“من الرباط”.. محللون يناقشون دلالات احتجاجات “جيل Z” وتحولاتها في المغرب

قدّم ضيوف برنامج “من الرباط“، الذي يُبث منصات صحيفة “صوت المغرب”، قراءات متباينة حول طبيعة ودلالات احتجاجات “جيل Z” التي شهدتها مدن مغربية نهاية شتنبر 2025، متوقفين عند رمزية الجيل الجديد، وسياقات الحراك، وحدود تأثيره في المشهد السياسي والاجتماعي.
وفيما اعتبر بعض المتدخلين أن ما يجري يمثل حلقة جديدة من تراكم الموجات الاحتجاجية في المغرب، رأى آخرون أن هذه التحركات لا يمكن اختزالها في فئة عمرية محددة خرجت بعفوية، بل تعكس تفاعلات أعمق داخل المجتمع، بين تعبيرات شبابية رقمية وتحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية متراكمة.
وفي السياق، اعتبر الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي، خالد البكاري، أن ما يعيشه المغرب من احتجاجات “لجيل Z” لحظة جديدة من تراكم موجات الاحتجاج التي تشهدها البلاد منذ سنوات، والتي تظهر في كل مرة بأشكال مختلفة، ما يعكس، حسب تعبيره، تصاعد حالة عدم الرضا تجاه السياسات العمومية وطريقة تدبير الشأن العام.
وأوضح البكاري، أن الحركة الاحتجاجية الحالية لم تتطور بعد لتصبح جزءًا من المعادلة السياسية، مشيرًا إلى أن الجميع ينتظر ما إذا كانت هذه الموجة ستخمد أم ستفرز تحولًا أعمق في المرحلة المقبلة.
وقال: “من الصعب أن أصف هذه الحركة بأنها انتفاضة بالمعنى السياسي الدقيق، لكن إذا تحدثنا بالمفهوم المجازي، يمكن اعتبارها كذلك، لأنها لم تعبّئ بعد زخماً شعبياً واسعاً”.
وأضاف أن المقارنة مع “حركة 20 فبراير” تظل مفيدة لفهم السياق، مبرزًا أنه “حتى في 20 فبراير سنة 2011 لم يخرج عدد كبير من الناس إلى الشوارع لفرض جميع المطالب، ومع ذلك، وبحسب موازين القوى آنذاك، اعتُبر الدستور الذي صدر رغم التحفظات عليه مكسباً سياسياً”.
ويرى البكاري أن الاحتجاجات الأخيرة لم تصل بعد إلى مستوى الزخم الكبير، مُرجعًا ذلك إلى طبيعتها المفاجئة، وإلى أن التعاطف الشعبي معها نابع من عدالة مطالبها، خصوصاً في مجالي الصحة والتعليم، اللذين يمسان جميع فئات المجتمع.
وأضاف أن الجهة الداعية للحراك، أي الشباب، نجحت في كسب التعاطف العام، لأنها كسرت الصورة النمطية التي تُقدَّم عن الشباب المغربي باعتباره “غير مهتم بالسياسة أو سطحي التفكير”، موضحًا أن ما وقع أظهر العكس تماماً.
وأكد البكاري أن بعض الأحداث الدامية التي شهدتها مناطق مثل القليعة لم تُضعف هذا التعاطف، إذ “كان واضحاً أن هناك تمييزاً شعبياً بين التظاهر السلمي وأعمال العنف”.
وختم البكاري بالقول إن حركة “جيل Z” فاجأت الجميع، مضيفاً أنه “لم تكن لدينا الأدوات الكافية لفهمها في البداية، لكن مع مرور الأيام بدأنا نستوعب بعض جوانبها، وفي الوقت نفسه تزداد الأسئلة والغموض حول جوانب أخرى”.
ومن جانبه، قال مصطفى كرين، رئيس مركز دراسات آسيا والشرق، إن الاحتجاجات الأخيرة في المغرب، رغم طابعها الجديد، لا يمكن اختزالها في كونها حركة خالصة لـ”جيل Z”، مشيرًا إلى أنها أقرب إلى نتيجة تفاعلات ومفاوضات بين فاعلين يتحركون في الظل، فيما يظل الشباب في الواجهة فقط.
وأوضح كرين، في قراءته لسياق احتجاجات “جيل Z”، أن هذه التحركات بدا منذ البداية متحكمًا فيها من حيث الحجم والتوقيت والشعارات، معتبراً أنها “احتجاجات بطابع خاص أو بنكهات جيل Z، وليست بالضرورة احتجاجات لجيل Z نفسه”.
وأكد المتحدث أن الانطباع العام الذي خرج به هو “أننا أمام مفاوضات في الشارع” بدل المفاوضات المباشرة، معتبرًا أن هناك مفاوضة غير معلنة بين طرفين غير معروفين، وربما بين جهات خفية تتفاعل فيما بينها، وتجعل من الشارع ساحة لتبادل الرسائل السياسية والاجتماعية.
