story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

خبير: الجفاف وتأخر الأمطار يجعلان الموسم الفلاحي الجديد الأكثر تعقيدًا في السنوات الأخيرة -حوار

ص ص

مع انطلاق الموسم الفلاحي الجديد، تتجدد المخاوف بشأن الوضعية المناخية والزراعية بالمغرب، إذ يعتبر الخبراء هذا الموسم من أكثر المواسم تعقيدًا خلال السنوات الأخيرة، نظرًا لاستمرار تأثير الجفاف وتأخر التساقطات المطرية في معظم جهات المملكة.

وتؤكد المعطيات الرسمية هذه المخاوف، حيث صرح وزير التجهيز والماء، نزار بركة، بأن الوضع المائي الذي يمر به المغرب “استثنائي”، مشيرًا إلى أن البلاد تواجه أزمة الجفاف للسنة السابعة على التوالي، مع نسبة عجز مائي مرتفعة.

وأوضح الوزير، في رده على أسئلة المستشارين البرلمانيين خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025، أن “واردات الماء خلال شهر شتنبر 2025 لم تتجاوز 160 مليون متر مكعب، بالرغم من تحسن نسبي في التساقطات خلال السنة الماضية، حيث بلغ متوسط التساقطات 142 ملم على الصعيد الوطني، وواردات بلغت 4.8 مليار متر مكعب، إلا أن العجز المائي لا يزال مرتفعًا بنسبة 58 في المائة”.

كما أشار إلى أن “نسبة ملء السدود لا تتجاوز حاليًا 32 في المائة، بعد أن كانت 40 في المائة في شهر ماي الماضي، بسبب متطلبات إمدادات الماء الصالح للشرب والزراعة”.

ولفهم أسباب هذا الموسم الفلاحي الصعب، وأبرز الزراعات المتأثرة والحلول الممكنة، استقت صحيفة “صوت المغرب” توضيحات الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ مصطفى بنرامل.

وفي الآتي نص الحوار:

  • كيف يمكن تقييم انطلاقة الموسم الفلاحي 2026_2027 في ظل الظروف المناخية الحالية وتأخر التساقطات المطرية بالمغرب؟

يُعد انطلاق الموسم الفلاحي 2026-2027 بالمغرب من أكثر المواسم تعقيداً خلال السنوات الأخيرة، بالنظر إلى استمرار تأثير الجفاف وتأخر التساقطات المطرية في معظم جهات المملكة، فقد سجلت المعطيات المناخية خلال بداية الموسم عجزاً واضحاً في كمية الأمطار مقارنة بالمعدلات السنوية المعتادة، مما انعكس سلباً على ظروف الزراعة، خاصة في المناطق البورية التي تعتمد كلياً على التساقطات المطرية،  هذا الوضع أدى إلى تأخر عمليات الحرث والبذر، وتراجع المساحات المزروعة بالحبوب، إلى جانب ضعف نمو المراعي الطبيعية، ما أثر بشكل مباشر على تغذية الماشية وارتفاع تكاليف الأعلاف.

في المقابل، ساهمت بعض التساقطات المحدودة التي عرفتها البلاد خلال شهري مارس وأبريل في تحسين طفيف للوضعية الفلاحية، خصوصاً في المناطق الشمالية والوسطى، حيث ساعدت على رفع رطوبة التربة وتحسين وضعية بعض المحاصيل الشتوية، كما استفاد القطاع الحيواني نسبياً من هذا التحسن، إذ ساعدت الأمطار على تجديد الغطاء النباتي في بعض المراعي، مما خفف جزئياً من الضغط على المربين، ومع ذلك، ما تزال السدود تعرف انخفاضاً مقلقاً في المخزون المائي، وهو ما يهدد استدامة عمليات الري في المناطق الفلاحية الكبرى، خصوصاً تلك التي تعتمد على الزراعات المسقية.

