“فراقشية الانتخابات”: “الأعيان” ريع دائم وإرث خالد!

في القاموس الشعبي للسياسة المغربية، يطلق البعض على فئة من الفاعلين المحليين وصف “فراقشية الانتخابات”. التسمية، وإن بدت هجومية في ظاهرها، تعكس بدقة الدور الذي يلعبه هؤلاء “الأعيان” في التحكم في مسار الاستحقاقات، من خلال شبكات ولاء تمتد داخل الدوائر الانتخابية المغلقة، حيث يعرفون كل صوت، ويستثمرون كل درهم وكل علاقة على اختلاف طبيعتها ومستوياتها.
الأحزاب، على اختلاف مرجعياتها، تدرك تمام الإدراك أن هؤلاء “الأعيان” يمثلون اختصارًا للطريق نحو المقاعد البرلمانية. فهم قادرون، عبر رصيدهم من السطوة الاجتماعية والاقتصادية، على تحويل الدائرة الانتخابية إلى خزّان أصوات مضمون. وهكذا تتحول التحالفات معهم من خيار سياسي إلى ضرورة انتخابية، حتى وإن كان الثمن هو جعل القرار الداخلي رهينة بين أيديهم – les partis sont pris en otage – في معادلة تجعل الأحزاب أسيرة أشخاص لا يمكن تجاوزهم في أي استحقاق انتخابي.
تاريخيًا، يعود حضور “الأعيان” إلى بدايات التجربة التمثيلية في المغرب، حين تداخلت بنية السلطة المحلية مع آليات الانتخاب، لتنتج نخبة هجينة تجمع بين الشرعية التقليدية وقدرة التعبئة الانتخابية. ومع مرور الزمن، ترسخت هذه المواقع حتى بات من الصعب منافستها، ليس فقط بسبب المال أو النفوذ، بل بفعل شبكة مصالح متداخلة، متنوعة، وعلى مستويات أحيانًا متناقضة.
وفي السياق نفسه، أحدثت اللائحة الوطنية والجهوية في الأصل بهدف تجديد النخب البرلمانية وإعطاء فرص أكبر للشباب والنساء، غير أن الحصيلة الفعلية على مستوى الأداء داخل المجلس أظهرت محدودية هذا التجديد. فبدل أن تشكل مدخلًا لضخ دماء جديدة في الحياة البرلمانية، تحولت لدى “الأعيان” إلى امتداد لاحتكار الدوائر الإقطاعية وتجسيدًا لارتهانها للأحزاب، عبر ترشيح الأبناء والبنات والزوجات، مما عمّق منطق القرابة والولاء العائلي على حساب الكفاءة والالتزام الوطني.
ولعل أبرز إشارة رسمية إلى هذه الظاهرة جاءت في خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله أمام البرلمان في 10 أكتوبر 2014، حين قال:
«… وعلى بعد أقل من سنة على الانتخابات المحلية والجهوية، أتوجه إلى جميع الفاعلين السياسيين: ماذا أعددتم من نخب وبرامج، للنهوض بتدبير الشأن العام؟
إن التحدي الكبير الذي يواجه مغرب اليوم، لا يتعلق فقط بتوزيع السلط بين المركز والجهات والجماعات المحلية، وإنما بحسن ممارسة هذه السلط، وجعلها في خدمة المواطن».
وفي مرحلة فاصلة من تاريخ المغرب، وفي أفق الاستحقاقات القارية والدولية التي تنتظر البلاد، نكاد لا نحتاج إلى خطابات أو شعارات بقدر ما نحتاج إلى كفاءات متشبعة بالحس الوطني، قادرة على تحويل الأهداف الوطنية الكبرى إلى إنجازات عملية، بالشكل المطلوب وفي الزمن المفروض، زمن لا يسمح بأي تأجيل أو تردد. فالتحديات التي يواجهها المغرب اليوم تتطلب تمثيلية سياسية قائمة على القدرة على الإنجاز، لا على شبكات النفوذ التقليدي.
من هنا، يبرز السؤال الحاسم: هل يمكن تحرير القرار الحزبي من هيمنة “فراقشية الانتخابات” دون أن ينهار التوازن الانتخابي للأحزاب؟ وهل تمتلك هذه الأخيرة الجرأة على بناء شرعيتها عبر العمل الميداني والالتزام الوطني، بدل الارتهان لـ“الأعيان” الذين يملكون مفاتيح صناديق الاقتراع؟