وأشار إلى أن ما يجري ليس مجرد احتجاجات تلقائية باسم “جيل Z”، لأن الشعارات المرفوعة لا تشبه شعارات هذا الجيل كما عُرفت عالميًا، مردفا أنه “في دول أخرى مثل النيبال أو الفلبين، كانت شعاراتهم سياسية واضحة، ترفع مطالب بتغيير جذري في الواقع السياسي والاجتماعي، أما في المغرب فتم حصر المطالب في قضايا الصحة والتعليم، وهي قضايا مجتمعية عامة لا تخص هذا الجيل وحده”.
ويرى مصطفى كرين أن هذا التحكم في مضمون المطالب يُظهر أن ما يحدث هو عملية تفاوض غير مباشرة عبر الشارع، مشيرًا إلى أن ذلك أربك حتى طريقة تعامل السلطات مع الاحتجاجات، حيث لوحظ أن ردود فعلها لم تكن على وتيرة واحدة، “أحيانًا كان هناك تعامل أمني عنيف، وأحيانًا أخرى تعامل متسامح أو حذر، ما يعكس وجود ارتباك أو غياب وضوح في تقدير الموقف”، على حد قوله.
ومن جهته، قال رشيد أوراز، الباحث الرئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، إن “جيل Z”، المغربي ما زال في مرحلة التكوين، متوقعًا أنه في أفق 2030 أو 2035 قد نشهد نضوجًا فعليًا لهذا الجيل على المستويين السياسي والاجتماعي، بحيث يصبح قادرًا على التأثير في مجريات الأمور وصناعة القرار، شريطة أن تترافق هذه الدينامية مع إصلاحات اقتصادية وتنموية شاملة تمس مختلف الفئات والمناطق.
وأوضح أوراز، أن الفئة العمرية التي يُطلق عليها “جيل Z”، أي الذين تتراوح أعمارهم اليوم ما بين 13 و28 سنة تمثل حوالي تسعة ملايين مغربي ومغربية، أي ما يقارب ربع سكان المغرب، مشيرا إلى أن نحو مليوني شاب منهم، أي حوالي 20% من هذه الفئة، يبلغون 25 سنة، وهي السن التي يبدأ فيها الشباب عادةً تأسيس حياتهم ومواجهة تحديات سوق الشغل، وبناء وعيهم الذاتي والسياسي.
ورغم حضور هذه الفئة بقوة في الفضاء الرقمي، خصوصًا على منصات مثل “ديسكورد”، يرى أوراز أنه من الصعب القول إن ما يجري اليوم يمثل حركة اجتماعية ناضجة يقودها “جيل زد”، موضحًا “أننا أمام بدايات تشكل جيل زد مغربي في الفضاء الرقمي، أكثر منه حركة اجتماعية متكاملة في الشارع”.
وأضاف أن بعض الحركات العالمية التي شهدتها دول مثل مدغشقر والفلبين في الأشهر الأخيرة، جرى استثمار رمزيتها وخطابها لتسويق حركية مغربية محلية، لكنها تختلف عن حركة 20 فبراير التي كانت جزءًا من موجة “الربيع العربي”، لأن هذه الأخيرة ترتبط بسياق عالمي رقمي متشابك يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، ويعتمد على التواصل السهل والتأثير المتبادل عبر الإنترنت، وهو ما يحمل في رأيه نوعًا من الخطورة.
وفي قراءته للوضع الاقتصادي والاجتماعي، نبّه أوراز إلى أن معدل التضخم خلال السنوات الثلاث الأخيرة تجاوز 6%، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 20% وفق الأرقام الرسمية، أما نسبة البطالة بين الشباب في المدن (ما بين 25 و35 سنة) فقد بلغت 51%، بينما تتجاوز 40% بين حاملي الشهادات، وهو ما اعتبره “جرس إنذار اجتماعي حقيقي”.
كما أشار إلى أن المغرب شهد في السنوات الأخيرة تطبيعًا مقلقًا مع مظاهر الفساد وتضارب المصالح، ما جعل السياسة تُرى أحيانًا كـ“وسيلة للاغتناء وليس لخدمة الصالح العام”، معتبرا أن هذا التحول في القيم السياسية، إلى جانب انسداد الآفاق الاقتصادية، أدى إلى فقدان الثقة في المؤسسات، ودفع كثيرًا من الشباب إلى البحث عن أشكال جديدة للتعبير والاحتجاج.
وختم أوراز بالقول إن الاختناق الذي عرفته المنصات التقليدية مثل “فايسبوك” جعل منصات كـ”ديسكورد” فضاءً بديلاً للنقاش والتنظيم، بفضل الخصوصية وسهولة التواصل التي توفرها، ما يشكل ملامح أولى لظهور جيل رقمي جديد يبحث عن صوته في المجال العام.
لمشاهدة الحلقة كاملة، يرجى الضغط على الرابط