من جهة أخرى، تبذل الدولة مجهودات مهمة للتقليل من آثار الجفاف وضمان استقرار القطاع الفلاحي، من خلال دعم استيراد الحبوب والأعلاف، وتسريع وتيرة مشاريع تحلية مياه البحر وتوسيع شبكات الري بالتنقيط، إضافة إلى تحفيز المزارعين على اعتماد أصناف زراعية مقاومة للجفاف، غير أن هذه التدابير تظل محدودة التأثير على المدى القصير أمام واقع مناخي متقلب يفرض تحديات متزايدة على الفلاحين.

بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إن انطلاقة الموسم الفلاحي الحالي تبقى محتشمة ومقلقة، في ظل تأخر التساقطات المطرية واستمرار ضعف الموارد المائية، ورغم بعض المؤشرات الإيجابية المسجلة في مناطق محدودة، إلا أن الموسم يظل محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً إذا لم تتحسن الظروف المناخية خلال الأسابيع المقبلة، وفي غياب تساقطات منتظمة وكافية قبل نهاية الخريف، سيظل الإنتاج الفلاحي مرهوناً بمدى قدرة الفلاحين والدولة على التكيف مع هذه الوضعية من خلال تدبير رشيد للمياه وتوجيه الدعم نحو القطاعات والمناطق الأكثر تضرراً.

  • كيف يمكن لهذه الظروف المناخية أن تؤثر على بنية الإنتاج الزراعي بالمغرب؟

تؤثر الظروف المناخية الحالية، التي تتسم بقلة التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة، بشكل مباشر على الأنماط الزراعية بالمغرب، إذ تدفع نحو تغييرات تدريجية في بنية الإنتاج الفلاحي وتوزيعه الجغرافي، فمع توالي سنوات الجفاف، أصبح من الصعب الاعتماد على الزراعة البورية كما كان في السابق، خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية، مما أجبر العديد من الفلاحين على تقليص المساحات المزروعة بالحبوب واللجوء إلى محاصيل أقل استهلاكاً للماء أو إلى أنشطة فلاحية بديلة، هذا التحول يعكس انتقالاً بطيئاً من نموذج فلاحي تقليدي يعتمد على المطر إلى نموذج أكثر تكيفاً مع الندرة المائية.

كما أن الزراعات المسقية أصبحت تحت ضغط متزايد بسبب انخفاض المخزون المائي في السدود والموارد الجوفية، ما يفرض على الفلاحين تحسين طرق تدبير الماء عبر استعمال تقنيات الري الموضعي والتقنين في استعمال المياه، في المقابل، تشهد بعض المناطق الساحلية والجهات التي استفادت من مشاريع تحلية المياه واتساع شبكة الري بالتنقيط نوعاً من الاستقرار النسبي، مما يجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات الزراعية الحديثة، خاصة في إنتاج الخضر والفواكه الموجهة للتصدير.

  • ما هي التحولات في الدورة الزراعية والأنماط الفلاحية في المغرب نتيجة لتغير المناخ؟

تؤدي هذه الظروف إلى إعادة هيكلة الدورة الزراعية، حيث يتم تقليص الزراعات الموسمية قصيرة المدى لصالح الأشجار المثمرة المقاومة للجفاف مثل الزيتون واللوز والخروب، التي أثبتت قدرتها على التكيف مع تغير المناخ وتدر مردودية اقتصادية مهمة على المدى الطويل، وفي المقابل، قد تتراجع زراعة محاصيل العلف والحبوب في المناطق التي كانت تقليدياً تُعد خزّاناً للحبوب بالمملكة، مثل سايس وتادلة والغرب، مما يغيّر الخريطة الفلاحية الوطنية تدريجياً.

إضافة إلى ذلك، تفرض الظروف المناخية الحالية تحولاً اجتماعياً واقتصادياً في الوسط القروي، إذ تدفع العديد من الفلاحين الصغار إلى الهجرة نحو المدن أو إلى أنشطة غير فلاحية، نتيجة تراجع المردودية وارتفاع كلفة الإنتاج. وفي المقابل، قد تشهد الضيعات الكبرى والمؤسسات الفلاحية المهيكلة توسعاً في أنماط الزراعة العصرية والتكنولوجية، مما يزيد من الفوارق بين الفلاحة التقليدية والعصرية.

