مراسلون بلا حدود: الصحافيون المغاربة لا يزالون يتعرضون للقمع

قالت منظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF) إنه بعد عام على العفو الملكي عن مجموعة من الصحافيين ومعتقلي الرأي، “لا تزال الصحافة تتعرض للقمع” في المغرب، الذي يحتل المرتبة 120 من أصل 180 بلدًا في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2025.
وأوضحت المنظمة، في تقرير اطلعت عليه صحيفة “صوت المغرب”، أن الصحافة المستقلة “تتعرض للقمع” في المغرب، إذ يتم استهداف عدد من الصحافيين باتهامات متنوعة، “تُستخدم على إثرها العدالة كأداة للترهيب بهدف إسكاتهم”.
ومن بين هؤلاء الصحافيين، ذكرت “مراسلون بلا حدود” حميد المهداوي، مدير موقع “بديل”، وحنان بكور، مديرة نشر صحيفة “صوت المغرب”، وهشام العمراني، مدير موقع “أشكاين”، وعبد الحق بلشكر، مدير نشر موقع “اليوم 24″، إلى جانب الصحافي المستقل محمد اليوسفي.
ملاحقات مستمرة
وقالت المنظمة إنه رغم أن العفو الملكي في يوليوز 2024 أدى إلى إطلاق سراح الصحافيين توفيق بوعشرين، وعمر الراضي، وسليمان الريسوني، فإن “الآمال التي أثارها ذلك بتحسين حرية الصحافة قد خابت”.
وأشارت إلى أنه منذ ذلك الحين، “لم تتوقف حملات المضايقة القضائية والتشهير ضد الصحافيين المنتقدين، بل تكثفت”، داعيةً السلطات المغربية إلى وضع حد لقمع الصحافيين المهنيين، وإطلاق إصلاح حقيقي لقطاع الصحافة في البلاد.
وفي هذا الصدد، قال أسامة بوعقيلة، مسؤول المناصرة في مكتب شمال إفريقيا التابع لمنظمة RSF: “بعد عام من العفو الملكي، لا يزال الصحافيون المغاربة تحت تهديد دائم بالملاحقات القضائية وحملات التشهير”.
وتوقفت المنظمة عند أبرز الملفات التي تهم ملاحقة صحافيين مغاربة، بينها خمس ملاحقات قضائية بحق مدير موقع “بديل.أنفو”، حميد المهداوي، مشيرة إلى أن جميعها رفعها ضده وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
وانتقدت المنظمة استناد الحكم على المهداوي إلى القانون الجنائي، متجاوزًا بذلك قانون الصحافة الذي يستثني العقوبات السالبة للحرية في مثل هذه القضايا. إذ أيدت محكمة الاستئناف، في 30 يونيو 2025، الحكم الصادر بحقه بالسجن 18 شهرًا وغرامة مالية قدرها 1.5 مليون درهم، بتهمة “نشر مزاعم كاذبة” و”التشهير”، قبل إحالة القضية إلى محكمة النقض.
وأشارت أيضًا إلى ملاحقتين أخريين تتعلقان بتهم “السب” و”نشر مزاعم كاذبة” على خلفية تعليقات صحافية حول أنشطة الوزير، فضلًا عن فتح تحقيقين إضافيين بشأن منشورات المهداوي.
وذكرت المنظمة أيضًا إدانة الصحافية حنان بكور، مديرة نشر صحيفة “صوت المغرب”، من قبل محكمة الاستئناف في دجنبر 2024، بشهر حبس مع وقف التنفيذ، وغرامة 500 درهم مع تعويض قدره درهم واحد لصالح التجمع الوطني للأحرار، على خلفية منشور على فيسبوك حول الانتخابات الجهوية، بناءً على شكوى من طرف حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقوده رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش.
وبناءً على شكاية من وزير العدل أيضًا، كان يُحاكَم مدير موقع “أشكاين”، هشام العمراني، بتهم “السب” و”نشر مزاعم أو وقائع غير صحيحة بسوء نية”، بعد مقال نُشر في يوليوز 2024 بشأن قضية “إسكوبار الصحراء”، التي تتعلق بالفساد وتهريب المخدرات وتورط شخصيات نافذة، قبل تبرئته في أبريل 2025.
