براهمة: تجريم التشكيك في نزاهة الانتخابات انتكاسة لمبدأ حرية الرأي والتعبير
يتواصل النقاش المتصاعد حول مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، لتضمنه مقتضيات تجرّم “التشكيك في نزاهة الانتخابات”، والتي أثارت موجة انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية والقانونية بسبب ما اعتبرته انتكاسة حقيقية، ومحاولة لتقييد حرية التعبير وقمع الأصوات المنتقدة للعملية الانتخابية.
في هذا الصدد، عرضت المحامية ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سعاد براهمة مجموعة من مقتضيات المرجعيتين الدستورية والدولية التي ترى أنها تتعارض معها مسودة مشروع القانون التنظيمي، معتبرة أن هذه الأخيرة “تحول النقاش الديمقراطي حول الانتخابات إلى جريمة يعاقب عليها القانون”.
وقالت براهمة، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إنه من حيث المرجعية الدولية، فإن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 19) يضمن حرية الرأي والتعبير، بما يشمل الحق في نقد المسؤولين والمرشحين والسياسات العامة.
وأضافت أن لجنة حقوق الإنسان الأممية أكدت في تعليقها العام رقم 34 أن “التعبير عن الرأي بشأن القضايا السياسية والانتخابية هو جوهر حرية التعبير في المجتمعات الديمقراطية”. وبالتالي، ترى الحقوقية أن أي تقييد للتعبير الانتخابي “يجب أن يكون ضرورياً ومتناسباً، لا وسيلة لإسكات الأصوات المعارضة أو المنتقدة”.
أما من حيث المرجعية الدستورية، فتعتبر رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن مشروع القانون المذكور “انتكاسة حقيقية لمبدأ حرية الرأي والتعبير المكرس دستورياً”. مشيرة إلى أن الفصل 25 من الدستور المغربي ينص صراحة على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”.
كما يضيف الفصل 28 أن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية. وبناء على ذلك، فإن أي تجريم للتعبير عن الرأي، خصوصاً في الشأن العام، “يمثل خرقا واضحاً لمقتضيات الدستور وللتزامات الدولة في مجال الحقوق والحريات”، بحسب براهمة.
وشددت الفاعلة الحقوقية على أن الانتخابات ليست مجرد عملية تقنية، بل “فضاء للتعبير الحر والنقاش العمومي حول البرامج والأشخاص والخيارات السياسية”. مؤكدة أن تجريم الرأي حول المرشحين أو التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية من شأنه أن “يحصّن السلطة السياسية من المساءلة، ويحوّل النقاش الديمقراطي إلى جريمة يعاقب عليها القانون”.
وتنص المادة 51 مكرر، بحسب مشروع القانون التنظيمي المذكور، على عقوبة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات حبساً، وغرامة من 50 ألفاً إلى 100 ألف درهم، “لكل من قام أو ساهم أو شارك بأي وسيلة من الوسائل (…) في نشر أو إذاعة أو نقل أو بث أو توزيع إشاعات أو أخبار زائفة بقصد التشكيك في صدقية ونزاهة الانتخابات”.
ونبهت المحامية بهيئة سطات إلى أن هناك بالفعل قوانين كافية تُعاقب على القذف أو السب أو نشر الأخبار الزائفة أو التشهير متى توفرت عناصرها المادية والمعنوية، “مما يجعل هذا المشروع نصاً زائداً وموجهاً سياسياً أكثر منه تشريعاً ضرورياً”.
واعتبرت المتحدثة أن المشروع “يكرس ثقافة الخوف والرقابة الذاتية، ويدفع المواطنين والصحافيين والنشطاء إلى الصمت”، لافتة إلى أنه “يضعف ثقة المواطنين في العملية الانتخابية نفسها، لأن من يمنع النقاش حول النزاهة لا يعززها، بل يثير الشكوك حولها”.
وأمام هذه الصورة، ترى سعاد براهمة أن مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب مجلس النواب، بصيغتها الحالية، تمثل تراجعاً واضحاً عن مكتسبات المغرب في مجال حرية التعبير والانفتاح السياسي التي راكمها خلال العقود الأخيرة.
وأكدت أن المشروع “يتعارض مع المواثيق الدولية والدستور المغربي، ويمس جوهر الحق في المشاركة السياسية والتعبير الحر”، معتبرة أنه “انزلاق خطير نحو تجريم الرأي والنقد المشروع في قضايا الشأن العام”.
ولتدارك الأمر، دعت رئيسةُ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى سحب المشروع أو مراجعته جذرياً بما ينسجم مع المعايير الدستورية والدولية، وفتح نقاش عمومي تشاركي حول ضمان حرية التعبير خلال الفترات الانتخابية، مع تعزيز الشفافية والنزاهة الانتخابية كوسيلة لتقوية الثقة بدلاً من “تكميم الأفواه المنتقدة لها”.