تمرين ديموقراطي أخضر
انتخاب جواد الزيات رئيسا جديدا لنادي الرجاء الرياضي، لم يكن هو الحدث الأبرز في الجمع العام السنوي للنادي الذي انتهى حتى ساعة متأخرة من ليلة الإثنين 07 يوليوز 2025، لأن ذلك كان متوقعا بعد المشروع الذي جاء به الرئيس الأسبق والذي لاقى قبولا كبيرا في البيت الرجاوي، وبعد أن سرد الكثير من تفاصيله على وسائل الإعلام وشرح بالتدقيق كل خطواته.
الحدث الأبرز كان هو التمرين الديموقراطي النموذجي الذي نجح به الرجاء في تقديم نفسه كنادي مرجعي كان من غير المقبول بتاتا أن يخطئ موعده مع التاريخ في هذه المرحلة المفصلية.
شاهدنا قبل أسابيع تنافسا نزيها بالبرامج بين ثلاث مرشحين كلهم تعاقبوا على كرسي الرئاسة ويعرفون جيدا مكمن الداء الذي ينخر جسم الرجاء، وقدموا تصوراتهم ومقترحاتهم للمنخرطين من أجل أن يحظوا بثقتهم وأصواتهم. ولم يتم تسجيل أي تهجم لمرشح على آخر أو نعوت تتهم أحدا وتطعن في ذمته المالية، أو ظهرت ملامح مخطط لنسف الجمع العام، أو عرقلة أشغاله.
كان الصندوق الزجاجي والسبورة ولجنة التصويت والفرز هي الفيصل الذي أنهى هذا التنافس الراقي، والكثير من الهدوء والروح الإيجابية وتغليب مصلحة الرجاء على المصالح والمطامح الشخصية.
ورغم أن نتائج التصويت أفرزت جواد الزيات رئيسا، إلا أن شرف الفوز يقتسمه معه أيضا المرشحين الآخرين عبد الله بورواين وسعيد حسبان، لأنهما تنافسا بشكل حضاري وشريف حتى آخر لحظة، وقبلا الإحتكام إلى ما يقرره الصندوق الإنتخابي بدل البحث عن وسائل أخرى للفوز كما يفعل الكثيرون من الطامعين في تسيير أندية كرة القدم المغربية.
لم يكن الأمر مجرد جمع لتلاوة التقارير والتنازع عليها، بل كان لحظة فارقة لترسيخ مسار جديد يُراهَن عليه في إعادة هيكلة النادي إداريًا وماليًا، تمهيدًا للدخول الفعلي في مرحلة التسيير بالشكل الرياضي الحديث عبر الشركة الرياضية.
المرحلة المقبلة سيكون فيها الرئيس الجديد تحت المجهر، لمعرفة مدى التزامه بتنزيل كل الأمور التي وعد به رفقة فريقه التسييري، وأيضًا إلى أي حد سيُوفق الزيات والمستثمرون الجدد في تحويل الرجاء إلى نادٍ احترافي يعيش بمعايير التخطيط والحكامة والقرار العقلاني. فالتسيير الرياضي اليوم لم يعد يقبل الارتجال أو الخضوع للأمزجة، بل يستدعي وضوحًا في الرؤية ودقة في التنفيذ، خاصة في ظل الإكراهات المالية والرياضية التي تواجه النادي منذ سنوات.
نجاح جواد الزيات في المشروع الطموح الذي وعد به، سيبقى رهينًا أيضا بمدى قدرته على تدبير الجانب التقني بحنكة واحترافية. وهنا يبرز عنصر حاسم لا يمكن القفز عليه: وهو ضرورة تعيين مدير رياضي حقيقي، يتمتع بالكفاءة والخبرة، ويُمنَح صلاحيات واسعة للإشراف على الاختيارات التقنية، بالشكل الذي تعرفه الأندية المحترفة، بعيدًا عن التدخلات العاطفية والقرارات المتسرعة. فالمكتب المديري المقبل للرجاء مطالب بوضع مسافة بينه وبين مزاج الشارع الرجاوي، الذي يُبدي أحيانًا ردود فعل انفعالية قد تُربك المسار إذا لم يتم تدبيرها بكل الحكمة والصبر اللازمين.
الرئيس الزيات مطالب أيضا ببناء علاقة تواصلية واضحة مع الجمهور، تقوم على الصراحة وسرد الأهداف المسطرة، لإقناعه بمنح الفريق الوقت اللازم للتشكل والتجانس والعودة إلى هوية الرجاء المفقودة، بدل السقوط في فخ الإقالات السريعة أو الانتدابات الموسمية غير المدروسة.
إن تأسيس مرحلة احترافية حقيقية يبدأ من احترام ثقافة المشروع وبرامجه، لا مجاراة الأصوات المرتفعة من المدرجات التي لا تكون دائما من الصواب والحكمة في شيء.
انتخاب الزيات هو فقط خطوة أولى في طريق ما زال طويلاً… وتحدي بناء مؤسسة رياضية حقيقية سيبدأ الآن.