خبراء يحذرون.. “مدارس الريادة”: تضخيم للنتائج وتفاوتات تهدد مبدأ الإنصاف

عبّر الخبير التربوي ورئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم، عبد الناصر الناجي، عن تحفظات كثيرة بشأن نجاعة السياسات المعتمدة بقطاع التربية والتكوين، وعلى رأسها برنامج “مدارس الريادة”، التي اعتبرها رئيس الحكومة عزيز أخنوش أنها تؤثر بشكل إيجابي على المكتسبات التعليمية للتلاميذ.
وأبرز الناجي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن مشروع “مدارس الريادة” الذي يُعوَّل عليه لإنقاذ المدرسة العمومية، لن يعمم إلا على نصف المؤسسات الابتدائية، فيما لن يبدأ تعميمه على الإعدادي إلا السنة المقبلة، وهي السنة الأخيرة في عمر الحكومة الحالية.
وسجل المتحدث أن نسبة كبيرة من الهدر المدرسي تحدث على مستوى التعليم الإعدادي، “وهو الأمر الذي يقلّص من إمكانية التأثير الفعلي لمشروع الريادة على المؤشرات العامة”.
وفي هذا السياق، وجّه الخبير التربوي ثلاث ملاحظات أساسية حول مدارس الريادة، حيث اعتبر أن الحكومة ووزارة التربية الوطنية “تعتمدان لغة تقنية مبهمة للمواطن العادي، وتعمدان إلى تضخيم التقدم الحاصل في نتائج التلاميذ”.
وأوضح أن التحسن الحقيقي لا يتعدى نقطة واحدة من عشرة، أي أن المعدل انتقل من 4/10 إلى 5/10، وهو ما لا يرقى لأن يُوصف بالتحسن الكبير أو “الأفضل على مستوى العالم” كما يتم التصريح به.
وشدد المتحدث على أن الحكومة لا تريد الاعتراف بالحقيقة التي أكدها تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، وهي أن التحسن المسجل في التحصيل الدراسي يعود فقط إلى الدعم التربوي الإضافي، وليس إلى النموذج البيداغوجي نفسه.
ولفت إلى أن هذا الأمر شبيه بما حدث مع مشروع “مدرسة النجاح” في عهد الوزير أحمد أخشيشن، والذي عرف بداية قوية أيضًا، دون أن يحظى آنذاك بنفس “الحملة التسويقية” التي تُمنح اليوم لمدارس الريادة.
وانتقد الناجي ما سماه بـ”الحديث غير الدقيق” عن أن معهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) قام بتقييم مؤسسات الريادة وأقرّ بتميزها، مؤكّدًا أن “الأمر يتعلق فقط بدراسة أنجزها أربعة باحثين، لا تمثل المؤسسة التي ينتمون إليها”، كما أنها لم تُنشر بعد في أي مجلة علمية مفهرسة، وبالتالي لا يمكن اعتمادها كمرجعية علمية موثوقة في تقييم المشروع.
من جانبه، حذر الأستاذ الجامعي والخبير في السياسات التربوية، حسين زهيدي، من اختزال إصلاح المنظومة التعليمية في المغرب داخل نموذج “المدارس الرائدة”، معتبراً أن هذا التوجه يُفرغ الإصلاح من شموليته ويكرّس ما وصفه بـ”تجزيء الجهود”، بدل التأسيس لرؤية وطنية موحدة وشاملة.
وأوضح زهيدي أن هذه الملاحظة لا تخرج عما عبّر عنه المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في رأيه حول التقييم الخارجي للمرحلة التجريبية لهذا المشروع، حيث تضمّن التقرير مجموعة من الملاحظات الجوهرية التي تفرض التعاطي مع المشروع بقدر كبير من الحذر والموضوعية.
وأكد الخبير أن تقييم المجلس الأعلى كشف وجود تفاوتات ملحوظة في أداء المؤسسات بين مختلف الجهات، مستدلًا بتسجيل جهات نقاط أعلى بكثير من التي سجلتها جهات أخرى، معتبرا في الوقت ذاته، أن ذلك يُضعف من إمكانية تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.
ومن منطلق تخصصه التربوي، أبدى زهيدي قلقه من المنهجية التدريجية المعتمدة في تعميم المشروع إلى حدود سنة 2027، محذّرا من أن هذه المقاربة قد تنتج “تفاوتات عميقة بين الأجيال”.
وانتقد، في السياق ذاته، التفاوت في المستويات التعليمية، مبرزا أنه “في حين أن بعض التلاميذ لن يستفيدوا إطلاقًا من هذا النموذج، سيستفيد آخرون جزئيًا، وقلة فقط ستحظى بفوائده الكاملة، وهو ما من شأنه تعميق الفجوة بين الفئات التعليمية”.
ومن جانب آخر، أشار المتحدث إلى أن تداعيات جائحة كورونا ما تزال حاضرة، خاصة بعد الإغلاق العام للمدارس، حيث لم تُعالج بعد الاختلالات التي رافقت التعليم عن بُعد، مسجلا غياب تقييم شامل لتلك الفترة، وغياب خطة واضحة لمعالجة تفاوتات الولوج إلى الموارد التعليمية، وهو ما يجعل أي نموذج جديد عرضة لتوسيع الفوارق بدل تجاوزها.
وخلص زهيدي إلى التنبيه للخطر المحدق بمستقبل آلاف التلاميذ المغاربة، قائلاً إن الحديث عن هذه التحديات لا ينبع من تشاؤم أو رغبة في التقويض، “بل من حرص على الإنصاف وتكافؤ الفرص”، حيث شدد على أن سوء تنزيل نموذج المدارس الرائدة قد يُفرز أعدادًا جديدة من المتعثرين دراسيًا.