بشكل عام، يتجه المغرب نحو مرحلة جديدة في تاريخه الفلاحي، عنوانها التكيف مع الندرة المائية عبر اعتماد أنماط زراعية مستدامة، وتوجيه الإنتاج نحو محاصيل أكثر مرونة وربحية، مع ضرورة مواكبة ذلك بسياسات دعم وتكوين للفلاحين الصغار لضمان عدالة الانتقال نحو فلاحة أكثر صموداً أمام التغيرات المناخية.

  • ما هي التدابير المستعجلة اللازمة للتخفيف من آثار الجفاف والظواهر المناخية المتطرفة على القطاع الزراعي والفلاحي بالمغرب؟

تقتضي مواجهة آثار الجفاف واضطراب الأنماط المناخية المتطرفة بالمغرب اعتماد تدابير استعجالية شاملة تجمع بين الحلول التقنية والإدارية والاقتصادية، في المقام الأول، يبرز التدبير العقلاني للموارد المائية كأولوية قصوى، من خلال توسيع أنظمة الري الموضعي بالتنقيط، وتسريع مشاريع تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة في الري الفلاحي، كما ينبغي تعزيز صيانة شبكات الري الحالية لتقليل ضياع المياه وتحسين كفاءة استخدامها، إلى جانب تنظيم توزيعها بشكل منصف بين الجهات والقطاعات، بما يضمن استدامة الموارد على المدى المتوسط والطويل.

ثانياً، من الضروري توجيه الدعم الحكومي نحو الفلاحين الأكثر تضرراً، خاصة صغار المزارعين الذين يعتمدون على الزراعة البورية والمراعي الطبيعية، ويمكن أن يشمل هذا الدعم تمويل اقتناء الأعلاف المدعمة، وتقديم إعانات مباشرة لإعادة تهيئة الأراضي المتضررة، وتوفير قروض فلاحية مرنة بشروط تفضيلية، كما يمكن للدولة أن تُسرّع من تنفيذ برامج التأمين الفلاحي ضد الجفاف، وتوسيع نطاقه ليشمل مختلف السلاسل الإنتاجية، مما يمنح الفلاحين هامشاً من الأمان أمام التقلبات المناخية.

ثالثاً، يُعد التوجه نحو الزراعة الذكية مناخياً خياراً استراتيجياً، عبر تشجيع استعمال البذور المقاومة للجفاف والحرارة، واعتماد التقنيات الرقمية في تتبع حالة التربة والرطوبة والمناخ، مما يساعد على اتخاذ قرارات فلاحية دقيقة، كما ينبغي دعم البحث العلمي الزراعي لتطوير أصناف جديدة من النباتات تتلاءم مع الظروف البيئية المتغيرة، وتشجيع الابتكار في أنظمة تخزين المياه والطاقة المتجددة لخدمة القطاع الفلاحي.

رابعاً، يتطلب الوضع الحالي إعادة النظر في التخطيط الترابي للزراعة، من خلال توجيه بعض الزراعات المهددة بالجفاف إلى مناطق أكثر رطوبة، وتشجيع التحول نحو الأشجار المثمرة المقاومة للجفاف كالزيتون واللوز والخروب، وفي الوقت نفسه، يجب العمل على حماية المراعي الطبيعية وتثمينها عبر برامج تشجير منسقة ومحاربة التصحر، لما لذلك من أثر مباشر على تغذية الماشية واستدامة النشاط الرعوي.

أخيراً، تظل الحكامة المائية والتنسيق المؤسساتي عاملاً محورياً في إنجاح كل هذه الجهود، فالتحديات المناخية تتجاوز قدرات الفاعلين المحليين، مما يستدعي تنسيقاً فعالاً بين الوزارات المعنية، والجماعات الترابية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، كما يجب تعزيز الوعي البيئي لدى الفلاحين بأهمية الاقتصاد في الماء وتبني ممارسات فلاحية مستدامة، فالتخفيف من آثار الجفاف بالمغرب لن يتحقق فقط عبر حلول تقنية، بل عبر تحول ثقافي ومؤسساتي يجعل من التكيف المناخي أولوية وطنية شاملة.