كما يُلاحَق من قبل الوزير نفسه عبد الحق بلشكر، بتهم “السب” و”التشهير”، وتقول المنظمة إن ذلك جاء إثر تحقيق صحافي حول تصريح مثير للجدل للوزير بخصوص خبرة قضائية في نزاع عقاري، مشيرة إلى أن “القضية لا تزال جارية”.
وفي مدينة العيون، قدّم الصحافي محمد اليوسفي طعنًا بعد الحكم عليه في يونيو 2025 بالسجن شهرين نافذين وغرامة قدرها 5,000 درهم، بتهم “التشهير”، و”نشر مزاعم كاذبة”، و”إهانة هيئة منظمة”، و”نشر صور أشخاص دون موافقتهم”، وذلك بناءً على شكاوى من منتخبين محليين في العيون، بعد منعه من تغطية حدث رسمي.
“تشهير ممنهج”
أما بخصوص التشهير، فتقول منظمة “مراسلون بلا حدود” إنه منذ اليوم التالي للعفو الملكي في 2024، استُهدف الصحافيون المفرج عنهم بحملات تشهير واسعة، طالت أيضًا أفرادًا من عائلاتهم، ووجّهت إليهم اتهامات خطيرة مثل “العمالة للخارج”، و”الفساد”، و”انتهاك الخصوصية”.
وأشارت إلى أن الصحافي توفيق بوعشرين، مؤسس جريدة “أخبار اليوم” (المتوقفة عن الصدور)، من بين الصحافيين الأكثر استهدافًا، وذلك بعدما سُجن لمدة ست سنوات، إلى جانب الصحافي سليمان الريسوني، رئيس تحرير الجريدة ذاتها، والذي قضى أربع سنوات في السجن.
كما كان الصحافي الاستقصائي عمر الراضي، الذي سُجن أيضًا لمدة أربع سنوات، كان هو الآخر هدفًا لحملات تشويه ممنهجة، إلى جانب الصحافي حميد المهداوي.
وأشارت المنظمة أيضًا إلى قضية رئيس تحرير بموقع “العمق”، خالد الفاتحي، لافتة إلى أنه “تم التشهير به علنًا من قبل رئيس الحكومة السابق (عبد الإله ابن كيران) خلال تجمع لحزبه”.
وأوضحت أن معظم هذه الحملات “تُنفذ عبر مواقع متخصصة في التشهير والتضليل، ضمن استراتيجية تهدف إلى ترهيب الصحافيين”، الذين يتعرضون لما وصفته بـ”توظيف منهجي ومتعمد لقضايا الحق العام”، بهدف النيل من مصداقيتهم وإسكاتهم في نهاية المطاف.
وشددت المنظمة على أنه “إن كان من المهم التأكيد على أن الصحافيين لا يتمتعون بحصانة قانونية، فإن الطابع المنهجي وغير المؤسس لهذه الاتهامات لا يمكن تجاهله”.
دعوة لإصلاح القطاع
ودعت منظمة “مراسلون بلا حدود” المجلس الوطني للصحافة إلى الاضطلاع بدوره الكامل عبر التحقيق في القضايا التي تطال الصحافيين المذكورين، بغرض تقييم مدى وجوب معاقبة الوسائل الإعلامية المتورطة في انتهاكات أخلاقية.
كما دعت السلطات المغربية إلى احترام قانون الصحافة والنشر، ووقف اللجوء إلى القانون الجنائي لإسكات الصحافيين، مع الاعتماد على قانون الصحافة الذي يوفر إطارًا أكثر ملاءمة لاحترام الحقوق والحريات، فضلاً عن إصلاح هيكلي يضمن حرية الصحافة ويفتح الطريق لتعددية حقيقية.
وأكدت الهيئة ذاتها، ضرورة إلغاء ما يُعرف بـ”الخطوط الحمراء” المنصوص عليها في المادة 71 من قانون الصحافة، ومواءمته مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق عليه المغرب.
وحثت على إنشاء إطار شفاف وغير تمييزي لمنح الدعم العمومي للصحافة، بما يعزز التعددية ويكفل إعلامًا حرًا ومتعددًا، داعية إلى استئناف الحوار البنّاء واستعادة الثقة بين السلطة التنفيذية والمنظمات المهنية، وكذلك مع منظمات الدفاع عن حرية الصحافة، بما فيها “مراسلون بلا حدود”.