فعلها مع بنكيران عام 2016.. هل يفجّر “صندوق التنمية” علاقة أخنوش بالفتيت؟
تضمّن مشروع القانون المالي المتعلق بسنة 2026، مقتضى ينص على إحياء الحساب الخصوصي ل”صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية”، والذي كان موضوع جدل كبير عام 2015، بعد إعلان رئيس الحكومة حينها، عبد الإله ابن كيران، تجريده من سلطة الامر بالصرف فيه، لصالح وزير الفلاحة حينها، رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، وذلك في مشروع قانون مالية 2016.
ويعود هذا الصندوق إلى الواجهة وفي رصيده 20 مليار درهم (2000 مليار سنتيم)، موزّعة بين اعتمادات أداء برسم العام 2026 بقيمة 5 ملايير درهم، واعتمادات التزام بقيمة 15 مليار درهم، يمكن التصرّف فيها خلال السنة المقبلة.
المقتضى المنصوص عليه في المادة 16 من مشروع قانون مالية 2026، ينص على تغيير اسم هذا الصندوق، ليصبح “صندوق التنمية الترابية المندمجة”، لكن وخلافا للمادة نفسها من قانون مالية 2016، لم يحدّد مشروع القانون المالي المعروض حاليا على البرلمان، الآمر بالصرف في هذا الصندوق، واكتفى بالقول: “يعيّن الآمر بقبض موارد وصرف نفقات هذا الحساب طبقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل”.
فيما كانت المادة نفسها من قانون مالية 2026، قد نصّت، ودون علم رئيس الحكومة الذي كان يعتبر آمرا بالصرف في هذا الصندوق منذ إحداثه عام 1994 (الوزير الأول في الأصل)، على أن الوزير المكلّف بالفلاحة “هو الآمر بقبض موارده وصرف نفقاته، ويمكنه أن يعيّن الولاة والعمال وكذا رؤساء المصالح الخارجية التابعين للوزارات المعنية، آمرين مساعدين بقبض موارد وصرف نفقات هذا الحساب طبقا للنصوص التنظيمية المتعلّقة بالمحاسبة العمومية”.
فلماذا لم يتضمّن مشروع قانون المالية تحديدا واضحا للآمر بالصرف في هذا الصندوق الذي يفترض أن يموّل عمليات التنمية المجالية التي أمر بها الملك منذ خطاب العرش الأخير؟ وكيف تم حذف كل من وزير الفلاحة والوزير الأول، اللذان كانا آمرين بالصرف في هذا الصندوق؟
وزارة الداخلية “بالمرصاد”
قد لا نجد الجواب في النصوص، بقدر ما نعثر عليه في سلوك الفاعلين الأقرب من هذا المجال، وتحديدا وزارة الداخلية.
الوالي المدير العام للجماعات الترابية بوزارة الداخلية، جلول صمصم، قام أول أمس الأربعاء 29 أكتوبر 2025، أي أثناء عرض مشروع قانون المالية للمناقشة العامة في لجنة المالية بمجلس النواب، بحضور لقاء من تنظيم وكالة المغرب العربي للأنباء، وقال إن مرحلة تصميم وإعداد الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة ستنطلق ابتداء من الأسبوع المقبل، من خلال إطلاق مشاورات واسعة على مستوى الأقاليم الـ 75 للمملكة.
الوالي قال إنه وطبقا لتوجيهات الملك محمد السادس، “يطلق المغرب جيلا جديدا من برامج التنمية الترابية المندمجة”، مبرزا أن “ميزة هذه البرامج تكمن في تصميمها على المستوى المحلي في إطار التشاور والإنصات، بمشاركة جميع الفاعلين المعنيين (السكان، المنتخبون، الإدارات، والمجتمع المدني).
