محلل: غزة تربح سياسيًا من زيارة ترامب الخليجية وعزلة نتنياهو تزداد

أوضح أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية عبد العالي حامي الدين، أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج، والتي شملت أساسا السعودية والإمارات وقطر، “حققت العديد من المكاسب السياسية والتفاوضية المهمية لغزة، أبرزها توسيع الهوة بين نتنياهو وترامب”، من خلال فتح قنوات تفاوض مباشرة بين الإدارة الأميركية وحركة حماس، “وهو ما يُعد اعترافًا ضمنيًا بحركة كانت تُصنف أميركيًا على لوائح الإرهاب”.
وأضاف الأستاذ الجامعي أن من بين هذه المكاسب أيضًا تراجعًا واضحًا في المخطط الأميركي الرامي إلى تهجير سكان قطاع غزة نحو الدول المجاورة، إلى جانب انطلاق مفاوضات في الدوحة تهدف إلى التوصل إلى اتفاق شامل لوقف العدوان، وإدخال المساعدات الإنسانية، والبدء في عملية إعادة الإعمار، والتفاهم حول ترتيبات إدارة القطاع بعد الحرب.
وشدّد أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط على أن هذه المكتسبات، رغم أهميتها، تبقى رهينة الترجمة العملية على الأرض، داعيا الدول العربية إلى ممارسة ضغط دبلوماسي جاد لدعم هذا المسار، واستثمار ما لديها من أوراق سياسية لدفع المجتمع الدولي نحو حل عادل ومستدام للوضع في غزة.
وقبيل بداية جولة ترامب الخليجية، التي بدأها الثلاثاء 13 ماي 2025 من السعودية، قام فريق أميركي بعقد سلسلة لقاءات مباشرة مع قادة حركة “حماس” الفلسطينية في العاصمة القطرية الدوحة، أسفرت عن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر، الإثنين 12 ماي 2025.
وخلال الزيارة، صرّح ترامب بأن إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأميركي ألكسندر عيدان يمثل خطوة حسن نية تجاه الولايات المتحدة والوسطاء مثل قطر ومصر، معربا عن أمله في أن يكون هذا الإفراج أولى الخطوات الأخيرة اللازمة لإنهاء ما وصفه بـ”الصراع الوحشي للغاية”.
وفي تصريح آخر، قال الرئيس الأمريكي، إن “لديه تصورات جيدة جدا لغزة لجعلها منطقة حرية”، مؤكدا أن بلاده تعمل بجد بشأن القطاع.
كما أوضح ترامب، في تصريحات له من قطر، أنه “سيكون فخورا لو تملكت الولايات المتحدة الأمريكية الأمر وجعلتها منطقة حرية وتسمح بحدوث بعض الأمور الجيدة”، داعيا إلى وضع الناس في منازل يمكنهم أن يكونوا فيها بأمان، واصفا غزة بأنها “أرض للموت والدمار لسنوات طويلة” وأنه “لا يوجد أي مبنى قائم تقريبا في غزة ويعيش الناس تحت أنقاض المباني المنهارة وهو أمر غير مقبول إنه موت هائل”.
وشدد على ضرورة التعامل مع حركة المقاومة الإسلامية -حماس-، رغم تنديده بعملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، ردا على وحشية وجرائم الاحتلال الإسرائيلي الممتدة لعقود من الزمن.
ومن جهة أخرى، أكد ترامب خلال مشاركته في منتدى أعمال في أبوظبي، أن “الناس يُجوعون” في غزة، مؤكدا أن الحرب ستُعالج، حيث قال “نحن ننظر في أمر غزة، وسنعمل على حل هذه المشكلة، الكثير من الناس يتضورون جوعا”.
كما قال أيضا “لم يتم حل مشكلة غزة قط، وإذا نظرتم إليها، لديّ لقطات جوية، أعني أنه لا يوجد أي مبنى قائم تقريبًا. يعيش الناس تحت أنقاض المباني المنهارة، وهو أمر غير مقبول، إنه موتٌ هائل، وأريد أن أراها منطقةً حرةً”.
