رسالة معايدة وشيك ضخم.. علاقة ترامب بجيفري إبستين وفضائحه

منذ أسابيع، وجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه وسط جدل سياسي وإعلامي جديد، هذه المرة مرتبطاً بملف قديم مرتبط بجيفري إبستين، الذي ارتبط اسمه بفضائح الاستغلال الجنسي للقاصرات، وهي القضية التي لم تختفِ بوفاته في السجن عام 2019، بل عادت إلى الواجهة مؤخراً مع نشر وثائق ورسائل يقال إنها تحمل توقيع ترامب، لتضع الرئيس مرة أخرى في قلب عاصفة من الاتهامات.
من هو جيفري إبستين؟
كان جيفري إبستين رجل أعمال ومليارديراً أميركياً معروفاً بعلاقاته الواسعة مع السياسيين والنجوم، وُلد في نيويورك عام 1953، واشتغل في مجالات التدريس والاستثمار المصرفي قبل أن يراكم ثروة كبيرة، وكان قربه من ترامب واضحاً لسنوات، إذ وصفه الأخير في إحدى المناسبات بأنه “رجل رائع”.
لكن خلف هذه الصورة الاجتماعية اللامعة، كان إبستين يدير شبكة سرية للاستغلال الجنسي، فقد انطلقت التحقيقات عام 2005 عندما لاحظت الشرطة تردد فتيات قاصرات على منزله في فلوريدا، واتُّهم أول مرة باستغلال فتاة لم تتجاوز 14 عاماً، غير أن نفوذه الكبير ساعده على التوصل إلى اتفاق قضائي مخفف عام 2008.
الاتفاق المثير للجدل، الذي صادق عليه المدعي العام في فلوريدا آنذاك ألكسندر كوستا، منح إبستين حكما مخففا قضى بموجبه 13 شهرا فقط خلف القضبان، مع السماح له بمغادرة السجن عدة ساعات يومياً، غير أن هذا “التراخي” أثار لاحقا انتقادات واسعة، وأجبر كوستا على الاستقالة من منصبه كوزير في إدارة ترامب.
هذا الأمر دفع المدعين الفدراليين إلى إعادة فتح الملف عام 2019، واتهام إبستين بإدارة شبكة اتجار جنسي بالقاصرات تصل عقوبتها إلى 45 سنة سجناً، ما أدى إلى اعتقاله في نيوجيرسي وإيداعه في سجن مانهاتن بتهم إدارة شبكة للدعارة، واستغلال منازله وجزيرة كان يملكها لارتكاب جرائم جنسية ضد فتيات قاصرات (يتراوح سنهن ما بين 13 إلى 17 سنة) وتجنيد أخريات لتوسيع شبكته.
لكن قبل مثوله للمحاكمة، عُثر على إبستين ميتا في زنزانته في غشت 2019، حيث أعلنت الشرطة أنه انتحر، بينما انتشرت روايات أخرى تتحدث عن احتمال اغتياله للتغطية على تورط شخصيات نافذة في قضاياه، ليبقى اسمه منذ ذلك الحين، مثيرا للجدل في الإعلام والسياسة الأميركية.
قصته مع ترامب
بدأت القصة بعدما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” في يوليوز الماضي عن رسالة تُعد جزءا من كتاب أعدته الناشطة الاجتماعية البريطانية غيسلين ماكسويل، التي كانت مقربة من جيفري إبستين، بمناسبة عيد ميلاد هذا الأخير الخمسين عام 2003، والذي جمع رسائل من أصدقاء مقربين، ويُفترض أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أرسل هذه الرسالة إلى إبستين في تلك المناسبة.
وتضمنت الرسالة رسما لامرأة عارية وإشارة إلى سر مشترك بين إبستين وترامب، وتنتهي بعبارة: “عيد ميلاد سعيد، وليكن كل يوم سرا رائعا جديدا”، مع توقيع وُضع أسفل خصر المرأة.
كما حملت الرسالة نصا حواريا مكتوبا على الرسم التخطيطي للجسد، يُفترض أن دونالد ترامب قال فيه: “لدينا بعض الأمور المشتركة، يا جيفري”، ليجيبه إبستين: “صحيح، الآن وقد فكرت في ذلك”.
وتستمر الرسالة في نص الحوار، حيث يقول ترامب: “الألغاز لا تشيخ أبداً، هل لاحظت ذلك؟”، فيرد إبستين: “بالطبع، كان واضحاً بالنسبة لي في آخر مرة رأيتك فيها”.