وإلى جانب الوالي المدير العام للجماعات الترابية بوزارة الداخلية، حضرت القيادية في حزب التجمّع الوطني للأحرار، رئيسة جمعية جهات المغرب، مباركة بوعيدة، متحدّثة عن التعبئة القوية لجميع الفاعلين من أجل إنجاح تجربة التنمية في مختلف المجالات الترابية، في إطار ورشي اللاتمركز واللامركزية، وفقا للتوجيهات الملكية.
بل إن وزير الداخلية عبد الوافي الفتيت، كان قد بادر بتاريخ 15 غشت 2025، إلى إصدار المذكرة المعروفة ب”رقم 1300″، والموجهة إلى ولاة الجهات وعمال الأقاليم والمقاطعات، بهدف إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة، وذلك استجابة لتوجيهات الملك محمد السادس الواردة في خطاب العرش يوم 29 يوليوز 2025.
وأعلن وقتها أن هذه البرامج تهدف إلى إرساء نموذج تنموي ترابي حديث يقوم على تعزيز الجهوية المتقدمة، خلق فرص الشغل، تحسين الخدمات الاجتماعية، التدبير المستدام للموارد، وتهيئة ترابية متكاملة، مع إيلاء اهتمام خاص بالمناطق الهشة والقروية.
وأكدت وزارة الداخلية في تلك المذكرة على ضرورة تعبئة كافة المتدخلين من سلطات محلية، ومجالس منتخبة، وفاعلين اقتصاديين واجتماعيين، من أجل صياغة وتنفيذ برامج ملموسة ذات أثر مباشر وسريع على المواطنين، بما يضمن تسريع وتيرة التنمية ويعزز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة؛ وهو ما اعتُبر وقتها سحبا للبساط من تحت أقدار رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خاصة أن ذلك تزامن مع تكيل وزير الداخلية بالإشراف على المشاورات الخاصة بتعديل القوانين الانتخابية.
المنطق الديمقراطي في صف أخنوش
مصدر مقرّب من “مطبخ” القرار المالي والاقتصادي، قال ل”صوت المغرب” إنه ومهما كانت المرحلة وتغيّر الأشخاص والصفات، “فإن المنطق الدستوري، وكذا طبيعة تدخلات “صندوق التنمية الترابية المندمجة” المتعددة والشاملة وبين الوزارية، ولضرورة ما يتطلبه من تنسيق للسياسات العمومية، فلا يعقل أن يكون وزير الفلاحة هو الآمر بالصرف، أو أي وزير آخر، بل يفترض المنطق أن يسند أمر تدبير الحساب لمؤسسة رئيس الحكومة”.
وأضاف المصدر نفسه، الذي طلب عدم كشف هوّيته، أن بعض الأصوات ردّدت هذا الموقف في مرحلة سابقة، في إشارة منه إلى واقعة سحب اختصاص الصندوق من ابن كيران لصالح أخنوش قبل عشر سنوات.
وذهب المصدر نفسه إلى أن هذا الموقف يظلّ سليما “حتى وإن كان هناك تخوف من أن يتحول الصندوق إلى أداة للدعاية الانتخابية، خصوصا في العالم القروي عبر مشاريع موجهة، على إعتبار أن سنة 2026 هي سنة انتخابية بإمتياز، والصندوق رصدت له إعتمادات يمكن التصرف فيها برسم نفس السنة تبلغ 5 مليار درهم، إضافة إلى 15 مليار درهم كاعتمادات التزام يمكن للآمر بالصرف الإلتزام بها مقدما خلال السنة المالية 2026، من الاعتمادات التي ستخصص له في السنة المالية 2027، والجميع يعلم ما يشكله العالم القروي كخزان إنتخابي كفيل بجعل حزب يتصدر الانتخابات، وهو ما يفسر الصراع الحزبي حول هذا الحساب منذ سنة 2016”.