هذا التحول في الموقف الأميركي، بحسب حامي الدين، تمليه جملة من العوامل المتداخلة، وعلى رأسها فشل نتنياهو في تحرير الأسرى الإسرائيليين بواسطة القوة، وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى التدخل وفتح خط مباشر مع حماس من أجل تحرير الأسير الأمريكي الإسرائيلي ألكسندر عيدان.
وأشار المتحدث، إلى أن تنامي الوعي داخل الرأي العام الأمريكي بحقيقة الاحتلال الإسرائيلي وارتفاع حدة الغضب من الدعم الأمريكي للاحتلال شكل بدوره ضغطا سياسيا ومعنويا على إدارة الرئيس ترامب الذي وعد بإنهاء الحرب، فضلا عن دور الصمود الكبير للمقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني وإصرارهما على خيار المقاومة في مواجهة مخطط الإبادة الجماعية وسياسة القتل و التدمير الممنهج لقطاع غزة.
فضلا عن ذلك، يقول المتحدث إن تهديد المصالح الأمريكية في منطقة البحر الأحمر وتلقي السفن الأمريكية لضربات مؤلمة على يد الحوثيين، اضطر ترامب لإنجاز اتفاق مع الـحوثيين بشكل مباشر، لوقف الاعتداءات المتبادلة، وذلك بمعزل عن أي تنسيق مع الكيان المحتل، مشددا على أن كل هذه العوامل ساهمت في تغير الخطاب الأمريكي تجاه غزة، غير أن هذا الخطاب لا زال لم يتحول بعد إلى قرارات على أرض الواقع.
في المقابل، ترى إسرائيل أن ترامب بات يمارس “دبلوماسية خشنة” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بدأت في عزله تماماً عن ترتيبات المنطقة، بدءاً بالاتفاق الأميركي مع الحوثيين على وقف إطلاق النار، وصولاً إلى التفاوض مع إيران وفق اعتبارات أميركية وليس إسرائيلية.
وإلى جانب ذلك، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاقات مع السعودية، وفق مصالح مشتركة بين الدولتين، دون أخذ المطالب الإسرائيلية بعين الاعتبار، وفتح حوار أولي مع “حماس” بشأن مستقبل قطاع غزة، ودور الحركة في الاستقرار الأمني والسياسي.
أمام هذه التحركات، عبّر نتنياهو عن موقف متشدد، حيث أكد أنه “سيواصل الحرب على حماس، حتى لو سلمت جميع الأسرى الإسرائيليين، وأنه لن يوقف هذه الحرب حتى القضاء على الحركة”.
واعتبر محللون أن تصريحات نتنياهو موجهة إلى الإدارة الأميركية، أكثر من كونها رسائل للأطراف الأخرى، إذ تعكس انفعاله من الخطوات الأميركية التي باتت تتجاوز التنسيق التقليدي مع إسرائيل، مبرزين أن نتنياهو بات يعيش عزلة سياسية متزايدة بسبب مواقفه المتشددة.
وفي هذا السياق، أكد حامي الدين، أن نتنياهو يدرك تمامًا أن التحركات الأميركية الأخيرة تتعارض مع أهدافه المعلنة، وتشكل تحولًا لافتًا في الموقف الأميركي من الحرب على غزة، موضحا أنه أمام نتنياهو خيارين لا ثالث لهما: إما التراجع عن عرقلة التوصل إلى اتفاق شامل مع المقاومة، ما قد يؤدي إلى سقوط حكومته ونهايته السياسية، أو الاستمرار في العرقلة مع ما يرافق ذلك من تداعيات سلبية.
وخلص عبد العالي حامي الدين إلى أن استمرار نتنياهو في هذا المسار سيؤدي إلى مزيد من تعقيد الأوضاع ميدانيًا، واتساع الهوة مع الإدارة الأميركية، وزيادة العزلة الدولية، فضلًا عن الخسائر المتفاقمة على الأرض، مشددا على أن الضغط الأميركي، إن تواصل، سيجبر نتنياهو على الرضوخ في نهاية المطاف.