لكن القضية لم تتوقف عند الرسالة فحسب، فقد نشر ديمقراطيون، صورة لإبستين مع أشخاص يحملون شيكا ضخما بقيمة 22 ألفا و500 دولار عليه اسم دونالد ترامب، وأشار النص المرفق إلى “بيع” امرأة “بسعر زهيد إلى دونالد ترامب”.
وفي تعليقها عن هذه الصورة، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت “هل رأيتم التوقيع على هذا الشيك؟”، مؤكدة “هذا ليس توقيع دونالد ترامب، بالتأكيد لا، الرئيس لم يوقع هذا الشيك”.
نفي التهم ولجوء للقضاء
وفي أول تعليق له حول الاتهامات الموجهة له، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن التوقيع الممهور على رسالة المعايدة التي يُعتقد أنه أرسلها في 2003 إلى رجل الأعمال الراحل جيفري إبستين، أكد أنه “ليس توقيعي”.
وقال ترامب للصحافيين خارج أحد مطاعم واشنطن “هذا ليس توقيعي ولا هذه طريقتي في الكلام، كل من يتابعني منذ فترة طويلة يعرف أن هذه ليست طريقتي في التعبير، هذا سخيف”.
وذهب ترامب أبعد من ذلك، حيث رفع دعوى قضائية بقيمة 10 مليارات دولار ضد صحيفة “وول ستريت جورنال” لنشرها الرسالة.
وقبل ذلك، كان البيت الأبيض قد أعلن أنه يؤيد الاستعانة بخبراء خط اليد لدحض التواقيع المنسوبة إلى الرئيس في هذه القضية التي تسبب إحراجا كبيرا للإدارة الجمهورية.
وفي ردها عن سؤال بشأن إمكانية الاستعانة بخبراء خط اليد، كانت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت قد قالت “بالطبع سنؤيد ذلك”، وشددت على أن “توقيع الرئيس هو واحد من أشهر التوقيعات في العالم، والأمر على هذا النحو منذ سنوات عدة”.
وتابعت “لم يكتب الرئيس هذه الرسالة، هو لم يوقع هذه الرسالة”، وأضافت “هذا هو السبب الذي دفع فريقه القانوني لمقاضاة صحيفة وول ستريت جورنال”، لافتة إلى أن “المعركة القضائية ستستمر”.
وكان دونالد ترمب، قد قال لمجلة “نيويورك” عام 2002 “لقد عرفت جيف منذ 15 عاماً، إنه رجل رائع.. إنه أمر ممتع للغاية أن أكون معه.. ويقال إنه يحب النساء الجميلات بقدر ما أحب، والعديد منهن صغيرات في السن.. إنه يستمتع بحياته الاجتماعية”.
وبعد أنباء اعتقاله، قال ترمب إنه نأى بنفسه عن إبستين في السنوات الأخيرة، مضيفا “لقد تشاجرت معه، لم أتحدث معه منذ 15 عاماً.. لم أكن من المعجبين به، هذا ما يمكنني قوله”، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”.
وتستمر التوترات داخل الكونغرس الأمريكي حول قضية إبستين، وسط دعوات من النواب وناشطات حقوقيات بالكشف عن أسماء جميع المتورطين، بينما يرفض البيت الأبيض وعدد من قيادات الحزب الجمهوري ذلك لتجنب التشهير بأشخاص أبرياء.
وتبقى قضية إبستين مصدراً للضغط السياسي والقانوني على ترامب، مع استمرار مطالبات الناجيات ومؤسسات حقوق الإنسان بضمان العدالة للضحايا.
وقد يبدو هذا القلق من انكشاف صلات شخصيات نافذة بشبكة جيفري إبستين للاستغلال الجنسي للقاصرات مبررًا، خاصة بعدما تم يوم الخميس 11 شتنبر 2025، إقالة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، للسفير البريطاني لدى الولايات المتحدة بيتر ماندلسون بعد أن كشفت مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني عن علاقة وثيقة ربطته بإبستين.
وقالت الخارجية البريطانية في بيان إن رسائل البريد الإلكتروني بين الدبلوماسي المخضرم البالغ 71 عاما ورجل الأعمال الأميركي التي كشف عنها هذا الأسبوع “تظهر أن عمق ونطاق علاقة بيتر ماندلسون مع جيفري إبستين يختلفان كليا عما كان معروفا في وقت تعيينه”.
وأضافت أنه “في ضوء ذلك، واحتراما لضحايا جرائم إبستين، فقد تمت إقالته من منصب السفير بأثر فوري”.