الاحتباس الاجتماعي.. متى نغضب!!!؟

في خضم التحولات السياسية والاقتصادية التي يشهدها المغرب، يظل الاحتقان الاجتماعي المتنامي السمة المهيمنة على الوضع العام ، هذا الاخير اصبح محط تساؤلات ملحة ، اذ تثير السياسات الاجتماعية المتبعة من طرف الحكومة الحالية ، مشاعر متباينة بين الإحباط والغضب والأمل في تنزيل الوعود الانتخابية والحكومية . فإلى متى سيظل المواطن المغربي ينتظر انعطافة حقيقية ، أم ان حالة الانتظار ستطول في قاعة الترجي ؟ . ومتى يكون الغضب فعلا واعيا ومطلوبا لتكسير سكونية وجمود سمفونية الإنجاز الحكومي ؟
متى نرى ردما لهذه الهوة الاجتماعية التي تتسع رغم الإصلاحات الهيكلية والمشاريع التنموية التي أُطلقت منذ بداية الألفية الثالثة، اذ الفارق الاجتماعي بين فئات المجتمع يتسع بوتيرة مقلقة. و الملايين من المغاربة لازالوا يرزحون تحت وضع هش، فحياتهم تتسم بالبطالة، وتدني مستوى المعيشة، وصعوبة الوصول إلى خدمات أساسية كالصحة والتعليم والسكن اللائق جراء الانهيار الننهحي في القدرة الشرائية .
ويكفي النظر إلى التقارير الوطنية والدولية لرصد هذا التفاوت الفئوي الذي جعل الثروة تتمركز في يد قلة والنفوذ ياضخم في دائرة ضيقة ، بينما تعاني الأغلبية من التهميش. مان الرهان على التعليم لكن حوله التدبير الحكومي الى أزمة بنيوية ، بل جعله من بين أبرز المؤشرات التي تعكس الخلل الاجتماعي، فالنظام التعليمي المغربي يعاني من ضعف في الجودة نتيجة استمرار منطق التجريب وعدم احترام المقاربة الاستراتيجية والتهافت من احل قطف ثمار انتخابية في زمن الازهار، دنلهيم عن التفاوت الكبير بين التعليم العمومي والخصوصي بل ختى بين مؤسسات الريادة وغيرها وبين تلانيذ مؤسسات الريادة كذلك ، وهو الوضع الذي يُكرس الفوارق الطبقية منذ سن مبكرة.
المدرسة لم تعد تُحقق وظيفتها كآلية للارتقاء الاجتماعي، بل أضحت تعيد إنتاج الفقر والتهميش، وتغذي مشاعر الغبن واللاعدالة بين الشباب . ولعل التسرب المدرسي او ما يصطلح عليه الهدر المدرسي أضحى مدخلات للبطالة وفقدان الأمل ، لان التعليم هو الجسر الامن نحو سوق الشغل لكنه اصبح من أكثر القطاعات التي تكشف عمق الأزمة الاجتماعية. فمعدلات البطالة، خصوصًا في صفوف الشباب وحملة الشهادات العليا، بلغت مستويات مقلقة يمفي الاطلاع على تقارير المنذوبية السامية للتخطيط .
ونعتقد أن الأمر لا يعود الأمر فقط إلى ضعف فرص العمل، بل حقيقة إلى غياب رؤية اقتصادية مندمجة تحقق العدالة في توزيع النمو والثروة عمودين وأفقيا .
حالة التمايز هذه داخل المجتمع تخلق حالة من الإحباط الجماعي، وتدفع فئات واسعة إلى العزوف عن المشاركة السياسية والاجتماعية، أو حتى الهجرة نحو المجهول. المؤسف تحاه هذا الوضع أن تجد الحكومة تتبجح بمؤشرات إنجاز لا أثر على واقع الناس ، فالغلاء العام وغلاء المعيشة و تصاعد أسعار المواد الأساسية، وتجميد الأجور، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، كلها عوامل تدفع بالسكان إلى حافة الاحتباس الاجتماعي.
فبين وعود الإصلاح ومحاربة الريع، وبين الواقع الملموس الذي يشهد على تدهور الخدمات وتفشي الفساد والمحسوبية، يشعر المواطن المغربي بأن كرامته أصبحت على المحك. حتى الغضب عنده اصبح موضوع تساؤل وليس فقط سؤال : متى نغضب؟ وإن كنا نعتقد أن الغضب ليس فقط تعبيرًا عن سخط جماعي، وشكل من أشكال دق ناقوس الخطر وتصحيح المسار . بل قد يكون أيضًا ضرورة تاريخية لتصحيح منهجية التدبير الحكومي ورفع الوعي الجماهيري ، خصوصا حين تتحول المعاناة اليومية للمواطن إلى نمط حياة، ويصبح الصمت شكلًا من أشكال التواطؤ غير المقصود، فإن الغضب يصبح واجبًا مشروعا .
لكن هذا الغضب، حتى كون مثمرًا، يحتاج إلى وعي جماعي، وتنظيم مدني، وخطاب عقلاني يتجاوز العفوية والغوغائية، ليصير حافزًا حقيقيًا نحو بناء مجتمع عادل ومنصف ، فهل نتوفر على ادوات ممارسة الغضب العقلاتي من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني ؟ سؤال يجيب عليه واقع نسقنا السياسي والحزبي . ورغم ذلك اقول بأن الوضع الاجتماعي في المغرب يضع الجميع أمام مرآة الحقيقة: لا تنمية بدون عدالة، ولا استقرار بدون كرامة، ولا إصلاح بدون إشراك حقيقي للمواطن. فالسؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس فقط “متى نغضب؟”، بل أيضًا: “كيف نُحوّل هذا الغضب إلى قوة تغييرية بناءة لصالح الوطن والمواطنين أولا وأخيرا ؟”