئيس السابق للموزمبيق، خواكيم شيصانو، بهذه المهمة.
منذ تلك اللحظة وحتى عام 2017، لم يذّخر هذا الأخير جهداً للتأكيد على أهمية لعب الاتحاد الافريقي لدور رئيسي في إنهاء النزاع بما يتماشى مع الأجندة الجزائرية. كما استعمل قضية حقوق الانسان للضغط على المغرب أمام الأمم المتحدة، وحاول تقديم العديد من الإحاطات لمجلس الأمن بهذا الخصوص، إلا أن المغرب أفشل مخططات،.
ولم يعد لهذا المبعوث أي دور يذكر، خاصةً بعد القمة التي عقدت في موريتانيا في يوليو 2018، والتي أقرّت بشكل صريح أن قضية الصحراء المغربية تدخل في إطار الاختصاص الحصري للأمم المتحدة، التي عليها السهر على مساعدة الأطراف على التوصل لحل سياسي متوافق عليه ومبني على التوافق. وقد كان ذلك القرار بداية لسلسلة من اللكمات التي راح المغرب يوجهها بشكل تدريجي للجزائر.
أكثر من ذلك، استطاع المغرب تعزيز علاقاته السياسية والاقتصادية مع نيجيريا. وشكلت الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لنيجيريا في شهر ديسمبر 2016 والزيارة التي قام بها الرئيس النيجيري محمد بوهاري للمغرب في شهر يونيو 2018، نقطة انطلاقة لصفحة جدية في العلاقات بين البلدين.
ففي ظرف وجيز، وبفضل السياسة المدروسة التي نهجها المغرب منذ ما يزيد عن عقد الزمن، استطاع كسب ود وثقة نيجيريا، وتمت ترجمة تلك الثقة في خط أنبوب الغاز الذي سيتم بناؤه بين البلدين، والذي سيغيّر موازين القوى في المستقبل.
من تجليات التقارب بين البلدين، أن نيجيريا- التي كانت من بين الدول التي لم تفوّت أية فرصة للدفاع عن البوليساريو في الأمم المتحدة- لم تعد تتطرق لهذا الموضوع خلال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2016.
وتعتبر نتائج الاجتماع الخامس والأربعين للمجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي الذي عقد في العاصمة الغانية أكرا يومي 18 و19 يوليوز 2024، امتدادً للزخم الدبلوماسي الذي حققه المغرب في السنوات القليلة الماضية، ذلك أنه استطاع إقناع 52 من الدول الأعضاء الأربعة وخمسون في المنظمة التصويت على قرار ينص على حرمان الجبهة الانفصالية من المشاركة في كل الاجتماعات الثنائية التي يعقدها الاتحاد الافريقي مع شركائه الدوليين.
ومن جهة أخرى، انخفض عدد الدول الافريقية التي كانت تعترف “بالجمهورية” التندوفية، حيث لم يعد يتعدى 16 دولة بعدما تجاوز هذا العدد في وقت سابق أكثر من 30 بلداً افريقيا. أضف إلى ذلك أن المغرب بدأ ينهج دبلوماسية القنصليات، حيث إن 28 دولة فتحت لحد الآن قنصليات لها في مدينتي العيون والداخلة في الصحراء، بما في ذلك 22 دولة افريقية.
أكثر من ذلك، من بين البلدان التي فتحت قنصليات هناك دول كانت تجمعها في السابق علاقات دبلوماسية مع “الجمهورية” التندوفية. وتعلم الجزائر أن هذه التطورات لا تعدو أن تكون خطوات أولية، وأن دولاً إفريقية أخرى ستقوم بفتح قنصليات لها في الصحراء، وستقضي على وهم الدولة التي تسعى الجزائر لإنشائها في جنوب المغرب.
كما تعلم أن مسألة طرد البوليساريو من الاتحاد الأفريقي لم تعد إلا مسألة وقت، وأن قوانين اللعبة السياسية في الاتحاد الافريقي قد تغيرت وبدأت تؤول تدريجيا لصالح المغرب.
وقد كان واضحاً امتعاض الجزائر من الاختراقات التي حققها المغرب بخصوص الصحراء وحسرتها على فقدان ريادتها القارية من خلال البيان الذي تلاه وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، عقب اعتماد المجلس التنفيذي للاتحاد الافريقي لقرار منع الجمهورية التندوفية من المشاركة في الاجتماعات الدولية للاتحاد الافريقي.
كل هذه الاختراقات الدبلوماسية التي حققها المغرب أصابت الجزائر بنوع من الجنون والغبن، ومن تم جنحت لاستفزاز المغرب وإطلاق حملة إعلامية مسعورة ضده في محاولة منهما لتأجيج النزاع في المنطقة ونسف النجاحات المغربية.
فالجزائر تعي أن الوقت يلعب لصالح المغرب وأن هذا الأخير ماض في تثبيت سيادته على الصحراء وأن تنامي الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على الصحراء- خاصة بعد الاعتراف الأمريكي والدعم الصريح لإسبانيا- يعني بداية تشكيل إجماع دولي حول مشروعية الموقف المغربي وأن البوليساريو فقدت مشروعيتها.