وخلص المصدر نفسه إلى أنه و”في إطار تنزيل المشاريع التي يمولها صندوق التنمية الترابية المندمجة، باعتباره مشروعا ملكيا طموحا، ينبغي، من جهة، البحث عن آلية تضمن احترام الدستور وقواعد التدبير المالي العمومي، ومن جهة أخرى ضمان رقابة فعالة كفيلة بألا يتحول إلى أداة للدعاية الانتخابية والاستغلال السياسي، كما ينبغي على المدبر الحكومي (الفاعل السياسي) أن يستحضر مصلحة الوطن أولا وأخيرا والإبتعاد عن المصالح الحزبية الضيقة”.
الصندوق كاد يفجّر أغلبية أخنوش
التوازن الدقيق الذي أحاط به مشروع القانون المالي لسنة 2026 هذا الصندوق، لدرجة امتناعه عن تحديد الآمر بالصرف له، في انتظار حسم تنافس محتمل بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية حوله؛ يذكرّ بلحظة صعبة عاشتها الأغلبية الحكومية في مثل هذه الفترة من سنة 2024 (شهر نونبر)، وكادت تنفجر من الداخل بسبب هذا الصندوق، عندما كان اسمه مرتبطا بالعالم القروي والمناطق الجبلية.
فبعد أن قدّم فريق “الأصالة والمعاصرة” تعديلا على مشروع قانون المالية لسنة 2025، يقضي بتقاسم الوصاية عليه بين وزارة الإسكان ووزارة الفلاحة، اندلع الجدل بدخول حزب الاستقلال على الخط، عبر مطالبة رئيس فريقه، نور الدين مضيان، وزير التجهيز والأمين العام للحزب نزار بركة، بانتزاع إشراف وزارة التجهيز على مشاريع الطرق القروية الممولة من أموال هذا الصندوق.
ورغم محاولات الوساطة التي جمعت رؤساء فرق الأغلبية والوزير المنتدب فوزي لقجع، ظل الخلاف قائمًا بين “البام” المتشبث بتعديله و”الأحرار” الرافض لأي مساس بالإشراف الحصري لوزارة الفلاحة على هذا الصندوق.
هكذا يجد الصندوق نفسه مجددا في قلب لعبة النفوذ داخل الحكومة، تماما كما حدث سنة 2016 حين نُقلت صفة الآمر بالصرف من رئيس الحكومة إلى وزير الفلاحة، لتتحوّل الأداة التنموية الموجهة للعالم القروي إلى مرآة تعكس موازين القوى بين مكونات الأغلبية أكثر مما تعكس حاجات سكان البوادي أنفسهم.
تاريخ طويل..
يعود أصل هذا الصندوق إلى قانون المالية لسنة 1994، حين أحدث تحت مسمى ” صندوق التنمية القروية” وكان يدبره الوزير الأول، كآمر بصرف نفقاته وتحصيل مداخيله. ثم جرى تغيير تسميته بموجب قانون المالية لسنة 2012 إلى “صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية”، قبل أن يقوم قانون المالية لسنة 2016 بإسناد مهمة الأمر بالصرف لهذا الحساب إلى وزير الفلاحة، تزامنا مع الرفع من الإعتمادات المخصصة له لتنزيل برنامج تقليص الفوارق المجالية (الطرق والمسالك القروية، التعليم، الصحة، التزود بالماء الصالح للشرب، الكهرباء)، حيث خصص له اعتماد يفوق 50 مليار درهم، تنفيذا للتوجيهات الملكية آنذاك، والداعية إلى الإهتمام بالعالم القروي وتقليص الفوارق المجالية بينه وبين المناطق الحضرية.
وسيتولى هذا الصندوق – إلى جانب المهام المسندة للصندوق السابق – أداء النفقات المتعلقة بتمويل برامج ومشاريع التنمية الترابية المندمجة، لا سيما تلك المتعلقة بدعم التشغيل عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي؛ وتقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة التربية والتعليم والرعاية الصحية؛ والتدبير الاستباقي والمستدام للموارد المائية في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ؛ والتأهيل الترابي المندمج…