من يعقوب المنصور إلى حي الرمال بغزة.. قصة أسرة مغربية تناشد السلطات لإجلائها

من على أنقاض منزل، دمرته الحرب الهمجية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 22 شهرا، ظهر مواطن مغربي يدعى نافد المقوسي، مناشدا السلطات المغربية لإجلائه رفقة أفراد أسرته من هناك، بعدما أنهكه المرض وهَدّه التجويع الإسرائيلي، في ظل حرب إبادة قضت على معالم الحياة بالقطاع المحاصر منذ أكثر من 18 سنة.
نافذ المقوسي طبيب مغربي، كان يقيم رفقة أسرته في حي يعقوب المنصور بالرباط، قاده القدر إلى قطاع غزة قبل 7 سنوات، على أمل العودة إلى أرض الوطن رفقة أسرته التي تتكون من 10 أفراد يحملون جميعا الجنسية المغربية، غير أن جائحة كورونا، سنة 2020، أجلت العودة قبل تمدد الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ أكتوبر 2023، رحلة العودة لسنوات أخرى، الأمر الذي حول حياته إلى معاناة بلا حصر، خاصة بعد فقدانه لعمله بسبب تدمير المستشفى الذي كان يشتغل به، إضافة إلى إصابته بمرض الفشل الكلوي.
في مكالمة هاتفية مع صحيفة “صوت المغرب”، تحدث الطبيب نافذ وزوجته عن مأساة الأسرة التي فقدت منزلها وتعيش ظروفا قاسية، بسبب الحرب والتجويع والمرض وانعدام مقومات الحياة، مؤكدين أن الأسرة على أبواب كارثة إنسانية تحتم تدخلاً عاجلا من السلطات المغربية لإجلائهم جميعا من هناك.
من الرباط إلى غزة.. رحلة قاسية لم تنته
يقول نافذ في حديثه مع “صوت المغرب” إنه سافر مع أسرته إلى الرباط عام 2018 محاولا استكمال حياته هناك، لكنه اضطر للعودة إلى غزة لأسباب خاصة على أمل العودة سريعا مع أسرته مرة أخرى إلى المغرب، إلا أن جائحة كورونا والحصار المستمر أجلا عودتهم، حتى اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر عام 2023.
ويضيف بصوت يملأه الألم: “نحن الآن نعيش في حي الرمال المكتظ، لا ماء ولا كهرباء، ولا غذاء إلا بشق الأنفس. كيلو الدقيق يعادل 300 درهم، والسكر يتجاوز 2000 درهم، كل شيء أصبح غالياً بشكل غير مسبوق.”
أما عن ممتلكاته، فيقول نافذ: “كل ما كنت أملكه من بيوت وأراض دمر بالكامل. لم يتبق لنا سوى منزل شقيقي، انتقلنا إليه رغم شعورنا بأننا متطفلون، لكننا لم نجد خيارا آخر.”
شهادة من قلب المعاناة
تدخلت زوجته لتروي جانبا من المعاناة التي تواجهها الأسرة، قائلة: “عشت في المغرب وحصلت على إقامة، وعدت إلى غزة لرؤية عائلتي، لكن للأسف بقينا هنا وسط الحرب.”
وتتابع: “نعتمد يوميا على مساعدات قليلة، وأذهب صباحا لأجلب ماء صالحا للشرب، وهو ضروري جدا لزوجي المصاب بالفشل الكلوي. كما يحتاج إلى الخضروات ليحافظ على صحته، لكن ارتفاع أسعارها يجعل توفيرها أمرا صعبا.”
وتروي أصعب اللحظات التي مرت بها منذ بداية الحرب حين كان زوجها في العناية المركزة، لم تستطع الخروج من القطاع، “فالتنقل والنزوح كان خطيرا جدا بسبب حالة زوجها الصحية، بينما تم إجلاء كثير من المغاربة.”
وتختم برسالة موجهة للسلطات المغربية: “نحن الآن في شمال شرق غزة، ونتوقع اجتياحا قريبا. نخشى أن يكون كل يوم هو الأخير لنا. نناشد السلطات المغربية التدخل السريع لإنقاذنا، فأطفالنا يستحقون الحياة في وطنهم المغرب”، مضيفة “ابنتاي دانة و أماني هن مغربيات! أتمنى أن يتم إجلائهن و يعشن حياتهن في المغرب.”
نداءات في ظل الصمت
رغم محاولات إخوان الدكتور نافذ المتواجدين في المغرب التواصل مع وزارة الخارجية والسلطات المختصة، لم تتلق الأسرة حتى الآن استجابة تضمن عودتهم بأمان إلى وطنهم.
ويشير نافذ في تصريحه إلى أن السفارات الفرنسية والألمانية تدخلت لمساعدة مواطنيها في غزة، مما يفتح باب الأمل للتدخل المغربي بشكل عاجل، مضيفا: “لو تواصلت السفارة المغربية بأسمائنا، لكنا خرجنا في أسرع وقت، ألمانيا و فرنسا مثلا تتواصل مع إسرائيل و تقوم بإجلاء رعاياها عن طريق الصليب الأحمر، و نحن أيضا نأمل تدخلا عاجلا من السلطات المغربية.”
و تشهد غزة اليوم أسوأ أيامها منذ بداية الحرب، مع تزايد الضربات الجوية والحصار الخانق من طرف الاحتلال الإسرائيلي، وسط صمت دولي يفاقم المعاناة الإنسانية، حيث تتصدر قصص الأسرى العالقين عناوين الأخبار والمناشدات.
قصة الدكتور نافذ وأسرته ليست حالة فردية، بل هي واحدة من آلاف القصص التي توثق المأساة الحقيقية لشعب يعيش إبادة جماعية، وتزداد المخاوف من اجتياح غزة في قادم الأيام، في ظل عجز الدولي عن التدخل لوقف الحرب على القطاع الأعزل.
أكرم القصطلني _صحافي متدرب